في ظل التسريبات الصحفية التي تشير للقاء سعودي إيراني عُقد مؤخرًا في العاصمة العراقية بغداد، برزت ترجيحات عديدة حول وساطة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في تحقيق تقارب سعودي إيراني محتمل. وقد بدأ الكاظمي منذ يوليو الماضي بالتزامن مع زيارته طهران ثم الرياض، في بناء منصة حوار بين البلدين اللذين تباعد بينهما المواقف السياسية والمصالح والتوجهات الأيدولوجية.

التقارب السعودي الإيراني.. هل عُقدت مباحثات أم لم تعقد؟

حسب صحيفة “فاينانشال تايمز“، فإن بغداد شهدت في وقت سابق من أبريل الجاري “محادثات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين كبار”. الأمر الذي ربما تنعكس نتائجه على الوضع في الشرق الأوسط. وقد نقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤولين سعوديين -لم تفصح عن هوياتهم- أن “الجولة الأولى من المحادثات السعودية الإيرانية التي جرت في بغداد في التاسع من أبريل، كانت إيجابية”.

أشارت الصحيفة كذلك إلى أن من بين القضايا التي طرحها الوفد السعودي، بقيادة رئيس المخابرات العامة، خالد الحميدان، كانت “هجمات جماعة الحوثي اليمنية، الموالية لإيران، على الرياض”.

وبينما تنفي إيران وقوع تلك المحادثات، وترفض السعودية التعليق رسميًا، تحدثت مصادر لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، في نسختها الإنجليزية، عن أن “السعودية وإيران أجرتا المحادثات الأولية للغاية في العراق تمهيدًا لمحادثات دبلوماسية رفيعة المستوى”. وتابعت: “المحادثات عُقدت لسد الفجوة في وجهات النظر بين البلدين”. وأوضحت أنه ستكون هناك المزيد من المحادثات في المستقبل القريب. إذ أن رئيس الوزراء العراقي يدعم بشكل مباشر المحادثات القائمة في بلاده حاليًا.

اقرأ أيضًا: نفوذ طهران بالعراق.. حيل إيرانية في مواجهة خطط التقويض

إلى ذلك، فقد نفى مسؤولون إيرانيون لقناة “الميادين” اللبنانية -القريبة من حزب الله اللبناني المدعوم من طهران- وقوع لقاء في بغداد بين الرياض وطهران. قالوا: “لم تتم محادثات بين مسؤولين سياسيين إيرانيين وسعوديين”. بيد أن وكالة “رويترز” كشفت عن بعض جوانب وتفاصيل هذا الاجتماع السعودي الإيراني.

وذكرت أن “السعودية وإيران أجرتا محادثات في بغداد يوم 9 أبريل في محاولة لتخفيف التوتر بين الدولتين الخصمين”. ذلك في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة على إحياء الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني وإنهاء الحرب في اليمن. و”كان الاجتماع على مستوى منخفض انعقد من أجل تحديد ما إذا يوجد هناك سبيل لتخفيف التوتر المستمر في المنطقة”.

كما أن المحادثات تطرقت إلى قضية اليمن. حيث تقود السعودية منذ مارس 2015 التحالف العربي الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها يمنيًا في النزاع مع قوات الحوثيين، التي تؤيدها إيران.

الرياض لا ترفض التفاهم.. ولكن

في حديثه لـ”مصر 360″، أوضح المستشار السابق بوزارة الخارجية السعودية سالم اليامي، أن الرياض لم ترفض إطلاقًا التفاهم مع إيران أو الجلوس للتفاوض معها سياسيًا عوضًا عن النزاع والمناكفة. وقد ألمح إلى وجود لهجة رسمية من إيران تبدو مختلفة وغير تقليدية في الحديث عن السعودية. ما يعكس وجود شيئ جديد بين الطرفين.

ويرى اليامي أن الرياض تحاول منذ سنوات لإيجاد مقاربة سياسية بالإقليم. لكن الطرف الإيراني يرفض باستماتة تلك الحلول. وهو يرغب في التصعيد من خلال دعم الميلشيات الموالية للحرس الثوري، التي ترفض التهدئة، كما هو الحال في اليمن. بينما تتعرض السعودية ومنشآتها للاستهداف من الميلشيات الحوثية، كما يقول المستشار السابق بوزارة الخارجية السعودية.

“في حال حدوث أي تقارب بين طهران والرياض، فإن هذا الأمر سينعكس على المنطقة بالاستقرار”؛ يقول اليامي. لكنه يؤكد أن ذلك يتطلب “تعديل سلوك إيران الإقليمي، ووقف نشاطها السياسي الميداني في عدد من دول المنطقة”. مثلما يحدث في سوريا ولبنان والعراق والبحرين. ويضيف أنه على طهران الكف عن مبدأ “تصدير الثورة” وتعبئة “المستضعفين”، كما تروج في أدبياتها السياسية والأيدولوجية. 

روسيا ترحب بالتقارب غير المعلن

من جانبها، أبدت روسيا ترحيبًا بأي تقارب بين الرياض وطهران. مشيرة إلى أن “هذه العملية ستؤثر إيجابيًا على الأوضاع الأمنية في منطقة الشرق الأوسط”. وقالت كبيرة المستشارين في قسم التخطيط السياسي الخارجي بوزارة الخارجية الروسية، ماريا خودينسكايا-غولينيشيفا، أثناء حوار “روسيا في الشرق الأوسط: رسم الاستراتيجية”، أمس (الإثنين): “سنرحب بأي تقارب بين إيران والسعودية مثلما رحبنا بانتهاء الخلاف العائلي بين قطر والرباعية العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)”.

وعقّبت خودينسكايا-غولينيشيفا، على التقارير المسربة بخصوص وجود محادثات سعودية إيرانية مباشرة في بغداد بأن “هذا الأمر سيؤدي إلى تداعيات جيدة في كل من سوريا وليبيا واليمن على وجه الخصوص”. وأردفت: “ذلك بالطبع سيؤثر إيجابيًا على الأوضاع في المجال الأمني بالمنطقة”. كما سيعطي فرصًا إضافية لتمرير مفهومنا (حول إرساء الأمن في منطقة الخليج)، على حد قولها.

التقارب السعودي الإيراني.. خطوة شديدة الأهمية

جولة الحوار بين السعودية وإيران تؤكد على عدد من المعطيات ويحيط بها عدد من الملاحظات، تتمثل في أهمية الخطوة كإجراء لافت في حد ذاته، بحسب الدكتور هاني سليمان مدير المركز العربي للبحوث والدراسات. يقول لـ”مصر 360″: “فكرة الحوار في حد ذاتها والجلوس وجهًا لوجه وعلى طاولة مفاوضات، هي خطوة شديدة الأهمية”. خاصة أنها تأتي بعد 4 سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية؛ كما أنها تؤكد على أن الحوار هو السبيل القصير والأسرع بهدف التهدئة والأقل كلفة لكافة الأطراف، على حد قوله.

أيضًا، فإن المتغيرات الدولية والسياق الإقليمي وجملة الدوافع المشتركة تعكس دلالة وأهمية هذا الحوار الذي تتصل به مجموعة مصالح مشتركة لكافة الأطراف. فالجانب الإيراني يسعى ربما لخفض حدة الضغوط الواقعة عليه وبخاصة وطأة العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية. والسعودية كذلك تعاني جراء الهجمات المستمرة من الحوثيين في اليمن. وهي تريد إنهاء هذا الصراع المكلف والمؤثر على الأمن الاستراتيجي السعودي، كما يوضح سليمان.

وعلاوة على ذلك، فقد قرأت الخارجية السعودية بذكاء مؤشرات سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأولية، والتي تسعى للوصول لاتفاق مع طهران. والرأي الغالب هنا أن بايدن مارس ضغوط على الجانبين لتسوية العديد من الأمور الخلافية الممتدة، بحسب سليمان. وبالتالي، فالسياق الدولي والإقليمي يعزز مثل هذا الحوار. خاصة في ظل وساطة من بغداد التي تريد الخروج من مقصلة الاستقطاب الثنائي التاريخي بين واشنطن طهران من جهة، وثنائية الرياض طهران من جهة أخرى. ويضاف لذلك مساعي العراق والكاظمي للعودة بقوة للمحيط العربي. ومن ثم، فهناك وساطة عراقية مدعومة بإرادة قوية تساعد في ذلك.

اقرأ أيضًا: الانتخابات الرئاسية تُفجر صراع الولاءات في إيران

هل ينجح التقارب المحتمل بين الرياض وطهران؟

لكن هناك أسئلة صعبة تتسلل إلى هذه الانفراجة المحتملة بين البلدين، كما يوضح مدير المركز العربي للبحوث والدراسات. إذ إنه “على الرغم من أن الملف الرئيسي الذي سيدور عليه النقاش هو الملف اليمني والحوثيين. لكن هناك ملفات أكثر شمولاً ستحكم فرص ذلك الحوار من عدمه ومستقبل العلاقات. فهل سيكون الموقف الإيراني مثل سوابقه أم أنه سيحمل جديدًا؟ حيث كانت فرص الحوار في السابق دائمًا تكتيكية وليست استراتيجية تحمل حل نهائي. ولطالما طوعتها طهران للمراوغة والالتفاف وكسب الوقت دون نية حقيقية. خاصة وأن هناك أزمة ممتدة متعلقة بصراع المكانة الدينية بين طهران والرياض؛ فإيران دائمًا تريد السير عكس المنطق والزمن وانتزاع المكانة الدينية من الرياض. وهو ما يفسر هجوم إيران الدائم على السعودية في موسم الحج وتسييس الشعائر، على حد قوله سليمان. 

كما أن “هناك أيضًا إشكالية المشروع الأيديولوجي الإيراني في الإقليم وفي القلب منه مسألة تصدير الثورة وما يتصل بها من استخدام الشيعة والتشيع كأداة للضغط. وهو ما يجب وضع حد له ومناقشته حتى يكون هناك ضمان لاستقرار حقيقي وعلاقات مستقرة.

ولذلك، فإن مستقبل الحوار يعتمد على وجود “إرادة حقيقية” لدى الأطراف المختلفة. ثم وجود مصالح معقولة لكل طرف. علاوة على مدى الضغط الذي يمكن أن تمثله إدارة بايدن. وأخيرًا السياق الإقليمي ومدى التوترات التي تعانيها طهران وترغمها على القبول بتفاهمات متوازنة بعيدًا عن استراتيجية العقلية الإيرانية الجامدة.