أطلق مسؤولون أمميون دعوات لضمان حقوق الشعوب الأصلية في ظل جائحة كورونا، لاسميا إدماجهم في صنع القرار خلال جهود التعافي من الوباء، ووقف عمليات التضييق التي تُطالهم، والتوزيع العادل للقاحات، وضمان حقوقهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافة والبيئة والتعليم والصحة.

جاء ذلك خلال افتتاح الدورة العشرين (عام 2021) لمنتدى الأمم المتحدة الدائم المعني بقضايا الشعوب الأصلية والتي تستمر حتى 30 أبريل، وتأتي تحت عنوان “السلام والعدل والمؤسسات القوية: دور الشعوب الأصلية في تنفيذ الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة“.

الشعوب الأصلية وأهداف التنمية المستدامة

وفي افتتاح الجلسة، قال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة إن “أراضي الشعوب الأصلية تعدُّ من بين أكثر أراضي العالم تنوعًا بيولوجيًا وثراءً بالموارد، وقد أدى ذلك إلى زيادة الاستغلال والصراعات على الموارد وإساءة استخدام الأراضي”.

ومضى يقول: “لا غنى عن الشعوب الأصلية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ويجب أن تُسمع أصواتها. إن احترام حقوقها يعني ضمان المشاركة المتساوية والهادفة والإدماج الكامل والتمكين”.

تمثل الشعوب الأصلية 6.2% من سكان العالم
تمثل الشعوب الأصلية 6.2% من سكان العالم

ويصل عدد أفراد الشعوب الأصلية حوالي 476 مليوناً في أكثر من 90 بلداً حول العالم. ورغم أنهم لا يمثلون إلا نحو 6.2% من سكان العالم، لكنهم يشكلون نحو 15% من الفقراء المدقعين. ويقل العمر المتوقع لأفرادها عن العمر المتوقع لغيرهم من السكان في العالم بما يصل إلى 20 عاماً، بحسب البنك الدولي.

الشعوب الأصلية تمثل الجزء الأكبر من التنوع الثقافي عالميًا، ويتحدث أبناؤها الجزء الأكبر من لغات العالم. مع ذلك، فهذه الشعوب هي أكثر عرضة بثلاث مرات للعيش في فقر مدقع، وتتعرض لغاتها وثقافتها لتهديد مستمر.

من هم الشعوب الأصلية 

عرف البنك الدولي هؤلاء بكونهم جماعات اجتماعية وثقافية متميزة تتشارك في روابط جماعية متوارثة عن الأجداد بالأراضي والموارد الطبيعية التي تعيش عليها أو تشغلها أو التي نزحت منها.

وترتبط الأراضي والموارد الطبيعية التي تعتمد عليها ارتباطاً وثيقاً بهوياتها وثقافاتها وأساليب معيشتها، وكذلك رفاهتها المادية والروحية. وغالباً ما تكون لديها زعامات أو تنظيمات عرفية تمثلها على نحو متمايز أو منفصل عن المجتمع العام أو الثقافات السائدة. ويحافظ العديد منهم على لغة أو لهجة مميزة، غالباً ما تكون مختلفة عن اللغة أو اللغات الرسمية للبلد أو المنطقة التي يقيمون فيها.

ويقع هؤلاء الذين يفقدون أراضيهم وسبل عيشهم في الفقر على نحو متزايد، وتعاني من ارتفاع معدلات سوء التغذية، وعدم إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي، فضلاً عن الاستبعاد من الخدمات الطبية، مما يجعلها بدورها عرضة للمرض بشكل خاص.

الشعوب الأصلية الأكثر معاناة في ظل الجائحة

وقال الأمين العام للأمم المتحدة إن الشعوب الأصلية تضررت بشكل خاص من جائحة كـوفيد-19. وتابع: “بينما نعمل على التعافي من الجائحة، يجب أن نعطي الأولوية للإدماج والتنمية المستدامة التي تحمي جميع الناس وتفيدهم”، مشددًا على “عدم مشاركة هؤلاء الأفراد في صنع القرار يعني التغاضي عن احتياجاتهم الخاصة وتجاهلها”.

الشعوب الأصلية تمثل الجزء الأكبر من التنوع الثقافي عالميا، ويتحدث أبناؤها الجزء الأكبر من لغات العالم
الشعوب الأصلية تمثل الجزء الأكبر من التنوع الثقافي عالميا، ويتحدث أبناؤها الجزء الأكبر من لغات العالم

من جانبه، أكد رئيس الجمعية العامة، فولكان بوزكير، أن جائحة كوفيد-19 كانت صعبة بشكل خاص على هذه الشعوب التي تعاني من مشكلات صحية وفقر وانعدام الأمن الغذائي بمعدلات أعلى بشكل غير متناسب من عامة الشعوب.

وفي ظل مكافحة انتشار الوباء، تشدد الأمم المتحدة على ضرورة حماية السكان الأصليين ومعارفهم، لافتة إلى أنّ “أراضيهم تضم 80% من التنوع البيولوجي في العالم، ومعارفهم التقليدية تعلمنا كثيرًا عن كيفية إعادة التوازن لعلاقتنا مع الطبيعة وتقليل مخاطر الأوبئة في المستقبل. لكن مجتمعاتهم تواجه مجموعة من التحديات، والواقع الحالي المؤسف هو أن آثار جائحة كوفيد – 19تفاقم تلك التحديات”.

الإنصاف في توزيع اللقاحات

افتقار السكان الأصليين للاعتراف الرسمي على أراضيهم ومناطقهم ومواردهم الطبيعية وعدم الاستفادة من الاستثمارات العامة في الخدمات الأساسية ومرافق البنية التحتية وعدم المساواة والإقصاء أدى إلى أن تكون مجتمعاتهم أكثر عرضة لآثار تغير المناخ  والأخطار الطبيعية، بما في ذلك تفشي الأمراض مثل فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

وتتفاقم إمكانية تعرض هذه المناطق لخطر جائحة كورونا في ظل عدم توافر الأنظمة الصحية وشبكات إمدادات المياه والصرف الصحي الوطنية، وإغلاق الأسواق، والقيود المفروضة على التنقل التي أضرت كثيراً بسبل كسب العيش ومستوى الرفاه وأدت إلى انعدام الأمن الغذائي.

يعاني أكثر من نصف السكان الأصليين فوق سن 35 من النوع الثاني من داء السكري في كل أرجاء العالم.
يعاني أكثر من نصف السكان الأصليين فوق سن 35 من النوع الثاني من داء السكري في كل أرجاء العالم.

ودعا رئيس الجمعية العامة، فولكان بوزكير إلى الإنصاف في توزيع اللقاحات قائلاً: “من أجل ضمان الإنصاف في توزيع اللقاحات، يحب علينا نشر اللقاحات بطريقة مناسبة ثقافيًا وألا نترك أي شخص يتخلف عن الركب. هذا أمر بالغ الأهمية إذا أردنا الوصول إلى أكثر الفئات ضعفًا وكبار السن”.

وأكد أن أفراد المجتمعات وكبار السن هم الذين يدعمون التقاليد والثقافات واللغات متابعًا: “في بعض المجتمعات، يكون كبار السن هم آخر المتحدثين باللغات المهددة بالانقراض”.

وشدد بوزكير على أن الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة يمثل التطلعات الأصلية لمؤسسي الأمم المتحدة، الذين شرعوا بإنشاء نظام متعدد الأطراف يقوم على السلام والعدل والمؤسسات القوية والمساواة في الكرامة والقيمة لكل شخص، متابعًا: “نحن بحاجة إلى إعادة الالتزام بهذه المبادئ. وهذا يعني تضمين أصوات أولئك الذين تم إسكاتهم لفترة طويلة جدًا”.

العنف يُطال النساء والفتيات من الشعوب الأصلية

وفيما يتعلق بمعاناة أبناء هؤلاء السكان من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وحقوقهم الجماعية، أوضحت “آن نورغام” والتي جرى انتخابها كرئيسة للدورة العشرين، إنه يتم الاستيلاء على أراضيهم من أجل التعدين واستخراج الغاز والنفط، وتنفيذ مشاريع بنية تحتية واسعة النطاق.

وقالت: “ننزح من أراضي أسلافنا، وهو ما يتسبب بأضرار لا يمكن إصلاحها للمواشي والثقافات واللغات والحياة. وأحيانا يتم تنفيذ هذه الاعتداءات من قبل قوات حكومية وأحيانا من قبل ميليشيات خاصة وأحيانا كثيرة من الطرفين معا”.

إحدى المشاركات في المؤتمر العالمي المعني بالشعوب الأصلية الذي عقد في مقر الأمم المتحدة في 2014
إحدى المشاركات في المؤتمر العالمي المعني بالشعوب الأصلية الذي عقد في مقر الأمم المتحدة في 2014

وشددت على أنه لا يمكن تحقيق السلام والأمن بدون الاعتراف الكامل بحقوق هؤلاء كاملة، مضيفة: “يعترينا قلق بشكل خاص بشأن النساء والفتيات من السكان الأصليين، في الكثير من الدول والمجتمعات، إذ تتعرض النساء والفتيات للعنف والقتل أو الاختفاء”. وأضافت أن قتل النساء منهم غالبًا ما يحدث مع إفلات من العقاب عن الغالبية العظمى من تلك الجرائم”.

اعتراف الحكومات بأراضي الشعوب الأصلية

تطرق الأمين العام للأمم المتحدة إلى أعمال العنف والاعتداءات ضد قادة السكان الأصليين ونسائهم ورجالهم الذين يعملون للدفاع عن حقوق شعوبهم في الأراضي والأقاليم والموارد، والتي ازدادت بشكل كبير.

وأشار إلى عدم اعتراف حكومات كثيرة بجزء كبير من الأراضي التي تشغلها الشعوب الأصلية على أنها مملوكة رسمياً أو قانونياً لتلك الشعوب، مما أدى إلى ضعف حماية حدودهم أو استغلال الموارد الطبيعية من جانب أطراف خارجية.

ويشكل انعدام الأمن في حيازة الأراضي أحد الأسباب الرئيسية للصراعات، والتدهور البيئي، وضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يمثل خطراً على استمرارية ثقافة تلك الشعوب ونظم معارفها الحيوية – وكلاهما يسهم في السلامة الإيكولوجية والتنوع البيولوجي وصحة البيئة التي نعتمد عليها جميعا، وفقًا للبنك الدولي.

العنف ضد المدافعين عن حقوق الشعوب الأصلية

وبحسب نورغام، فإن 331 شخصًا على الأقل من الحقوقيين قتلوا خلال عام 2020، ثلثاهم كانوا يعملون في قضايا تتعلق بالبيئة وبحقوق الإنسان للشعوب الأصلية. وقالت: “معظم حوادث القتل حدثت في عدد قليل من الدول، وكولومبيا مسؤولة عن أكثر نصفها، والعدد مثير للقلق في الفلبين والبرازيل والمكسيك وهندوراس وغواتيمالا”.

وأضافت أن هذه الانتهاكات لا تحدث من فراغ، مشيرة إلى قيام الحكومات بتجريم أنشطة المنظمات المعنية بالسكان الأصليين واللجوء إلى تشريعات خاصة بمناهضة الإرهاب لنزع الشرعية عن الأنشطة المتعلقة بحقوق الإنسان.

وقال البنك الدولي إنه خلال العشرين عاما الماضية، تزايد الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية من خلال تبني اتفاقات وآليات دولية، مثل إعلان الأمم المتحدة الخاص بحقوق الشعوب الأصلية في عام 2007، والإعلان الأمريكي بشأن حقوق الشعوب الأصلية في عام 2016، وتصديق 23 بلداً على الاتفاقية الخاصة بالشعوب والقبائل الأصلية منذ عام 1991، وتأسيس منتدى الأمم المتحدة الدائم لقضايا الشعوب الأصلية، وإقامة آلية الخبراء المعنية بحقوق الشعوب الأصلية، ومكتب مقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الشعوب الأصلية.