يستطيع الأمريكي الأسود جورج فلويد التنفس الآن بعد إدانة قاتله الشرطي الأبيض السابق ديريك شوفين، وهي إدانة تثبت أن “حياة السود مهمة”.
وأدانت هيئة محلفين في الولايات المتحدة الشرطي السابق ديريك شوفين في ولاية مينابوليس بقتل جورج فلويد، الأمريكي المنحدر من أصول أفريقية بعد أن أحيا موته ضمائر قاصرة حول العالم، إزاء ضحايا العنصرية.
ثلاث اتهامات.. وأقصى عقوبة
وخلصت هيئة المحلفين التي استغرق قرارها أقل من يوم، إلى إدانة الشرطي الأبيض بجميع التهم الثلاث التي وجهت إليه. وتتمثل في: القتل العمد من الدرجة الثانية والقتل من الدرجة الثالثة والقتل غير العمد، وذلك في نهاية محاكمة استمرت ثلاثة أسابيع.
ومن المتوقع أن يحكم على شوفين البالغ 45 عامًا بالسجن لمدد طويلة، إلا أنه ينتظر أن يتم الاستئناف على الحكم أيضًا من قبل الدفاع.
في الإطار نفسه، أشارت شبكة “سى إن إن” الأمريكية إلى أن الحد الأقصى لعقوبة القتل العمد من الدرجة الثانية هي السجن لمدة لا تزيد على 40 سنة. أما العقوبة القصوى للقتل من الدرجة الثالثة هي السجن لمدة لا تزيد على 25 سنة. كما أن الحد الأقصى لعقوبة القتل الخطأ من الدرجة الثانية هو 10 سنوات أو دفع غرامة 20000 دولار.
إدانة قاتل فلويد.. لحظة فارقة
وأثار مقطع مصور يظهر فيه الشرطي وهو يجثم بركبته فوق رقبة فلويد لمدة دقائق في الوقت الذي يستغيث الأخير ويصرخ “لا أستطيع التنفس“، احتجاجات ضد العنصرية حول العالم استمرت لأشهر خلال العام الماضي.
وتمثل هذه الإدانة لحظة فارقة، في التعامل الشرطي مع الملونين والسود بشكل خاص، وخطوة في تحقيق المساواة التي كافحوا من أجلها على مدار عقود.
وفي حين عمليات القتل على أيدي الشرطة أمر متكرر في الولايات المتحدة، لكن هناك حالات قليلة يتم فيها توجيه الاتهامات إلى الضباط المعنيين، وعدد المرات التي فاز فيها الادعاء بإدانات جنائية، كما حدث مع فلويد، ضئيل للغاية.
يُقتل حوالي ألف شخص كل عام على أيدي الشرطة الأمريكية، معظمهم بالرصاص، بينما أسفر أقل من 2% من هذه الوفيات عن توجيه اتهامات ضد عناصر شرطية
ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن برايان دن، من شركة كوتشاران، التي تتعامل مع قضايا سوء سلوك الشرطة لمدة 26 عامًا قوله إن “السؤال الأكثر شيوعًا الذي يطرح عليّ عندما أجلس في غرفة المعيشة لعائلة فقدت أحد أفراد أسرتها في جريمة قتل الشرطة هو: هل سيذهب هذا الرجل إلى السجن؟.
وتضيف أن فيليب ستينسون، المتخصص في الجريمة بجامعة بولينغ غرين ستيت بولاية أوهايو، قال إنه يُقتل حوالي ألف شخص كل عام على أيدي الشرطة الأمريكية، معظمهم بالرصاص، بينما أسفر أقل من 2% من هذه الوفيات عن توجيه اتهامات ضد عناصر شرطية.
GUILTY! Painfully earned justice has finally arrived for George Floyd’s family. This verdict is a turning point in history and sends a clear message on the need for accountability of law enforcement. Justice for Black America is justice for all of America!
— Ben Crump (@AttorneyCrump) April 20, 2021
إزاء ذلك، استقبلت الإدانة بأجواء احتفالية من قبل المئات المتجمعين خارج المحكمة، وأيضًا من قبل عائلة فلويد، الذي قال محاميها بين كرامب، إنّ قرار الإدانة يمثل “نقطة تحول في التاريخ” بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وليس للسود وحدهم. وأضاف عبر “تويتر” أن القرار “رسالة واضحة حول الحاجة إلى مساءلة أجهزة إنفاذ القانون”.
كيف قتل جورج فلويد؟
ترجع الواقعة التاريخية إلى دخول فلويد البالغ من العمر 46 عاماً متجراً لشراء السجائر في مينيابوليس، مساء يوم 25 مايو 2020.
بينما اعتقد مساعد صاحب المتجر أن العشرين دولارًا التي استخدمها فلويد مزوّرة، واتصل بالشرطة بعد رفض الأخير إعادة علبة السجائر.
وصلت الشرطة وأمرت فلويد بالخروج من سيارته المتوقفة وكبلت يداه بطريقة عنيفة، وأوقعوه أرضًا بعد مشادة كلامية، عندها ضغط ديريك شوفين بركبته على عنق فلويد من الخلف لأكثر من تسع دقائق، بينما كان الضحية يصرخ، وبعض المارة يطلبون إنقاذ حياته.
وقال فلويد عبارته الخالدة “لا أستطيع التنفس” أكثر من 20 مرة. ومع وصول سيارة الإسعاف كان بلا حراك، وأعلنت وفاته بعد ساعة.
بعدها بدأت محاكمة الشرطي وسط موجة من الاحتجاجات، استمعت خلالها هيئة المحلفين المكونة من 12 شخصًا إلى 45 شاهدًا، وشاهدت ساعات من مقاطع الفيديو.
وقال خبراء معينون من قبل السلطات خلال المحاكمة إن فلويد توفي جراء نقص الأكسجين، بسبب الأسلوب المعتمد من قبل شوفين وزملائه.
وبعد عرض المرافعات الختامية يوم الاثنين الماضي، انتقلت هيئة المحلفين إلى فندق دون أي اتصال خارجي، لتتمكن من التداول بشأن قرارها، كما أبلغ أعضاؤها بأنهم لن يستطيعوا العودة إلى منازلهم قبل التوصل إلى القرار، الذي يتعين أن يحظى بالإجماع.
ثورة العدالة العرقية.. الطريق لا يزال طويلاً
وعلى الفور اتصل كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، بعائلة جورج فلويد عقب صدور الحكم، ونقل عن بايدن قوله “على الأقل، هناك بعض من العدالة الآن”. وقال بايدن: “سننجز الكثير بعد، ستكون هذه الفرصة الأولى للتعامل مع العنصرية الممنهجة الأساسية”.
ومع ذلك، فهناك الكثير ليتم إنجازه في ملف العنصرية، في الولايات المتحدة. وبحسب تحليل للجارديان البريطانية، فإن الواقعة أحدثت تحوّلاً على مستويين، كان أولهما أن حركة “حياة السود مهمة“، التي تسعى إلى وضع حد لعمليات القتل التي تمارسها الشرطة بحق السود، ومن أجل تحقيق العدالة والإنصاف، انتفاضة واسعة النطاق للحقوق المدنية انتشرت عبر الولايات المتحدة وفي العالم.
والأمر الثاني أنها أدت إلى انهيار أجزاء كبيرة مما يسمى بـ”جدار الصمت الأزرق“، حيث تتستر الشرطة على ارتكاب أفرادها لمخالفات وتتصدى لمطالب المساءلة.
وتضيف أنه بعد أن شاهد ميداريا أرادوندو رئيس شرطة مينيابوليس، مقطع فيديو مقتل فلويد، تحركت الأمور بسرعة، كما وصف علنًا قتل فلويد ولأول مرة بأنه جريمة قتل.
وبالرغم من ذلك، ترى الجريدة أنه لم تحدث ثورة في العدالة العرقية أو في جهاز الشرطة في الولايات المتحدة منذ مقتل جورج فلويد في 25 مايو عام 2020.
وتضيف أنه على سبيل المثال، سرعان ما واجه التصويت في مينيابوليس في يونيو الماضي لاستبدال جهاز الشرطة بنظام جديد للسلامة العامة صعوبات، فالطريق لا يزال طويلاً.
ظهير اجتماعي واقتصادي مغذّي للعنصرية
حظي فلويد أخيرًا بمحاكمة عدالة، لكن الظهير الاجتماعي والاقتصادي لا يزال بعيدًا، ويساهم في تأصل العنصرية، فحتى على مستوى الصحة يحظى الأمريكيون البيض برعاية أكبر، وعلى مستوى مسكنات الألم أيضًا.
تحليل من الأكاديمية الوطنية للعلوم، وجد الأمريكيون الأفارقة يلقون رعاية أقل جودة من المرضى البيض عبر جميع التدخلات الطبية والخدمات الصحية الروتينية حتى عندما كانت حالة التأمين والدخل والعمر والحالات المرضية المشتركة وتعبير الأعراض متساوية.
ومع تفشي جائحة كورونا في الولايات المتحدة، أصاب الفيروس الأمريكيين الأفارقة بشكل غير متناسب، إذ يعانون من المرض ويموتون منه بمعدلات مضاعفة كما هو متوقع على أساس نصيبهم من السكان.
في ميشيغان على سبيل المثال، يشكل الأميركيون الأفارقة 14% فقط من السكان، لكنهم يمثلون ثلث حالات الوباء بالولاية و40% من حالات الوفاة.
وفي بعض الولايات تكون الفوارق أكثر وضوحًا، وفي ويسكونسن وميسوري لديهم معدلات الإصابة والوفيات أكبر بثلاث مرات أو أكثر من المتوقع بناءً على حصتهم من السكان.
وأشارت التكهنات إلى أن هذه الاختلالات ترجع إلى عدة عوامل، منها أن الأمريكيين من أصل أفريقي في الأحياء الفقيرة، ويعملون في مهن أكثر خطورة، ولديهم ظروف صحية أساسية ومحدودية في الحصول على الرعاية الصحية.
وحتى في المجتمعات الأمريكية الأفريقية ذات الثروة الأعلى من المتوسط، وفرص الحصول على الرعاية الصحية فيها أعلى، تبقى معدلات المرض أيضًا كبيرة بين أصحاب البشرة السوداء، بينما بدا المجتمع الأبيض غير متأثر، وهو ما حدث في مقاطعة برينس جورج، ماريلاند، وهي الأماكن الأغنى بالنسبة للعرق الأفريقي في البلاد.
إجحاف وتجنٍ
وفي الملف الاقتصادي على سبيل المثال يقدر البنك الأمريكي بأن المؤسسات المالية قد “تعاملت بطريقة غير عادلة ومنصفة” مع رواد الأعمال الأمريكيين من أصل أفريقي الذين جاؤوا لطلب المال لإنشاء أعمالهم التجارية.
وبحسب معهد “ايكونوميك بوليسي”، فإن متوسط دخل الأسر البيضاء كان في عام 2018 نحو 70642 دولاراً مقابل 41692 للأسر الأفرو-أمريكية، وفي فبراير الماضي قبل انتشار فيروس كورونا كانت نسبة البطالة في صفوف السود 5.8% في مقابل 3% لدى البيض.
وحتى في مدينة جورج فلويد مينابوليس وطبقا لدراسة صدرت عام 2018، فإن معدل ملكية السود للمنازل هو من بين أدنى المعدلات في البلاد، كما أن التفاوت في الدخل بين الأسر مفزع.
في عام 2016، على سبيل المثال كان متوسط دخل الأسرة البيضاء في المدينة حوالي 76 ألف دولار سنويًا، بينما كان متوسط دخل الأسرة السوداء 32 ألف دولار فقط. ويقبع 32 % من السكان السود في المدينة تحت خط الفقر مقارنة بـ 6.5% فقط من البيض.