تمكنت أنا والزميلة راجية عمران من زيارة أحمد دومة بسجن تحقيق القاهرة بكورنيش طرة حيث يقضى مدة السجن المحكوم بها عليه.

فى كل زيارات المحبوسين نتوقع دوماً أن يكون الحديث عن أحوال السجن وصعوبات تعامل الإدارة معهم، وحقوقهم التى لم يحصلوا عليها، فالزيارة تكون فرصة له ولنا للتعرف على أحوالهم بمحبسهم لعل تكون هناك بعض الإجراءات الواجب علينا إتخاذها، ودائما ما نخرج من تلك الزيارات بحالة نفسية سيئة جراء تلك المعاناة.

لكن مع دومة تكون الزيارة مختلفة فلا نلحظ منه وقت الزيارة إلا بشاشة الوجه، ومحبة يغرسها فى قلوبنا عن طريقته فى دفع أثمان لانحيازه لهذه الثورة بكل خياراتها أو تناقضاتها، وبكل انتصاراتها وهزائمها.

ليس من الصعب أن تلحظ مدى قدرة دومة على كسب احترام كل المتعاملين معه فى السجن، وليس من الصعب كذلك أن تلحظ الندية التى يعامل بها كل الأطراف سعياً وراء مطالبه وحقوقه.

تحدثنا مع دومة عن الإجراءات القانونية التى سنتخذها فى الفترة القادمة بالتعاون مع مؤسسة حرية الفكر والتعبير دفاعاً عن حقوقه التى لم يحصل عليها، وأكد على رغبته فى تكملة الدراسات العليا، ورفع دعوى قضائية بذلك، كما طالب باتخاذ إجراءات لتكمين استشارى عظام واستشارى نفسى (أطباء من خارج السجن) للكشف عليه بالسجن، وأكد أن أغلب المساجين يحتاجوا لمثل هذا الكشف.

صورة من أحداث حريق المجمع العلمي

اتهام دومة

وما إن نشرنا عن خبر زيارتنا له حتى فؤجئنا ببعض البوستات التى تعيد ترديد عبارات واتهامات كاذبة لم توجهها النيابة له، وخاصة الجرأة فى الادعاء على دومة بأنه اعترف فى البرامج التليفزيونية بأنه ارتكب هذه الأفعال اعتماداً على مقاطع فيديو بعضها مفبرك خضع للمونتاج والقص واللزق، وبعضها منزوع من سياقه، وتم إطلاق الفيديوهات على منصات التواصل الاجتماعى، وكذلك الاتهام الغريب الذى يردده البعض بأن دومة حرق المجمع العلمى، وقد تردد هذا الاتهام فى بعض الصحف الصفراء والبرامج التى تشبهها.

ورغم قيامنا بنفى هذه الادعاءات الكاذبة مراراً وتكراراً، فإننا نؤكد من جديد على:

أولاً: أن محكمة الجنايات برئاسة القاضى ناجى شحاته فى حكمها بالمؤبد على أحمد اعتمدت على بعض هذه الفيديوهات ووصفتها  بأنها تحوى اعتراف منه بارتكاب هذه الأفعال، لكن بعد مرافعتى عن دومة أمام محكم النقض، (أعد صحيفة النقض الزميلين أسامة المهدى وأحمد راغب)، انتهت المحكمة إلى نقض حكم القاضى ناجى شحاته وإلغاء حكم المؤبد الصادر ضد دومة، وأمرت بإعادة محاكمته من جديد للبطلان الذى أصاب الحكم، وخاصة وصفه للحوارات التليفزيونيه بأنها تحوى اعتراف منه بارتكاب الجريمة، حيث أكدت محكمة النقض أن ذلك (لا يعد اعترافاً يمكن الاستناد إليه فى الحكم على المتهم) فلا يجوز الاستناد إلى بعض الأقوال فى الأحاديث التليفزيونية، ونزعها من سياقها للزعم بأنها إقرار منه بإرتكاب تلك الجرائم، لمحاولة تطويعها لتصبح بمرتبة إعتراف أو إقرار من المتهم على نفسه، فضلاً على أن حوار أحمد ذاته لا يمكن اعتباره اعتراف أو إقرار بارتكاب هذه الأفعال.

ثانياً: إن تحريات الشرطة نسبت لأحمد دومة ارتكاب العديد من الأفعال لكن قاضى التحقيق بعد الانتهاء من التحقيق استبعد الكثير من هذه التهم لعدم وجود سند لها أو دليل عليها، أحمد تم اتهامه بالاشتراك فى حريق فى مبنى مجلس الشعب فقط، اعتماداً على شهادة مشكوك فى صحتها ومعقوليتها، حيث ذكر شاهد وحيد أنه كان يقف بدراجته البخارية فى شارع القصر العينى وجاء له شخص -يقصد دومه- طلب منه كمية من سائل البنزين بدراجته البخارية لوضعها فى زجاجات ليلقى هذه الزجاجات على رجال الشرطة والجيش لكنه رفض ذلك، فقام ذلك الشخص -يقصد دومه- بالذهاب إلى دراجة أخرى ليحصل منها على السائل.

ثم عاد الشاهد وذكر أنه يوم 20 ديسمبر2011 شاهد ذلك الشخص -يقصد دومة- يظهر فى برنامج الحقيقة على قناة دريم 2 بمعرفة المذيع وائل الإبراشى، فذهب وقدم بلاغا ضد دومه باعتباره من المواطنين الشرفاء الغيورين على وطنهم.

وحتى هذه الشهادة رغم ما بها من علامات الشك والريبة، لا تجزم بأن دومة قد قام باستخدام السائل لإحداث الحريق أو تسليمه لآخرين، وليس هناك أى شاهد ذكر أنه شاهد دومة وهو يقوم بإلقاء النار أو أمد آخرين بعبوات البنزين لإلقائها على الضباط أو لحرق مجلس الشعب، بل إن دومة أنكر ذلك فى التحقيقات وأمام المحكمة.

وقد يكون من الملائم أن نوضح من الناحية القانونية التمييز بين الفاعل وبين الشريك فى الفعل.

فالفاعل الأصلى هو كل من يرتكب عملاً يكون كافياً بذاته لاعتبار مرتكبه قد بدأ فى تنفيذ الجريمة، فهذا الفعل المرتكب منه يتحقق به النموذج القانونى للتجريم، فمن يضرم النيران فى الأشياء والممتلكات يكون هو الفاعل.

أما الشريك فهو الذى ساهم فى الجريمة بعملاً تحضيرياً، فمن يجمع البنزين أو الزجاجات أو يعبئها أو يمد الفاعل بها يكون شريكاً حال توافر الإدلة الكافية على ارتكابه هذه الأفعال، وتوافر القصد الجنائى لارتكابها، أى اتجاه إرادته إلى حرق مجلس الشعب.

ومن المهم أن نوضح أنه ليس فى أوراق القضية التى يحاكم عليها دومة أى اتهام له بحرق المجمع العلمى أو مجلس الشورى أو هيئة الطرق والكبارى أو المبانى الملحقه بها أو حتى بالاشتراك فى حرقها.

فالقضية كانت تضم 269 متهم ومتهمة، والنيابة وجهت اتهام  لبعضهم بأن (المتهمون من الأول إلى مائة وثلاثة وتسعين وضعوا وآخرون مجهولون عمداً ناراً فى مبانى كائنة فى المدن ليست مكونة ولا معدة للسكن بأن ألقوا عبوات حارقة تحوى مواد معجلة للاشتعال (مولوتوف- كرات لهب) على مبانى المجمع العلمى المصرى ومجلس الوزراء ومجلسى الشعب والشورى وهيئة الطرق والكبارى والجهات الحكومية الملحقة به فأصرموا النيران بها مما نجم عنه من الأضرار والتلفيات…).

وأحمد سعد دومة هو المتهم رقم 194 أى لم يتم اتهامه بحرق المجمع العلمى أو بالاشتراك فى حرقه، ومن ثم لم يصدر عليه أى حكم فى هذا الشأن.

 

اقرأ أيضا:

مطالبات بالإفراج عن دومة بعد قضاء 7 سنوات ونصف في الحبس