سلّطت ورقة جديدة صادرة عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير “أفتي” الضوء على ممارسات وأداء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في ضوء القواعد القانونية والدستورية المنظمة لعمله، وذلك على خلفية التحقيقات التي يجريها مع صناع الدراما، وآخرها تحقيقه مع المسؤولين عن إنتاج مسلسل “الطاووس“. بالإضافة إلى مسئولي القنوات التي تعرضه، بعد أن قال إنه تلقى شكاوى عدة حول الألفاظ المستخدمة في المسلسل، لكنه عاد وأغلق التحقيق بعد تأكيده اعتماده من المصنفات الفنية
وأثبتت ورقة “أفتي” أن قانونية قرار فتح تحقيق ضد مسلسل “الطاووس” محل شك كبير من الأساس، وذلك بعد استقراء النصوص القانونية التي يتأسس عليها عمل المجلس.
وشددت المؤسسة على أن الممارسات غير القانونية للمجلس من شأنها الإضرار بمستقبل صناعة الدراما في مصر، إذ تنعكس على موسم الدراما كمًّا وكيفًا، وتؤدي إلى عزوف المنتجين عن المغامرة بإنتاج أعمال درامية يحالون على خلفيتها إلى التحقيق، داعية إلى وقف تدخلات المجلس في الدراما وإيقاف عمل اللجان المنبثقة منه في هذا الصدد.
الفارق بين سلطة المجلس وممارساته
وقامت المؤسسة برصد الفارق بين السلطة المخول للمجلس ممارستها طبقًا للقانون، وبين ما يمارسه المجلس بالفعل، وهو الأمر الذي من شأنه إظهار السلطات الواسعة التي يمتلكها المجلس دون صفة ويستخدمها لاستحداث معايير رقابية جديدة، يهدف من ورائها إلى فرض مزيد من السيطرة على سوق الإنتاج الدرامي.
وفي ورقة جديدة أصدرتها المؤسسة بعد قرار المجلس الأعلى للإعلام، أوضحت خلالها أن تدخل المجلس في دراما رمضان غير قانوني، سواء بفرض عقوبات على الصناع أو إحالتهم إلى التحقيق كما حدث مع مسلسل الطاووس، كما يشكل هذا التدخل تعديًا على صلاحيات جهاز الرقابة على المصنفات، والذي أجاز العرض العام للمسلسل، بعد حصوله على كافة التصاريح اللازمة.
هل استحدث المجلس صلاحيات جديدة؟
وبالإجابة عن سؤال: هل استحدث المجلس صلاحيات جديدة؟، أشارت الورقة إلى إنه قبل إنتاج أي عمل فني لا بد من الحصول على الموافقات من الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية (السمعية والبصرية)، وهي الهيئة الوحيدة المخول لها قانونيًّا الرقابة على الأعمال الإبداعية، وطبقًا للقانون رقم 430 لسنة 1955، تخضع الأعمال الإبداعية في كل مراحل الإنتاج لرقابة المصنفات الفنية السابقة للعرض العام على الجمهور، بدءًا من الموافقة على الفكرة، ومرورًا بتأدية العمل الفني، ووصولًا إلى عرض العمل.
الجهاز الرقابي واجه تاريخيًّا مشاكل تتعلق بالقدرة العددية لأفراده في سد خانة الرقابة على الإنتاج الكثيف، خاصة في موسم دراما رمضان
وأوضحت أن الجهاز الرقابي واجه تاريخيًّا مشاكل تتعلق بالقدرة العددية لأفراده في سد خانة الرقابة على الإنتاج الكثيف، خاصة في موسم دراما رمضان، والتي لا تمكنهم بالضرورة من مشاهدة الأعمال كاملة للتأكد من ملاءمتها للمعايير الرقابية، غير أنه يحق لهم سحب ترخيص العمل طبقًا للقانون.
“يعمل بأحكام اللائحة المرافقة، في شأن المخالفات التي تقع من المؤسسات الصحفية والمؤسسات الصحفية القومية، والمؤسسات الإعلامية والمؤسسات الإعلامية العامة، والوسائل الإعلامية والوسائل الإعلامية العامة، والمواقع الإلكترونية والصحف…” بحسب المادة الأولى من لائحة جزاءات المجلس الأعلى رقم 16 لسنة 2019
قواعد ومعايير ضابطة للأداء الصحفي والإعلامي
وتابعت الورقة أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أنشئ وفقًا للقانون رقم 92 الصادر في ديسمبر 2016، وجاء التشكيل الأول له بقرار جمهوري في أبريل 2017، وكان الهدف من ورائه إنشاء قواعد ومعايير ضابطة للأداء الصحفي والإعلامي، والعمل على ضمان تطبيق معايير تنظيم الصحافة والإعلام، مؤكدة أن “الرقابة على الأعمال الفنية والإبداعية لم تكن ضمن مهام المجلس وذلك وفقًا لمواد القانون”.
وفي العام 2018، صدر قانون جديد بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، موضحًا الجهات الخاضعة لأحكام القانون في مادته الأولى، وهي الجهات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية والصحف القومية منها والعامة. ولا تمتد سلطة المجلس الأعلى للإعلام إلى توقيع جزاءات على الأعمال الدرامية، وفق ما أكدته لائحة الجزاءات رقم 16 لسنة 2019، والتي تنظم سلطة المجلس في توجيه جزاءات قانونية.
نص قانون نقابة الإعلاميين في مادته الأولى على أنه “لا يعد نشاطًا إعلاميًّا الأعمال التمثيلية السينمائية أو التليفزيونية أو المسرحية وكذا الأعمال الترفيهية
كما نص قانون نقابة الإعلاميين في مادته الأولى على أنه “لا يعد نشاطًا إعلاميًّا الأعمال التمثيلية السينمائية أو التليفزيونية أو المسرحية وكذا الأعمال الترفيهية”. وقد عرَّف القانون النشاط الإعلامي على أنه “كل نشاط يقوم على بث الأخبار أو المعلومات أو الأفكار أو الآراء أو الحقائق من مصدرها عبر الوسائل المسموعة والمرئية بقصد إبلاغ وتبصير الرأي العام بها.
وتشير الورقة إلى أن تدخلات المجلس الأعلى للإعلام في محتوى الأعمال الدرامية تعديًا في غير اختصاصاته طبقًا للقانون.
قانونية لجنة الدراما
وتقول الورقة إنه لم تبدأ الخلافات داخل المجلس إلا بعد إنشاء لجنة الدراما في 2018، والتي تختص بالأعمال الدرامية وتوسع في أعماله الرقابية بشكل تنفيذي دون سند قانوني، حيث ظل القانون المنظم لعمل المجلس يقصر نشاطه على الإنتاج الإعلامي والصحفي فقط، وبذلك تصبح فكرة إنشاء لجنة الدراما غير قانونية من الأساس.
ذلك أحدث تضاربًا في العمل وتداخلًا في الاختصاصات بين المجلس ولجنة الدراما من ناحية، وجهاز الرقابة على المصنفات من الناحية الأخرى، حيث أدت هذه التضاربات إلى خلافات داخلية بين المجلس ولجنة الدراما، بسبب عدم وضوح صلاحيات اللجنة والسلطات الممنوحة لها، وهو ما همَّش من دورها وأنتج موجة من الاستقالات داخل اللجنة، وصلت إلى عجز المجلس الأعلى عن إسناد رئاسة اللجنة إلى أيٍّ من المبدعين، وذلك قبل تولي المخرج محمد فاضل رئاسة اللجنة.
انتهاك الدستور والقانون
وأكدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى أن مثل هذه الممارسات غير القانونية، تنتهك الدستور والقانون، وتعصف بعمل الهيئات المختلفة، وتخلق مزيدًا من التضييق على حرية الإبداع الفني والأدبي المكفولة دستوريًّا، كما تزيد من تهديد واقع ومستقبل صناعة الدراما في مصر، إذ إن تعدد جهات الرقابة وعشوائية عملها، تخلق مناخًا مهدِدًا لشركات الإنتاج الخاصة، مناخًا رقابيًّا تفرض فيه الجهات المعنية عقوبات غير قانونية على صناع الأعمال الدرامية استنادًا إلى معايير أخلاقية.
الأسر المصرية.. أكواد أخلاقية جديدة
من جانبه أصدر المجلس الأعلى للإعلام في بداية عمله ستة أنماط للمخالفات في الأعمال الدرامية وهي: “التجاوزات اللفظية، والشتائم والسباب، والاعتماد على الإيحاءات الجنسية الفجّة، وتعمد عرض المشاهد المنافية للآداب، والتحرش الجنسي، وعرض مسلسلات تحوي دروسًا مجانية في كيفية تعاطي المخدرات والانضمام إلى داعش، والإسقاطات السياسية، والأخطاء التاريخية”. وذلك وفقًا لتقريره الأول حول تجاوزات الأعمال الدرامية في رمضان، وهو التقرير الذي اقتصر على رصد المخالفات فقط.
وفي مقابل 6 أنماط اعتمد عليها المجلس الأعلى في 2017 لرصد المخالفات اعتمدت اللجنة على 19 نمطًا آخر
وتوضح المؤسسة أنه عقب تشكيل لجنة الدراما وبدء عملها توسعت اللجنة في الممارسات التي بدأ المجلس الأعلى في تطبيقها، حيث حرصت اللجنة على تطويق الأعمال الدرامية، بإنشاء 5 لجان رصد مختلفة، تتولى تدقيق كل مشهد درامي يعرض على التلفزيون. وفي مقابل 6 أنماط اعتمد عليها المجلس الأعلى في 2017 لرصد المخالفات، اعتمدت اللجنة على 19 نمطًا آخر.
تجاوزات لا تعتمد على وثيقة قانونية
وأشارت المؤسسة إلى أن التجاوزات التي يعمل المجلس على توثيقها لا تعتمد على وثيقة قانونية أو لائحة داخلية، حيث تنبنى تلك الأنماط تبعًا لرؤية القائمين على الرصد تبعًا للسياق، حيث ركزت اللجنة خطابها في بدء عملها على التجاوزات التي من شأنها “تشويه صورة مصر في الخارج”. وبعد ذلك غلب على التوجه إبراز تضحيات رجال الجيش والشرطة، وهو الاتجاه المتصاعد داخل الدراما منذ 2016، وفيما يبدو أن التوجه القادم سيكون حماية قيم الأسر المصرية.
ومصطلح قيم الأسرة المصرية عُرف على نطاق واسع خلال العام الماضي في الاتهامات التي تم توجيهها إلى صانعات المحتوى في موقع تيك توك.
وتلفت مؤسسة حرية الفكر والتعبير النظر إلى استحداث المجلس الأعلى اتهامات ومعايير رقابية جديدة كلما استدعت الحاجة ذلك، سعيًا إلى التضييق على صُنَّاع الدراما، وفي إنتاج أعمال درامية دعائية للنظام.
خط تليفون لاستقبال الشكاوى
تجدر الإشارة كذلك إلى خطورة الآلية التي يتبعها المجلس الأعلى بشأن رصد تجاوزات الدراما، فبخلاف متابعة لجان الرصد المخالفات، خصص المجلس خطًّا تليفونيًّا لاستقبال شكاوى وبلاغات المواطنين على التجاوزات، وقد حث المجلس المواطنين على الإبلاغ عمَّا يجدونه مخالفًا، وهو ما يسهم في تنامي الحس الرقابي على الأعمال الفنية لدى المواطنين.