مع بداية الأسبوع الجاري بدأ وزير الخارجية، سامح شكري جولة أفريقية شملت جزر القمر وجنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية والسنغال وتونس. حاملًا رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي وشرح تطورات أزمة سد النهضة وحقيقة وضع المفاوضات. وحرص القاهرة على الوصول إلى اتفاق عادل يراعي مصالح الـ3 دول قبل الشروع في ملء السد من خلال إجراءات أحادية من قبل إثيوبيا.

جولة شكري شملت كينيا والكونغو وهما ضمن دول منابع النيل، في محاولة لشرح الموقف المصري وفك أي تكتلات تقودها إثيوبيا ضد مصالح مصر. خاصة مع تجمعات دول البحيرات الاستوائية وجعل ملف سد النهضة أيقونة لحقوق دول منابع النيل في الاستغلال المطلق للنهر. دون التقيد بمصالح دول المصب التي ظلت تستأثر باستخدام مياه النيل.

لم تكن جولة شكري الأفريقية الأولى منذ بداية النزاع مع إثيوبيا حول ملء وتشغيل سد النهضة. حيث كان لمصر عدد من التحركات الدبلوماسية وصلت إلى مستويات القمة لتحييد دول منابع النيل في النزاع مع إثيوبيا. وعدم السماح للبروباجندا الإثيوبية بالاستثار بالمواقف الأفريقية. خاصة مع الانحياز الواضح لجنوب أفريقيا خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي ورعاية المفاوضات.

وزير الخارجية في جزر القمر

استهداف الدول الممثلة للقارة في مجلس الأمن

جولة شكري استهدفت دولًا أفريقية لها حيثية في أزمة سد النهضة. حيث شملت جنوب أفريقيا والكونغو الديمقراطية وهما الدولتان الذين شهدوا على مسار المفاوضات مع إثيوبيا من خلال رئاستهم للاتحاد الإفريقي منذ العام الماضي.

كما توجه شكري إلى تونس وهي الدولة الإفريقية الأولى التي أعلنت التأييد الكامل لمصر والسودان في مواقفهما بشأن سد النهضة الإثيوبي. حيث أكد الرئيس قيس سعيد في تصريحات صحفية أن “موقف مصر في أي محفل دولي حول المياه هو موقف تونس”. كما أكد أن بلاده لن تقبل بالمساس بالأمن المائي المصري. كذلك تتمتع تونس العام الجاري بعضوية غير دائمة بمجلس الأمن ممثلة لدول شمال القارة الأفريقية.

وتضمنت جولة وزير الخارجية أيضاً النيجر والتي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي منذ شهر سبتمبر الماضي. كذلك السنغال والتي تشغل عضوية هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي. واختيارها لرئاسة الاتحاد العام المقبل، ولديها دور وتواجد في قضايا افريقية مختلفة تتعلق بالسلم والأمن الإقليمي.

استهداف مصر للدول الأفريقية الأعضاء في مجلس الأمن يأتي في إطار تحركات دبلوماسية للعودة بملف سد النهضة لمجلس الأمن بعد تعذر الاتحاد الأفريقي. والخلافات معال إُثيوبيا وعدم قبولها بالتوقيع على اتفاق ملزم يحكم ملء وتشغيل السد.

كما استهدفت جولة وزير الخارجية دول منابع النيل ومنها كينيا تأكيدًا للمواقف المصرية واحترام ودعم مشروعات التنمية في دول حوض النيل. بما يتسبب في أضرار بالغة لدول المصب. ومواجهة الادعاءات الإثيوبية باستئثار مصر بمياه النيل وحرمان شعوب النيل من الاستفادة بالنهر.

سياسة إثيوبيا مع دول منابع النيل

مُنذ تعثر مباحثات واشنطن حول سد النهضة وفشل التوافق على اتفاق شامل يحدد آليات تخزين وتشغيل السد بسبب الانسحاب الإثيوبي من المباحثات. اتجهت إثيوبيا إلى دول حوض النيل في مواجهة التحركات المصرية تجاه المجتمع الدولي. في محاولة لشرعنة وتقنين الملء الأول لخزان السد الذي رفضته مصر والسودان.

في سبيل جذب مواقف أفريقية بخاصة من دول حوض النيل زارت رئيسة إثيوبيا ساهلورك زودي، كينيا وأوغندا ورواندا وهي أكثر الدول تفاعلاً في تجمع حوض النيل. ودعت خلالها إلى ضرورة تمسك دول حوض النيل بالاستخدام العادل والمنصف للمياه. وحل أي قضايا خلافية بين الدول وفق إطار حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية. وإعلان رفض إثيوبيا الاعتراف بأي اتفاقيات تاريخية لم تدخل فيها دول حوض النيل بطريقة سلمية. في إشارة إلى الاتفاقيات التاريخية المتعلقة بالمياه والموقعة في الحقبة الاستعمارية. التي ترفضها دول منابع النيل أيضًا.

دعاية إثيوبيا المغرضة

الدعاية الإثيوبية ضد مواقف القاهرة في مفاوضات سد النهضة تم ترويجها لدى الرأي العام في منابع النيل بنشر تقارير في صحف محلية تتحدث عن تسبب القاهرة في عرقلة مباحثات سد النهضة ومحاولة فرض الاتفاقيات الإستعمارية والتمسك باتفاقية 1959 التي تخصص لمصر حصة سنوية من مياه النيل تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه، حيث نشرت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية تقريراً في 3 أبريل يتضمن تصريحات من أعضاء الوفد المفاوض الحكومي تتهم مصر بأنها :”تريد فرض رغباتها الإستعمارية ووضع إثيوبيا ودول حوض النيل تحت مستعمراتهم”، ومطالباً :”يجب أن تتأكد جميع دول النيل أن لديها حصة عادلة ومعقولة من مياه النيل”.

مع تلويح واستخدام مسئولون إثيوبيون لمصطلح “الاستعمار والاتفاقيات الإستعمارية” يذكر أن مصر ترتبط مع إثيوبيا بعده اتفاقيات تاريخية تتعلق بإدارة المياه في نهر النيل لم تكن إثيوبيا وقتها تحت وطأة الإستعمار، منها اتفاقية 1902 التي وقعها امبراطور إثيوبيا مينليك الثاني، ووتتعهد فيها إثيوبيا بعدم تشييد أي منشآت على روافد النيل دون تشاور مع مصر، واتفاقية 1993 التي وقعها رئيس وزراء إثيوبيا ميلس زيناوي مع مصر وتتعهد فيها أثيوبيا أيضاً بعدم تشييد منشآت من شأنها إحداث ضرر ملموس على مياه النيل بمصر، فضلاً عن اتفاق إعلان المبادئ عام  ٢٠١٥ والذي يشترط عدم ملئ خزان سد النهضة دون الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل مع مصر والسودان.

المفاوضات الممتدة واتفاقية عنتيبي

كانت مباحثات كينشاسا والتي وصفتها مصر بالفرصة الأخيرة انتهت دون التوافق على أجندة محددة ومُعلنة للاتفاق على آليات للتنسيق بين مصر والسودان وإثيوبيا. فيما يتعلق بإجراءات تخزين وتشغيل سد النهضة. وفقًا للظروف الهيدروليكية للنيل الأزرق في حالة الجفاف والجفاف الممتد والفيضان. وهي الأجندة التي كانت محل اتفاق مسبق خلال مباحثات واشنطن والاتحاد الأفريقي فيما بعد. إلا أن إثيوبيا طالبت بتغير مجرى التفاوض للنظر في حصص ومشروعات مستقبلية على مياه النيل الأزرق. وعدم إلزام نفسها بأي تعهدات تتعلق بسد النهضة قد تحرمها من استغلال مياه النهر.

منذ بداية النزاع على مياه النيل بين دول المنبع والمصب في 2007 وتوقيع دول منابع النيل على اتفاق عينتيبي الذي لا يعترف بحصص مصر والسودان في مياه النيل ويقر حق دول المنبع في اقامة مشروعات على النهر واستخدام المياه من دون الالتزام بالاخطار المسبق فضلا ً عن السماح بتشكيل تكتلات إقليمية في مواجهة مصر، كانت إثيوبيا هيا المحرك الرئيس لمواقف دول منابع النيل المتعنته ضد المصالح المصرية في السد حيث تم الاستناد إلى حجج تتعلق بالميراث الإفريقي الرافض لأي اتفاقيات وقعت خلال الاستعمار وحق الشعوب في التنمية واستغلال مياه النهر وكسر الحصار المصري على نهر النيل متهمين القاهرة أنها تستأثر وحدها بنصيب الأسد في المياه.

إلا أن التحركات الإثيوبية ومحاولة تشكيل تكتلات من دول منابع النيل ضد مصر في ملف مياه النهر لم تحقق اختراق كبير بعد التوقيع المنفرد لاتفاق عينيتبي الذي لا يزال غير مفعل لعدم الاعتراف به دولياً وضعف التمويل والمنح الدولية لدعم مشروعات في حوض النهر مع استمرار النزاع بين دول المنبع والمصب، فضلاً عن قدرة القاهرة على التقارب مع بعض دول المنابع الفاعلة مثل تنزانيا حيث تشارك شركات مصرية في بناء سدين لتوليد الكهرباء وهو ما يدعم السياسات المصرية الداعمة للتنمية في دول حوض النيل.