“معًا للأبد” الجملة الأكثر تكرارًا بين المرتبطين، فالخلود هو حلم الإنسان منذ خُلق، وكان الخلود هو الشرك الذي صنعه إبليس لآدم وحواء.
يعتزم الأحبة أنهما “معًا للأبد” ولكن إحصائيات الطلاق توضح وقوع حالة طلاق كل دقيقتين وأحد عشر ثانية، فكيف يحدث ذلك لهما؟
لفترة طويلة كانت (م) تُغرقنا بحكاياتها الرومانسية، وفي بعض الأحيان تُرينا فقرة من لتدلل على الحب والتفاني والإخلاص.
وبمرور الوقت باتت (م) أول مصدر للضحك بيننا، فعدد من المطلقات، ومتزوجات ممن يعشن حياة فاترة جميعًا نراها مفرطة الرومانسية، وما ترويه سيتبدد فور انتقالها إلى منزل الزوجية، لكن (م) كانت حالمة حد السماء، وسابحة في حبها.
الحب في ذاته أحد أهم مقومات استمرار الحياة، فهو الذي يجعلنا نتقبل الآخرين، ونبتلع ما يفعلون بنا فحبيبك يمضغ لك الزلط” كما يقولون.
درسنا قديمًا في مادة الجغرافيا أن بلدنا بلد زراعي، إلا أن كثيرين منا لم يتعلم من حكمة الزرع والحصاد، ولم يبق من تاريخ الزراعة في أذهان البعض سوى الشهور القبطية التي كانوا القدماء يستخدمونها كتوقيت لمواعيد الغرس والري.
وكما توقعنا في صحبتنا النسائية جاءتنا (م) بعد ثلاث سنوات منهارة تبكي نهاية العلاقة الأكثر رومانسية بيننا.
التوقعات تُفسد العلاقات؛ ولكن كيف تنتهي العلاقات؟
المبالغة
يُشاع أن المرأة تتميز بالعاطفية، مشاعرها في حالات كثيرة مفرطة، كثيرات يُبالغن في ما يشعرن به؛ مشاعر الاحتياج والفقد تجعلنا نتعلق بأولى خيوط للسعادة، تُضفر جسرًا متينًا للعبور، أيام الجامعة كانت صديقتي تحكي لي عن حبها الوحيد، تتحدث بوله شديد، وكانت تُقبل علينا فرحة لأنه نظر لها، ابتسم، لعله كان يبلغها رسالة عندما خرج إلي البلكونة، كانت كل قصة الحب التي عاشتها صديقتي مجرد وهم في خيالها، ومبالغة في تفسير تصرفات قد نراها عادية ولا تحمل أي إشارة، لكننا في وضع الاستقبال والاحتياج يُمكننا تحميل أي تصرف عادي بوصفه حالة من العشق، وكما هي المبالغة في تفسير وتحليل تصرفات وكلمات الطرف الآخر بشكل إيجابي، تُقابلها أيضًا مبالغة في رد الفعل عند الغضب والحزن.
الجمود
الحياة مُرهقة، والضغوط علينا متلاحقة، فنحن في حالة سباق دائم، نجري طيلة الوقت، نُذاكر لننجح، وحين ننجح نُذاكر مجددًا للاستعداد، ثم نعمل لنستقل ونستقر ماديًا، ونكد لتحسين أوضاعنا، وينتهي بنا العمر دون أن يستمتع أغلبنا بحيواتهم، لذا حين نعايش لحظة جميلة، أو نسمع كلمات تُسعدنا فنحن نقف عند هذه اللحظة، نجترها ونعتبرها أداة قياس، فيأتي ما بعدها أجمل أو أقل قياسًا بهذه اللحظة التي وجدناها سعيدة، نحن نرغب في تكرار هذه اللحظة ظنًا مننا أن تكرارها سيهبنا نفس السعادة، وكثير من المشكلات بين المرتبطين تنبع من الجمود في لحظة بعينها واعتبار هذه اللحظة هي معيار ما بعدها، فتخرج الأحكام بالتجاهل أو ضعف الحب قياسًا على اللحظة التي صنعنا منها أيقونة العلاقة ومرجعيتها.
عدم الاستفادة من الخبرات
تبدأ حياة الإنسان كمجموعة خلايا تتطور لتصير جنينًا، ويولد ثم يكبر كل يوم، وفى كل يوم تتغير طريقته في التعامل مع نفس الفعل؛ المرأة التي تعرف أن المولود يبدأ في تناول طعامه بالرضاعة ثم بدايات الأكل، واختيار أنواع بعينها لكل مرحلة، حتى يصل لمرحلة البلوغ ويختار ما يأكل، وبرغم ذلك هي تريد الحب مثلما بدأ، تريد الاهتمام الذي بدأ مع العلاقة، والشغف بنفس الدرجة، وتنسى أن كل مرحلة بالنسبة لأي شيء في دورة الحياة له متطلباته، فالزرع الذي نرويها بماء زائد يموت، كما هي قلة الماء بالضبط، فيبني كل منا توقعاتها وطموحاتها في العلاقة انطلاقًا من لحظة قياسية بعينها دون النظر لتطور المعطيات ومتغيراتها، وفى أغلب الأحيان تخذلنا تصرفات الطرف الآخر لتأتي مخيبة للآمال.
إن أحلام الخلود مجرد طموحات لا يستند أغلبها على حقيقة الحياة القائلة باستمرار التغيير، فالمقارنة بالنظر إلى علاقات الأجداد الأطول عمرًا مقارنة غير صحيحة الأركان، فما يصلح لي، لا يصلح لك في جزء منه أو حتي في مجمله، الاطمئنان إلى استمرار الحب يجعلنا خاملين تجاهه لا نطوره، ولا نحسّن مهاراتنا وبالتالي يضيع منا أو تنصرف اهتماماتنا عنه، هناك علاقات طويلة لكنها ليست خالدة، نحتاج أن نتذكر خبرات الزراعة كي يطيل عمر الحب؛ الحب الذي يستمر هو الذي يتغير طرفيه بنسب متقاربة، وقبول متبادل، ومرونة تستوعب تغير شكل التعبير من مرحلة إلى مرحلة، (م) وغيرها وقفن عند رومانسية واهتمام البدايات، وفى كل يوم تقترب فيه من حبيبها، تُقارن بين ما أصبح عليه وما كان من قبل، فتكثر الخلافات، وتنتهي العلاقة، مثل أي بذور نغرسها وحين تبدأ في النمو، نفرط في التعامل معها، فتذبل الزرعة وتموت.