تواصل الحكومة المصرية برنامج هيكلة أسعار المنتجات البترولية وفق معطيات الأسعار العالمية، تجنبُا لتحمل الموازنة العامة للدولة أعباء إضافية من فواتير استيراد الوقود. في هذا السياق، قررت لجنة تسعير الوقود رفع أسعار البنزين بجميع أنواعه بقيمة 25 قرشًا، والإبقاء على أسعار الوقود الأخرى دون تغيير.

فكيف تؤثر الـ 25 قرشًا على القطاعات المختلفة؟ ولماذا عدلت الحكومة تسعيرة البنزين رغم تحقيق فائض في قيمة الدعم خلال 2020؟. إذ إن مصر تلبي نحو 40% من احتياجاتها النفطية عبر الاستيراد الخارجي، واستفادت بشكل مباشر من هبوط الأسعار خلال النصف الأول من العام المالي 20/2021.

أسعار البنزين بعد الزيادة

من المقرر أن تظل الأسعار الجديدة سارية حتى نهاية يونيو المقبل، وهو موعد إجراء المراجعة الدورية لأسعار الوقود.

وتغير سعر النزين بأنواعه كالتالي:

-بنزين 80: 6.50 جنيه للتر بدلاً من 6.25 جنيه

-بنزين 92: 7.75 جنيه بدلاً من 7.50 جنيه

-أما بنزين 95: 8.75 جنيه بدلاً من 8:50 جنيه

كما تم تثبيت سعر بيع السولار عند 6.75 جنيه، وكذلك تثبيت سعر المازوت للقطاع الصناعى عند 3900 جنيه/طن.

 كيف يتأثر المجتمع بزيادة الأسعار؟

مع ارتفاع أسعار الطاقة وبالتحديد تسعيرة الوقود، فإن الآثار الجانبية السلبية تؤثر على كافة تفاصيل الحياة اليومية للمواطن. خاصة فئة المواطنين من الطبقات المتوسطة والفقيرة.

ويقول رمضان أبو العلا الخبير البترول، إن زيادة سعر البنزين 25 قرشًا سيؤثر على قطاعات عدة بالمجتمع دون قدرة على إحكام الرقابة على تلك القطاعات. باعتبار أن مُدخلات الإنتاج والتشغيل قد ارتفعت بنسبة تلامس الـ 5%.

زيادة أسعار وسائل النقل العام بيد الحكومة، لكن هذا لا يعني أبدًا أن وسائل المواصلات اﻷخرى لن ترفع أسعار تعريفتها كنتيجة أولى تتلو ارتفاع أسعار المحروقات. ومن ثم فإن السيطرة على السوق سيكون أمر صعبًا –وفق أبوالعلا-.

تحرك أسعار المواصلات ونقل البضائع يتسبب تلقائيًا في زيادة أسعار الخضراوات والملابس والأجهزة الكهربائية وعدد من القطاعات المرتبطة بحركة النقل. وبالتالي لابد أن تعمل الحكومة بشكل رقابي على الحد من التبعات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لقرارات تحريك الأسعار.

محدودو الدخل ينفقون نسبة كبيرة من دخلهم على وسائل المواصلات والسلع والخدمات الأساسية. وبالتالي فإن أي زيادة في أسعار هذه السلع يترتب عليها مزيد من المعاناة لهذه الفئة –يقول رمضان أبوالعلا أيضًا.

أي سلعة زراعية أو مُصنعة، تمرّ بمراحل نقل من الموانئ حال كونها مستوردة، أو الحقول والمصانع حال تصنيعها محليًا محلية. ومن ثمّ إلى الوكيل أو تاجر الجملة، ثم إلى تجار التجزئة في المحافظات، بتكلفة نقل تُحمل كاملة على سعر السلعة نفسها. هذا يعني تحريك سعر الوقود سيتسبب في ارتفاع شامل بمختلف القطاعات.

خام برنت تجاوز تقديرات الحكومة بـ 4 دولارات

عمرو الحديدي رئيس هيئة البترول السابق يقول لـ”مصر 360″ إن زيادة أسعار المواد البترولية التي أقرتها الحكومة للفترة من أبريل وحتى يونيو جاءت بعد تجاوز سعر خام برنت حاجز الـ 64 : 65 دولارًا للبرميل خلال الشهرين الماضيين. وذلك في الوقت الذي قدرت فيه الحكومة سعر برميل النفط بموازنة العام المالي 20/2021 بـ 61 دولارًا للبرميل.

وأضاف الحديدي أن الدولة كانت ستتحمل أعباء إضافية تصل إلى 4 دولارات لكل برميل يتم استيراده من الخارج. وذلك حال ثبات سعر خام برنت عند مستوياته الحالية 65 دولارًا للبرميل وعدم تحرك الأسعار بمعدلات أكثر من ذلك.

وأشار إلى أن الزيادة ارتكزت على تحرك أسعار البترول العالمية بالإضافة إلى تغيير أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه. والتي بدأت في الارتفاع الفترة الماضية. لذلك يقول إن رفع الأسعار لم يصل إلى 10% وهو الحد المسوح به في الزيادة.

 لماذا عدلت الحكومة أسعار البنزين؟

الخبير البترولي الدكتور جمال القليوبي، يقول إن أسعار النفط العالمية قفزت خلال فبراير ومارس، بسبب قرار أوبك استمرار خفض إنتاج النفط عالميًا حتى بداية أبريل الجاري. هذا ساعد على ارتفاع سعر خام برنت لنحو 64 : 65 دولارًا للبرميل، مقابل 49 دولارًا للبرميل نهاية 2020.

ولفت القليوبي في تصريحات لـ”مصر 360″ إلى أن مصر تعد أحد الدول التي تستورد حوالي 40% من احتياجاتها النفطية. وبالتالي فإن ارتفاع سعر خام برنت من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على تسعيرة الوقود محليًا. فتقييم منحنى الأسعار يكون لـ 3 أشهر السابقة لقرار تعديل الأسعار وليس على أساس ارتفاع أو هبوط الأسعار طيلة العام.

ومضى يقول إن تحرك الأسعار العالمية فتح المجال لتعديل تسعيرة الوقود التي كانت سارية خلال الربع الثالث من العام المالي 20/2021. ومن ثم إعادة هيكلة سعر بيع البنزين لمنع تحمل الموازنة أعباء إضافية خلال الـ 3 أشهر المقبلة.

في هذا الإطار، يؤكد أبوبكر الديب الخبير في الشأن الاقتصادي في تصريح لـ”مصر 360″ أن الحكومة نجحت في التغلب على تقلبات أسعار النقط بمضاعفة التحوط ضد الأسعار. وذلك من خلال عقود خاصة بالتأمين ضد مخاطر ارتفاع أسعار النفط مع بنكين عالميين. تلك الخطوة بمثابة توجه جيد منذ 3 سنوات، لتأمين الموازنة ضد مخاطر تذبذب أسعار البترول العالمية.

 أين فائض النصف الأول من 20/2021؟

لكن السؤال الآن، أين فائض الموازنة في النص الأول من العام المالي؟ عندما شهد تراجعًا في أسعار النفط عالمياً. وبدوره وفر جزءاً كبيراً من فاتورة الدعم السنوي للوقود، وحقق فائضًا للموازنة العام للدولة. وذلك بعد هبوط الأسعار لمستويات قياسية قاربت الـ 23 دولارًا وقت ذروة جائحة كورونا.

الخبير البترولي وأستاذ هندسة البترول بجامعة فاروس الدكتور رمضان أبوالعلا، يقول إن الحكومة حققت وفرًا في فاتورة استيراد الوقود الشهرية بما يقارب الـ 40%. في الوقت الذي أثر فيه تراجع خام برنت سلبًا على الدولة المنتجة والمصدرة للنفط نتيجة تخمة المعرض وتراجع الطلب لتوقف الأنشطة الصناعية حول العالم تأثرًا بجائحة كورونا.

وأضاف أبوالعلا لـ “مصر 360” أن أسعار النفط تراوحت بين 42و48 دولارًا للبرميل طيلة الـ 7 أشهر من العام المالي الجاري 2020/2021. ولم ترتفع الأسعار إلا خلال فبراير ومارس 2021. لذلك فإن الوفر الذي حققته الدولة خلال الفترة الماضية كان من المفترض أن يدفع لجنة تسعير الوقود لتثبيت الأسعار واستغلال فائض الفترة الماضية في دعم الوقود للمواطن.

غير أن اللجنة، وفق أبو العلا، لم تراع ما تحقق من فائض خلال 2020. واكتفت بتقييم منحنى أسعار النفط العالمي خلال الـ 3 أشهر الماضية فقط.

ووفق وزير البترول، فإن دعم المواد البترولية في مصر تراجع خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 20/2021، بما يقارب الـ 45%. وذلك مقارنة بالفترة نفسه من العام المالي الماضي.

وهبط دعم المواد البترولية إلى 8.4 مليار جنيه في النصف الأول من الموازنة التقديرية البالغة 14.1 مليار جنيه. وذلك مقابل 15.25 مليار جنيه قبل عام، وفق الوزير أيضًا.

ولفت إلى أن تسعيرة الوقود الجديدة حددت وفقاً لآليتين. الأولى أسعار النفط العالمي والتي تؤثر عليها العديد من المحددات السياسية والصحية التي تؤثر على كافة الأنشطة الاقتصادية. والآلية الثانية هي سعر الصرف.

 كيف تحدد الحكومة أسعار الوقود؟

تطبق مصر آلية للتسعير التلقائي لبعض منتجات البترول منذ يوليو 2016 بعد أن وصلت بأسعارها إلى مستوى التكلفة من خلال برنامج نفذته على عدة سنوات لتحرير أسعار الوقود.

وتحدد لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية الأسعار كل 3 أشهر بناءً على التغيير في متوسط الأسعار العالمية في الفترة الماضية مقارنة بسابقتها. إلى جانب التحرك في سعر الصرف، بالإضافة إلى تكاليف الشحن وغيرها.

ومن بين 6 قرارات اتخذتها اللجنة منذ يوليو 2019، خفضت اللجنة سعر لتر البنزين مرتين، بقيمة 25 قرشًا في كل مرة. وذلك في أكتوبر 2019، وأبريل 2020. بينما كانت القرارات الأربعة الأخرى، والتي كان آخرها في يناير الماضي، تتمثل في التثبيت. وكثير من بلدان العالم، تربط سعر الوقود بالتغيرات التي تحدث في أسعار البترول العالمية. فإذا ارتفع سعر البترول يرتفع سعر الوقود، وإذا انخفض البترول ينخفض السعر وهكذا.

وشهدت أسعار النفط العالمي ارتفاعًا ملحوظًا خلال فبراير ومارس 2021، حيث تراوح سعر البرميل بين 62 و 65 دولارًا، بدعم توافر عدد من لقاحات كورونا. وكذلك تراجع حجم الإنتاج والمعرض من النفط بالأسواق العالمية استجابة لقرار تمديد خفض الإنتاج الذي أعلنته “منظمة أوبك +”.

 هيكلة دعم الوقود

يواصل دعم المواد البترولية في مصر، تراجعاته خلال العام المالي الحالي، والتي بدأها العام قبل الماضي. وبحسب طارق الملا وزير البترول فإن دعم المواد البترولية هبط نحو 45% في النصف الأول من السنة المالية الحالية 2020-2021 مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.

ووفق المعلومات التي حصل عليها “مصر 360” فإن دعم المواد البترولية هبط إلى 8.4 مليار جنيه في النصف الأول من الموازنة التقديرية البالغة 14.1 مليار جنيه، وذلك مقابل 15.25 مليار جنيه قبل عام.

وشهد دعم المنتجات البترولية في مصر تباينًا واضحًا آخر 6 سنوات ونصف السنة، حيث بلغ إجمالي الدعم خلال العام المالي 14/2015 نحو 73.9 مليار جنيه، وفي عام 15/2016 بلغ 51 مليار جنيه. ثم عاود الارتفاع في العام المالي 16/2017 مسجلاً نحو 115 مليار جنيه.

وسجل أقصى ارتفاع في عام 17/2018 حيث بلغ 120.8 مليار جنيه، لتبدأ مرحلة تقليص الدعم بشكل واضح في عام 18/2019 الذي بلغ حينها 84.7 مليار جنيه.

وفي العام المالي الماضي 19/2020 هبط بشكل قياسي مسجلاً 18.7 مليار جنيه، وخلال النصف الأول من العام المالي الحالي سجل نحو 8.4 مليار جنيه، وفق مصادر مسئولة بوزارة البترول.