لا يزال قرار الحكومة بترحيل الإجازات الرسمية بمنتصف الأسبوع إلى يوم الخميس مثيرًا للجدل، خاصة بعدما ارتبط بمناسبات راسخة منذ  عشرات السنوات. كعيد شم النسيم الذي يدور حديث حول إمكانية ترحيله إلى الخميس الموافق السادس من مايو بدلاً من الإثنين الموافق الثالث من الشهر نفسه.

كررت الحكومة ترحيل الإجازات ليوم الخميس، وهو ما يجعل العطلة الرسمية ثلاثة أيام مع ضم الإجازة الأسبوعية الحكومية الجمعة والسبت. أضف إلى ذلك استنزاف العديد من الموظفين إجازاتهم السنوية بتوزيعها على يوم الخميس للتمتع بالأيام الثلاثة. بهذا يتضح أن أغلب الوظائف تفتقد موظفيها لمدة ثلاثة أيام أسبوعيًا بشكل متكرر. فما تأثير ذلك على الاقتصاد المحلي؟

يطرح الجدل حول الإجازات العديد من التساؤلات حول تأثير ذلك على الاقتصاد الكلي. في ظل تنامي الدراسات العالمية التي تناقش تلك الفكرة من جانبي التنمية البشرية والاقتصادية. وارتباط تحسين نفسية العامل والموظف بزيادة الإنتاج، والتي لا تلقى أي صدى في الدراسات المصرية المحلية.

تبرر الحكومة قرارها بتحويل الخميس إلى بديل لكل الإجازات الواقعة في الأسبوع، بالسعي لإتاحة فرصة أكبر أمام المواطنين لقضاء عطلة متصلة مع الجمعة والسبت، واستثمارها كيفما يشاءون. لكنها وسعت القرار  ليشمل ليس الذكريات القومية فقط ولكن جميع المناسبات والأعياد باستثناء 3 مناسبات فقط، هي إجازات أعياد الفطر والأضحى وعيد الميلاد.

لا يوجد دراسات ناقشت تأثير تغيير الإجازات أو كثرتها على الإنتاج. كما لم يتطرق الباحثون إلى دراسة تأثيراتها النفسية على العامل أو الإنتاجية. ربما لضعف الاهتمام بمجال التنمية البشرية من ناحية الشق الاقتصادي وليس النفسي لكن يمكن القياس على التجربة السعودية. 

تجربة إقليمية

في السعودية، كشف استطلاع للرأي عن نتائج ملموسة لقرار تغيير موعد الإجازة الأسبوعية عام 2013 من يومي الخميس والجمعة إلى يومي الجمعة والسبت. حتى إن الخبراء المحليين المستطلعة آراؤهم أكدوا أنها ساهمت في تحسين الاقتصاد بنسبة 20% في أول أعوام التطبيق.

يمكن تفسير المكاسب السعودية بالقطاعات ذات التعامل مع الخارج كالبنوك والنفط. إذ إن تعطيل العمل يوم الخميس والجمعة يجعل السوق تفقد يومين رسميين للعمل في الدول الغربية التي تتعامل معها. ومع تغييرها أصبحت تفقد يوماً واحدًا يتمثل في الجمعة على اعتبار أن الراحة الأسبوعية في الغرب يومي السبت والأحد. جانب تقليل تكاليف البدل الإضافي الذي يتم دفعها للموظفين الذين تتم الاستعانة بهم يوم العطلة لضرورات ملحة فرضتها طبيعة العمل.

وفي أول تسعة أشهر لتطبيق القرار في السعودية، ارتفع إجمالي الأرباح التي حققها القطاع البنكي بنحو 2.1 مليار ريال. كما قفزت الأرباح المجمعة للشركات بنسبة 26.7%. بما يعادل نحو 5 مليارات ريال سعودي.

رؤية مصرية مغايرة

لكن في مصر، رؤية مغايرة تمامًا لقطاع من الاقتصاديين الذين يرون أن تعطيل العمل في البنوك يوم الخميس يؤثر على التحويلات المصرفية ويحمل تداعيات على حركة النشاط الاقتصادي وعلى أرباح القطاع الذي يحصل على إجازة أسبوعية مستمرة يومي الجمعة والسبت. وبالتالي يتعطل العمل يومي الجمعة والخميس اللذين تنشط فيهما الأسواق العالمية.

وفقًا للمادة (48) من قانون الخدمة المدنية يستحق الموظف إجازة اعتيادية سنوية بأجر كامل، ليس من ضمنها عطلات الأعياد والمناسبات الرسمية، والإجازات الأسبوعية. وهي كالآتي: يحصل العامل خلال السنة الأولى له على خمسة عشر يومًا. وفي العام الثاني له يحصل على إجازة تقدر بنحو واحد وعشرين يومًا. وثلاثون يوما لمن أمضى في عمله أكثر من 10 أعوام. وخمسة وأربعون يومًا لمن تجاوز سنه الخمسين عاما ولذوي الإعاقة. وإذا قلت مدة خدمة العامل عن سنة، تكون إجازته بنسبة المدة التى قضاها في العمل، بشرط أن يكون أمضى ستة أشهر على الأقل فى خدمة صاحب العمل.

يؤكد الدكتور وليد جاب الله، أستاذ التشريعات الاقتصادية، أن التفكير في ترحيل الإجازات ليوم الخميس جاء بعد تطبيق قانون الخدمة المدنية. كما أعقب انتهاء عصر حصول الموظفين على بدل عن أيام الأجازات الرسمية، فلجأوا إلى استنزاف رصيدهم من الإجازات باستمرار بعد أي يوم عطلة رسمية. أو بمعنى آخر استنزاف الرصيد باستمرار طالما لا يوجد مقابل له.

فك الارتباط بين المناسبة والإجازة

ويقول الدكتور وليد جاب الله إن الحكومة حاولت مواجهة المشكلة عبر ترحيل الإجازات ليوم الخميس. لكن القرار تضمن عنصرًا نفسيًا آخر بفك الارتباط بين المناسبة والعطلة المرتبطة بها. خاصة إذا كانت تتعلق بمناسبة دينية أو قومية، وهو ما يجعل الأمر بحاجة إلى دراسة لقياس الأثر النفسي والاقتصادي الناجم عن القرار في كل مؤسسة على حدة. بحيث يتم تقدير مدى تحقيق الفائدة منه أو الضرر للاستمرار به.

يؤكد جاب الله صعوبة الوصول لتقديرات لتأثير ترحيل الإجازات خاصة أنه لم تصدر من أي هيئة أو شركة شكوى من تتضررها. وهنا يبقي التأثير السلبي على المواطن الذي يشتكي من تأخير بعض أعماله أو الزحام في المؤسسات الاقتصادية في اليوم السابق للعطلة أو التالي لها.

لذلك يقترح الخبير الاقتصادي تدوير أيام الإجازات بين موظفي الدولة والقطاعات الاقتصادية، فطالما جرى فك الارتباط بين المناسبة والإجازة المتعلقة بها. فلا داع لحصرها في يوم واحد مثل الخميس، ويمكن تقسيم الموظفين للعمل طول أيام الأسبوع لضمان استمرار الأعمال.

وتنص المادة (48) من قانون العمل على أن صاحب العمل يحدد مواعيد الإجازة السنوية حسب مقتضيات العمل وظروفه. ولا يجوز قطعها إلا لأسباب قوية تقتضيها مصلحة العمل. ويلتزم العامل بالقيام بالإجازة فى التاريخ والمدة التى حددها صاحب العمل. وإذا رفض العامل كتابة القيام بالإجازة سقط حقه فى اقتضاء مقابلها.

لماذا الإجازة الأسبوعية؟

أما التأثير السلبي الآخر، جاء على لسان بعض الفئات التي تكون إجازتهم الأسبوعية يومي الخميس والجمعة. إذ يرفض أرباب الأعمال تغييرها. وهذا يجعل هذه الفئة محرومة طوال العام من التمتع بنفس المزايا التي يتمتع بها زملاؤهم في المهنة الواحدة.

وتتعامل بعض الجهات الخاصة مع الإجازة على أنها نوعًا من هروب الموظفين من المسئولية الإنتاجية. رغم أنها حق تقره جميع التشريعات التي عالجت الوظيفة العامة، فهي من الحقوق المعنوية التي يستحقها الموظف لقاء ما يقدمه من مجهود في المرفق العام.

غير أن هدفها الرئيس يتمثل في تمكين العامل من الراحة لمدة من الزمن لإنماء قدراته وزيادة نشاطه. أو تسمح للموظف بمواجهة ظروف معينة صحية أو اجتماعية أو طارئة أو لتحقيق أغراض خاصة أو دراسية.

الاحتراق النفسي

وتؤكد دراسة لجامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، أن الإجازات تتضمن أهمية كبرى على الاقتصاد بشكل غير مباشر. وذلك باعتبارها تحمل تأثيرًا  على مستوى الصحة النفسية والعقلية والجسدية للإنسان وتحد من العمليات البيولوجية الضارة المرتبطة بالتوتر والعجز عن اتخاذ القرار السليم.

كما تشدد على أن الإجازات أيضًا لها تأثير على القدرة العقلية للموظفين وقدرتهم على التصدي لمشكلات العمل وابتكار حلول للمشكلات التي تصادفه. وكلما تزايدت ضغوط العمل قلت للقدرة الإدراكية للشخص وسيطرت عليه العصبية والتوتر أو بما يعرف بمتلازمة الاحتراق النفسي لناتجة عن الإجهاد العقلي.

لكن لا يمكن التعويل على تلك الدراسات لاختلاف نمط تقضية الموظف المصري لإجاوزاته ونظيره في الخارج. فمحليًا تحول انخفاض الدخول دون قدرة الغالبية العظمى من الموظفين على استثمار الإجازات في السفر أو تغيير نمط حياتهم المتعاد، وغالبا ما يقضونه في منازلهم.