مُنذ إعلان الجيش في تشاد مقتل الرئيس إدريس ديبي متأثرًا بجروح إثر مشاركته في معارك ضد متمردين، عقب إعلان فوزه بولاية سادسة. بدأت مجموعة من الإجراءات في نقل السلطة لابن الرئيس الراحل، محمد كاكا. دون النظر لاعتبارات الدستور الذي ينص على نقل السلطة لرئيس البرلمان في حال وفاة الرئيس.

عقب مقتل ديبي، أعلن الجيش التشادي تنصيب كاكا الذي ترأس قوات النخبة في الحرس الرئاسي وشغّل العديد من المناصب العسكرية. كما تم تعليق العمل بالدستور وإعلان الطوارئ وحل الحكومة والبرلمان وهي الإجراءات التي تبدو في معظمها انقلاب عسكري مكتمل الأركان. ويبدو أن الجيش قرر أنه سيحكم لمدة عام ونصف قبل إجراء أي انتخابات جديدة.

كذلك أعلن الجيش التشادي إغلاق حدود البلاد وفرض حظر التجول. ودعا التشادين في الداخل والخارج إلى حوار وطني. لكن الجنرال محمد كاكا نجل الرئيس الراحل قال في الإعلان الأول له بعد تولي رئاسة المجلس العسكري الانتقالي إنه سيعمل على الانتقال السلمي. كذلك الاستقلال الوطني وسلامة الأراضي واحترام المعاهدات الدولية. إلا أن هذه الإجراءات ترجح مزيدًا من الاحتقان على المشهد التشادي خاصة مع ارتفاع وتيرة أعمال التمرد التي تقودها عدة جبهات متسارعة تحمل السلاح.

في تشاد.. الانتقال السلمي انتهى منذ سنوات

انتهاك الانتقال السلمي للسلطة في تشاد بدأ منذ عهد الرئيس الراحل إدريس ديبي. عندما وقع قانون لتعديل الدستور نهاية العام الماضي قبيل إجراء الانتخابات. حيث لغى منصب رئيس الوزراء، وتمدد ولاية الرئيس إلى 6 سنوات وتصبح قابلة للتجديد مرة واحدة. بذلك كان يمكنه نظريًا البقاء في السلطة لولايتين أخريين من 6 سنوات، أي حتى العام 2033. كما أطلق صلاحيته دون أن يترك للبرلمان مجالات لمساءلة الرئيس، ما أشعل المعارضين لنظامه وبقاءه في السلطة حيث يعد من أطول الرؤساء الأفارقة بقاء في السلطة.

يرى مراقبون للمسشهد التشادي أن إجراءات انتقال السلطة منذ مقتل ديبي لم تعد انقلابًا عسكريًا فقط لكنها انقلاب دستوري أيضًا. بالإضافة إلى أنها تهديد للحياة المدنية خاصة بعد حل البرلمان والحكومة.

الاتحاد الأفريقي: المتابعة والترقب

رغم المواقف المتشددة للاتحاد الأفريقي في حماية السلم والأمن القاري وإرساء الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة في دول القار.ة إلا أن موقف الاتحاد من تشاد لا يزال المتابعة والترقب. حيث أبدى الاتحاد في أول بيان له تعليقًا على وفاة الرئيس التشادي أسفه. كذلك قال إنه: “خسارة كبيرة لتشاد والقارة الأفريقية”.

وأصدر الاتحاد بيانًا آخر ممثلاً في مجلس السلام والأمن أعرب فيه عن قلقه من إجراءات انتقال السلطة في تشاد. كما دعا الجيش لاحترام التفويض والنظام الدستوري والانخراط بسرعة في إعادة إرساء النظام الدستوري. بالإضافة إلى نقل السلطة السياسية إلى السلطات المدنية.

وقرر الاتحاد الأفريقي تشكيل بعثة رفيعة المستوى لتقصي الحقائق في تشاد. كما دعا لحوار وطني شامل، وحذر من خطورة التعقيدات الحالية على السلم والاستقرار في تشاد. ومن ثم تداعيات هذا التوتر على دول الجوار في منطقة الساحل الأفريقي.

ترحيب إقليمي وفرنسي بالرئيس الجديد والجيش

ورغم القلق الذي أبداه الاتحاد الأفريقي من طريقة انتقال السلطة وتولي مجلس عسكري بقيادة نجل الرئيس الراحل قيادة البلاد. إلا أن زعماء دول الساحل وهم مالي والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا أبدوا ترحيبًا بالمجلس العسكري. بل ووعدوا بمساندته في الحفاظ على الاستقرار وهو نفس الموقف الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون. إذ شارك في مراسم تشيع حثمان الرئيس ديبي. وأكد دعم باريس لمحاربة الجهاديين من خلال دعم المجلس العسكري للحفاظ على الاستقرار في تشاد. تلك البلد التي طالما كانت الحليف الاستراتيجي لفرنسا في المعركة ضد الجهاديين في المنطقة.

واتخذ الاتحاد الأفريقي مواقف متشددة إزاء عمليات الانتقال السلمي للسلطة في أفريقيا خاصة في حالات الانقلابات العسكرية على المدنيين. كان أشهرها تعليق عضوية مصر في 2013 عقب إزاحة نظام محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان حتى انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي. كذلك تعليق عضوية مالي في أغسطس 2020، بعد التمرد الذي قاده الجيش على الرئيس إبراهيم بوبكر كيتيا. كذلك تعليق عضوية السودان في يونيو 2019 عقب الإطاحة بنظام البشير وتولي المجلس العسكري إدارة البلاد. وما صاحب هذه القرارات من التلويح بإجراءات عقابية على الأفراد والكيانات التي منعت إرساء سلطة مدنية.

ماذا فعل الاتحاد الأفريقي في نماذج مشابهة؟

في توجو عام 2005 بعد وفاة الرئيس أياديما، تولى ابنه فاروبية الحكم بالمخالفة للدستور. كما اندلعت عدة اشتباكات وأحداث شغب قادتها المعارضة اعتراضًا على تولي ابن الرئيس. بينما نجح الاتحاد في الضغط من خلال وقف عضوية توجو وفرض حصار اقتصادي وسياسي من خلال منع أعضاء الحكومة من السفر. وهي الإجراءات التي تم دعمها من قبل منظمات إقليمية أخرى في القارة مثل الإيكواس وغيرها من المنظمات الدولية. ما ساهم في تنحي الابن عن الحكومة وإجراء الانتخابات خلال 30 يومًا فقط. بغض النظر عن فوز ابن الرئيس الراحل بـ60% من أصوات الناخبين. إلا أن الانتخابات التي شهدت رقابة محلية وإقليمية ودولية ساهمت في الانتقال السلمي للسلطة. وتأكيد الثقة في الرئيس الجديد وتسوية النزاعات السياسية مع المعارضة.

ويستهدف القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي وبروتوكول مجلس السلم والأمن الموقع من 53 دولة إفريقية في لومي بتوجو عام 2000. إرساء الديمقراطية في جميع الدول الأعضاء. حيث ينص على إدانة ورفض التغييرات غير الدستورية للحكومات. فضلاً عن عدم السماح للحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد. ذلك من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان والشعوب ودعم المؤسسات والثقافة الديمقراطية وكفالة الحكم الرشيد وسيادة القانون.

قوة الاتحاد الأفريقي

لكن تبقى قوة الاتحاد في تحقيق مواقف قوية في حماية الديمقراطية بتشاد وإجبار نجل الرئيس الراحل عل التنحي لحين انتخاب رئيس جديد. على قوة الجهات الفاعلة في المشهد السياسي التشادي خاصة مع الدعم الواضح الذي أبداه الرئيس الفرنسي لنجل الرئيس الراحل. والجيش التشادي في حربة على المتمردين ورصد نشاط مكثف لحركات جهادية ومتمردين انتقلوا من ليبيا مؤخرًا إلى تشاد. فضلاً عن ضعف المنظمات الإقليمية لدول الجوار في وسط أفريقيا وقدرتها على الضغط الاقتصادي أو السياسي. ما قد يضعف أي إجراءات يمكن اتخاذها عبر الاتحاد الأفريقي.

ويرى مراقبون أن عدة اعتبارات تتعلق بمواجهة الإرهاب في منطقة الساحل ووسط أفريقيا قد تعطل أي إجراءات عقابية من قبل الاتحاد الأفريقي. أو حتى التشدد في تطبيق النص القانوني للدول الأعضاء في الاتحاد من خلال فرض عقوبات أو التلويح بتعليق النشاط. خاصة وأن رحيل ديبي الذي كان حليفًا قويًا للأطراف الدولية المحاربة للإرهاب في الساحل الأفريقي. قد يخلق حالة من التوتر مع صعود القاعدة وداعش في المنطقة وخروجهم من الأراضي الليبية.