اقترض مبروك محمد 500 جنيه من أحد أقاربه لشراء ياميش رمضان. “فطقوس الشهر لا يمكن أن تتغير”؛ كما يرى الموظف الحكومي الذي ينسب نفسه للطبقة الفقيرة، ويشتكي راتبه الشهري الذي لا يتجاوز 1200 جنيه، لكنه كذلك يأبى أن يدخل الشهر دون شراء الياميش لأسرته المكونة من زوجة وطفلين. كميات محدودة من البلح والتين والفول السوداني ولفة واحدة من قمر الدين تؤدي الغرض خلال الأيام الثلاثين المقبلة.
يقول محمد المصري، نائب رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، إن زيادة الاستهلاك في رمضان أمر متعارف عليه. فإقبال المواطنين على شراء السلع بمختلف أنواعها ينعش حركة البيع والشراء. وهو ما يشير إليه أيضًا محمد رمضان صاحب إحدى سلاسل السوبر ماركت فيقول إن “نسبة المبيعات ارتفعت تقريبًا 30% من قبل رمضان بأيام، وده المعتاد كل عام، يمكن كمان في السنوات اللي فاتت بيكون نسبة الارتفاع أكتر وبيعدي الـ50%، ولكن بسبب أزمة كورونا قلت النسبة اللي لسه موجودة”.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي، فإن أكثر من 85٪ من المصريين يغيرون عاداتهم الغذائية في شهر رمضان. ويرتفع حجم الاستهلاك بنسبة تقترب من 100% في رمضان. وقد قدر جهاز تنمية التجارة الداخلية التابع لوزارة التموين المصرية قيمة استهلاك السلع الغذائية خلال شهر رمضان بـ100 مليار جنيه. ويعكس هذا الرقم تصاعدًا ملحوظًا في فاتورة الاستهلاك في شهر رمضان هذا العام عن الأعوام السابقة. وكانت لا تتجاوز 70 مليار جنيه في عام 2020، وقرابة 50 مليار جنيه في عام 2019.
إبراهيم عشماوي، رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، قال لـ”مصر 360″، إن حجم الاستهلاك في الأشهر العادية يصل لـ55 مليار جنيه بينما في شهر رمضان يتضاعف الاستهلاك ليصل لـ100 مليار جنيه، أي ضعف الأشهر العادية.
ويؤكد عشماوي، أن هذا الارتفاع طبيعي ويحدث كل عام، وهو مرتبط أيضًا بالعادات الغذائية التي يشهدها شهر رمضان من عزومات وموائد تضم أنواعًا مختلفة من الطعام. وأيضًا الزكاة والشنط الرمضانية ومحاولات دعم محدودي الدخل والفقراء.
كيف يرتفع الاستهلاك في رمضان؟
يرى رمضان أن جميع الفئات سواء أصحاب الدخول المتوسطة أو الفقراء يشاركون في إنعاش حركة البيع والشراء في هذا الشهر. “الغني لا توجد لديه مشكلة في الشراء وهو قادر على تلبية كافة احتياجاته. لكنه أيضًا ليس السبب الوحيد في زيادة القوة الشرائية. هو شهر تعد له جميع الأسر ميزانية خاصة. حتى الفقراء يلجأون للاقتراض لتدبير احتياجاته”. هذا فضلاً عن الشنط الرمضانية التي يقبل عليها الأغنياء والجمعيات الخيرية ويتم توزيعها على الفقراء. وهي تساعد بدورها في زيادة حركة البيع والشراء.
محمد نصر محاسب، لديه قدرة مادية تمكنه من شراء العديد من الشنط الرمضانية وتوزيعها على عدد من الفقراء والمحتاجين. ففي بداية الشهر اشترى 10 شنط بها مواد وسلع غذائية أساسية وبقالة وياميش. تتراوح تكلفة الشنطة ما بين 250 لـ300 جنيه. ذلك إلى جانب المشتريات الشهرية التي يحتاجها منزله.
ما يفعله نصر هنا أحد مفسرات لماذا ترتفع القوة الشرائية مع قدوم شهر رمضان.
وترتفع حركة البيع والشراء في رمضان بنسبة تتراوح بين 20 لـ30% وفقًا لحديث عدد من التجار. ويقابل ذلك نسبة تصل لـ29% من معدل الفقر وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. فهل الأغنياء هم فقط من يساهمون في ارتفاع حركة البيع والشراء؟
محمد المصري نائب رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، يجيب بلا. ويتحدث عن شوادر بيع اللحوم والخضروات والفاكهة وغيرها من مستلزمات المنزل التي تقيمها الدولة بأسعار مخفضة. وهي أيضًا حسب رأيه أحد أسباب ارتفاع القوة الشرائية خلال الشهر. لأنها تأتي بأسعار تناسب دخول محدودي الدخل.
الوعي الاستهلاكي ومبادرات الترشيد
يرى عادل عامر الخبير الاقتصادي أن زيادة الاستهلاك مرتبطة بالزيادة السكانية التي تشهدها مصر. فمع زيادة عدد السكان تزداد المشتريات. وهو يوضح لـ”مصر 360″، أن الدراسات حول نسبة الاستهلاك التي تصل في رمضان لـ100 مليار جنيه تشير إلى أن نسبة 15% منها للياميش، و20% للحوم والدواجن، و40% للسلع الأساسية مثل الأرز والمكرونة والسكر وغيرها.
ويقول إبراهيم عشماوي، رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، إنه مع تخفيف الإجراءات الاحترازية المصاحبة لكورونا ارتفعت حركة البيع والشراء. مشيرًا إلى أن تقليل المخاوف بشأن الجائحة، أعاد للمصريين معدلات الاستهلاك المرتفعة. خاصة مع عدم تطبيق الدولة لقرارات الإغلاق التام مثلما حدث في شهر رمضان من العام الماضي 2020.
كما أن غياب الوعي الاستهلاكي لدى المواطنين، كما يوضح عشماوي، يؤثر أيضًا في حجم الاستهلاك فالناس يشترون كميات كبيرة من الطعام ربما لا يحتاجون لها. وهو ما يحدث كل عام.
ولزيادة الوعي الاستهلاكي في شهر رمضان، قدمت العديد من المبادرات حملات تهدف لنشر الوعي بأهمية ترشيد الاستهلاك وعدم الإسراف في شراء وإعداد طعام زائد عن الحاجة. ومنها مبادرة “رمضان جرين“، التي تدعو أيضًا لنشر ثقافة فصل المخلفات والاهتمام بإعادة التدوير وإعادة الاستخدام والحد من استخدام البلاستيك ونشر توعية بمخاطر استخدامه. وكذلك ضرورة ترشيد استهلاك المياه أثناء الوضوء.
وتستهدف المبادرة رواد مواقع التواصل الاجتماعي بما في ذلك ربات المنازل والأبناء والأباء وكل فئات المجتمع لحثهم على الاحتفال بشهر رمضان والحفاظ على الموارد وعدم الضرر بالبيئة المحيطة في نفس الوقت، وترشيد الاستهلاك، كما قال أحمد فتحي مدير مؤسسة “شباب بتحب مصر”، التي أطلقت المبادرة، مع حلول شهر رمضان.