التقطت المقاصد السياحية في جنوب سيناء أنفاسها مجددًا بعد موافقة روسيا على عودة الطيران المباشر ومعه السياحة الروسية. لتنتهي سبع سنوات عجاف، عانت فيها هذه المحافظة انخفاضًا بالحركة الوافدة وجائحة كورونا التي فاقمت أوجاعها في العامين الأخيرين.

السياحة الروسية تحيي فنادق جنوب سيناء

تظل السياحة الروسية المنقذ الأول لفنادق ومنتجعات جنوب سيناء. رغم أنها سياحة قليلة الإنفاق تعتمد على عروض التخفيضات، وبرامج الإقامة الكاملة دون مشتريات إضافية. لكنها سياحة “مجموعات”. وهذه هي الميزة الأساسية بها.

وقد علقت السلطات الروسية رحلات الطيران إلى مصر عقب تحطم طائرة ركاب روسية بعد دقائق من إقلاعها من مطار شرم الشيخ، في أكتوبر عام 2015. وقد أودى هذا الحادث بحياة 224 روسيًا آنذاك. وبعدها بثلاثة أعوام تم استئناف الرحلات لمطار القاهرة فقط. بينما أبقي على تعليق الرحلات لباقي المطارات المصرية.

يقول أحمد علاء، مدير فندق بشرم الشيخ، إن السائح الروسي يقضي برنامجًا في جنوب سيناء يتضمن ثلاث وجبات يوميًا بأقل من 100 دولار. وهو رقم زهيد، لكن يعوضه ضخامة العدد الوافد الذي يملأ الفندق باكمله.

 

وتوضح لغة الأرقام تلك الحقيقة، فإذا كان الفندق يتضمن 100 غرفة فإن تشغيلها بالحد الأدنى من السعر أفضل من ربع التشغيل ببرنامج أعلى سعرًا. خاصة أن غالبية تكاليف التشغيل واحدة في الحالتين. 

ويتسم السائح الروسي بمزايا كثيرة من بينها رضاه بمستوى الخدمة، وتعامله بواقعية مع مستوى دخله في اختيار جودة الفندق. وهو يفضل الخمس نجوم فيما أدنى، على عكس أوروبا الغربية التي تريد مستويات خدمة عالية في فنادق النجوم الخمس تعادل فئة السبع نجوم.

دول استفادت من السياحة الروسية

تتشابه مصر وتركيا في الطابع السياحي المميز وانخفاض الأسعار. وهو ما ساعد الأخيرة في جذب السائح الروسي مع توقف حركة طيران بلاده إلى مصر في السنوات الماضية. إلا أنه ومع قرار روسيا العودة إلى مصر حاليًا، فإن تركيا ربما تخسر هذا النوع من السائحين الذي اعتاد الأجواء المصرية. وقد تعزز تلك الخسارة ما تعانيه تركيا حاليًا من قرار تعليق موسكو الرحلات إليها لمدة شهر ونصف (حتى يونيو 2021) بسبب تفشي كورونا.

وقد زادت أعداد السياح الروس المتجهين إلى مقاصد تركيا بمعدلات قياسية منذ توقف رحلات شرم الشيخ في أعقاب سقوط الطائرة. وسجلت خلال النصف الأول من عام 2017 أكثر 11 مرة مما كانت عليه في الفترة ذاتها من 2016. ذلك وفق إحصاءات رابطة منظمي الرحلات السياحية الروسية. 

وفي 2020 التي شهدت أزمة في السياحة العالمية بسبب تداعيات كورونا، جاءت تركيا والإمارات و المالديف وتنزانيا وكوبا كأكبر ٥ مقاصد سياحية توجه لها الروس في 2020. طبقًا لدراسة وكالات السفر العالمية، وجميعها استفادت من أزمة السباحة المصرية.

يقول خبراء إن المقصد المصري لا يزال هو المفضل السياح الروس بعد العودة، فالسياحة الشاطئية في 2020 كانت المركز الثاني في توجهات ونوعية السياحة للخارج من روسيا بنسبة 48٪. 

وتمتلك مصر أكثر من 2500 كم من الشواطئ مع تميز البحر الأحمر بأماكن للاستمتاع برياضة الغوص والشعب المرجانيةـ ما يجعلها أحد أهم الدول بالسياحة الشاطئية. خاصة بعد تزايد الاهتمام بالساحل الشمالي المقصد السياحي الجديد بالنسبة للسياحة الغربية. 

وأظهرت بيانات المركز التحليلي لخدمة السفر الروسي خلال الأشهر الأربعة الماضية أن مصر بصدارة الوجهات التي يطلبها السياح الروس من بين 10 وجهات جوية أجنبية من الدول الأفريقية مطروحة أمامهم.

ويحمل تفضيل المقصد المصري حسبة اقتصادية أيضًا، فنكلفة السفر إلى مصر أقل لما يزيد عن النصف عن مقاصد مثل تنزانيا أو زنجبار أو كينيا. وهو رقم كبير بالنسبة للسائح متوسط الدخل الذي تمثل له القاهرة فرصة لتوفير ما لا يقل عن 29 ألف روبل في رحلتي الذهاب والعودة. 

كيف نستعد للسياحة المتوقعة؟

يقول الدكتور عاطف عبداللطيف، عضو جمعيتي مستثمري مرسى علم وجنوب سيناء، إن روسيا أكبر سوق مصدر للسياحة لمصر. وعودة حركة الطيران كاملة بين الطرفين لن يقتصر على الروس فقط ولكن يمتد أثره إلى الكثير من دول أوروبا الشرقية أيضًا.

كانت روسيا تحتل المرتبة الأولى في السياحة الوافدة لمصر بنحو 3 ملايين سائح قبل توقف رحلات الطيران بين البلدين. حينما توقفت تبعتها أسواق أخرى من أوروبا ومن دول كازاخستان وأوزباكستان وجورجيا وغيرها. 

ويتوقع عبداللطيف أن تشهد الفترة المقبلة نهضة كبيرة في حركة السياحة ما يستلزم الاستعداد والتجهيز اللازم وتدريب العاملين بالقطاع. والإسراع في تطعيمهم بلقاح كورونا والاستمرار في تشديد الرقابة الصارمة في تطبيق الإجراءات الاحترازية. خاصة في المناطق السياحية كما هو معمول حاليًا.

الروس متشوقون لمصر

“الروس متشوقون لزيارة الوجهات السياحية بمصر”؛ يقول عبداللطيف الذي يتوقع أن يشهد موسم الصيف إقبالاً كبيرًا على زيارة مصر. خاصة أن الجانب الروسي يواجه ضغوطًا منذ فترة لعودة الطيران الشارتر الروسي إلى المقاصد المصرية من جديد. وذلك مع ما تعانيه الشركات السياحية الروسية من خسائر مالية كبيرة بسبب التوقف. 

ويوضح أن البدء في تطعيم القطاع السياحي حاليًا بجنوب سيناء والبحر الأحمر جاء في توقيت مناسب جدًا قبل الموسم السياحي الصيفي. والتطعيم بلقاح كورونا يشجع راغبي السياحة والسفر على زيارة مصر والاستمتاع بالأجواء السياحية الرائعة بها.

لكن جمعية “مسافرون” المعنية بالسفر وتنشيط السياحة، تطالب بتنفيذ حملة تسويقية كبيرة عبر السوشيال ميديا في الأسواق المستهدفة لمدن البحر الأحمر وجنوب سيناء السياحية. وذلك بغرض كشف النقاب عن جاهزية المنتجعات السياحية المصرية لاستقبال السائحين. وأيضًا تسليط الضوء على صور تطعيمات القطاع السياحي داخل المنتجعات السياحية بلقاح كورونا.

وتمثل تلك الحملة ضرورة ملحة في ظل هلع راغبي السياحة والسفر من التنقل بين بلدان ومقاصد سياحية متنوعة في ظل انتشار الموجة الثالثة لوباء كورونا. فضلاً عن لجوء بعض الدول إلى إغلاق بعض المدن مجددًا للسيطرة على الوباء مثلما يحدث بالهند. وهنا تبرز أهمية الحملة الترويجية للتأكيد على أن الإجراءات الوقائية معمول بها داخل المطارات والفنادق والمنتجعات السياحية كاملة.

عين على دول أخرى

تسعى وزارة السياحة في الفترة الأخيرة لفتح أسواق جديدة للسياحة المصرية حتى لا تقع فريسة للأزمات السياسية كما حدث في السنوات الماضية. وهي تعتمد خطة معلنة تستهدف في 50% منها أوروبا، و20% للدول العربية، و10% لدول آسيا.

وتصدر الصين وحدها نحو 150 مليون سائح سنويًّا لجميع أنحاء العالم. وبإيرادات تصل إلى 200 مليار دولار سنويًا. ورغم تلك الأهمية للسوق الأسيوية فلا يزال نصيب مصر منها ضئيل للغاية. وهو ما استدعى اتفاق أخير مع شركة “هواوي” الصينية علي الترويج للسياحة المصرية عبر أجهزة الهواتف المحمولة. ذلك بعرض صور للمناطق السياحية في مصر.

ويمثل عدد ساعات الطيران بين القاهرة وبكين التي تصل إلى 13 ساعة عائقًا أمام قدوم سائحين منها. الأمر الذي جعل اعتماد السياحة المصرية في السابق على أوروبا يصل إلى 80%. وهو ما تسعى مصر لتغييره بزيادة خطوط الطيران بين مصر ودول أخرى. إلى جانب استحداث برامج تراعي الطبيعة الثقافية لتلك الدول. فالسائح الياباني -على سبيل المثال- مهتم كثيرًا بالسياحة الثقافية والفرعونية عن الشاطئية.