في الجلسة الأولى للأمم المتحدة تم الاعتراف بالحق في حرية تداول المعلومات باعتباره حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان.

الجمعية العامة أقرت ذلك الحق في القرار رقم 59 /1946. الذي نص على أن حرية الوصول للمعلومات حق إنساني. ويعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو الوثيقة الأكثر أهمية فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للأفراد. حيث نصت المادة 19 من الإعلان على التزام الدول بكفالة الحق في حرية التعبير. ويشمل ذلك حرية الاحتفاظ بالآراء دون أي تدخل. وبحث وتلقي ونقل المعلومات والأفكار من خلال أي وسيلة إعلام. بغض النظر عن الحدود.

لكن بحسب مراقبين، افتقر العمل الصحفي في مصر السنوات الماضية لهذه الحرية. فبين الحين والآخر تمارس انتهاكات ضد الصحفيين من المسئولين في الحكومة مقابل رغبة الصحفي في الحصول على المعلومة من مصدرها.

حتى أصدرت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة أبريل الجاري 3 أحكام جديدة من نوعها. الأحكام صدرت لصالح 3 صحفيين كان محافظ الدقهلية منعهم من دخول المصالح الحكومية أو حضور المؤتمرات والفعاليات.

اقرأ أيضًا.. نقابة الصحفيين.. 8 عقود من معارك الحرية والاستقلال

أحكام صحفيي الدقهلية

ونظرت هيئة المحكمة دعاوى غادة عبدالحافظ “المصري اليوم” ومنى باشا “بوابة الأهرام”، وتامر المهدي من “مؤسسة ولاد البلد”. ضد الدكتور أيمن مختار محافظ الدقهلية لإلغاء قراره بمنعهم من آداء عملهم ودخول مبنى المحافظة. بالإضافة إلى حذفهم من جروب “واتس آب” الخاص بالإعلاميين ومنعهم من الحصول على المعلومات.

المحكمة قالت: “الحكم جاء بعد أن أكد الطاعنون أن المحافظ منعهم من التغطية الإخبارية. ومنعهم من الحصول على البيانات والمعلومات والأخبار من الجهات الحكومية المختلفة. كذلك منعهم من المؤتمرات واللقاءات التنفيذية وفرض مجموعة من القيود التي تعوق توفير المعلومات أو إتاحتها لها.

وبحسب المادة 9 من القانون 180 لسنة 2018 فالدستور والقانون يكفل حرية الصحافة وممارسة الصحفي لعمله دون قيود أو مضايقات. كما يحق للصحفي أو الإعلامي نشر المعلومات والبيانات والأخبار التي لا يحظر القانون إفشائها. كما تلتزم الجهات الحكومية والجهات العامة الأخرى بإنشاء إدارة أو مكتب أو موقع إلكتروني للاتصال بالصحافة والإعلام. ذلك في إطار تمكين الصحفيين والإعلاميين من الحصول على البيانات والمعلومات والأخبار”.

المادة 10 من القانون

كما حظرت المادة 10 من القانون ذاته عرقلة أو منع الصحفيين من عملهم بنصها. من خلال فرض أي قيود تعوق توفير المعلومات أو إتاحتها. أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف الصحف المطبوعة والإلكترونية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة. كذلك حقها في الحصول على المعلومات. ذلك كله دون الإخلال بمقتضيات الأمن القومي والدفاع عن الوطن.

وبموجب المادة 12 من قانون الصحافة يمنح الصحفي الحق في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة. وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير في الأماكن العامة بنصها في سبيل تأدية عمله الحق في حضور المؤتمرات والجلسات.

وبحسب وائل غالي محامي الصحفيين الثلاثة، يعتبر الحكم سابقة قضائية لأول مرة بالمحاكم المصرية. وستمتد آثاره لكل الصحفيين بمصر في مواجهة أي عراقيل تعوق أداء عملهم الصحفي.

رئيس الوزراء ومتحدث الصحة.. وقائع سابقة

واقعة محافظ الدقهلية لم تكن الوحيدة سبقها عدد من القرارات حظرت فيها الحكومة النشر أو تداول المعلومات في بعض القضايا. كان أبرزها قرار رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، باتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال كل من أذاع أخبارًا، أو بيانات كاذبة تتعلق بفيروس كورونا المستجد.

الأمر الذي طبقه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بعد أن قرر معاقبة 16 موقعًا إلكترونيًّا وصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي. إذ نشروا أخبارًا كاذبة عن اكتشاف حالة إصابة بفيروس كورونا في طنطا.

أزمة خالد مجاهد

في أبريل الجاري اتهم عدد من الصحفيين في قنا، الدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمي لوزارة الصحة بمنعهم من تأدية عملهم لتغطية زيارة الوزيرة. إذ حظر تصوير تحركات الوزيرة أثناء زيارتها لعدد من المستشفيات.

خالد مجاهد

الشكوى تكررت الآونة الأخيرة في سياقات ومناسبات مختلفة. دفعت نقابة الصحفيين لإصدار عدة قرارات ترفض فيها منع الصحفيين من ممارسة عملهم. إذ يكفله الدستور في المادتين (68) و(71) من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام. والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في المواد (10) و(11) و(12) منه. مع مطالبة وزيرة الصحة بالتحقيق في الواقعة واتخاذ ما يلزم لرد اعتبار الزملاء.

ولم تكن تلك المرة الأولى لمجاهد. ففي عام 2016 أصدر مجموعة من الصحفيين وعددهم 37 بيانًا مجمعًا، يطالبون فيه بإقالة “مجاهد”. بسبب تعنته في عدم الرد على الإعلاميين والصحفيين المعنيين بتغطية أخبار الوزارة بصفة خاصة. وعدم احترام المنصب الذي يشغله، على خلاف ما يحدث في الوزارات الأخرى.

قانون تداول المعلومات

في أغسطس 2017، أعلن مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام وقتها، مشروع قانون يسمح بحرية تداول المعلومات، من 28 مادة. إلا أنه أثار جدلاً كبيرًا لعدم أخذ آراء الجهات المعنية فيه. ومنها منظمات المجتمع المدني ذات الصلة، قبل وبعد الانتهاء منه.

وفي سبتمبر 2019، أعلنت النائبة نشوى الديب عضو لجنة الإعلام بمجلس النواب، إعداد مشروع قانون بشأن حرية تداول المعلومات. لتقديمه في بداية دور الانعقاد الأخير.

كارم يحيى: انتصار للصحفيين ولكن

الكاتب الصحفي كارم يحيي رأى أنه من المفروض أن يكون هناك قانون لإتاحة المعلومات كحق أصيل للصحفي والمواطن على حد سواء. كما هو منصوص عليه في المادة 19 من ميثاق الأمم المتحدة وبالتالي فهو ليس بجديد. وبالفعل القانون تأخر في صدوره خاصة مع السياق العام في مصر الذي صار في تجاه معاكس للحقوق بعد 2013. وحدوث انتكاسة في مجمل الظروف التي يمارس فيها الصحفيين عملهم.

كارم يحيى

يتابع كارم: “الحكم الصادر نجاح كبير للجماعة الصحفية وللمواطن في حقه بالوصول إلى المعلومة الصحيحة. لكن النجاح الأكبر في تنفيذ النقابة للحكم والضغط عليه لتحويله كسابقة مهمة تردع أي مسئول أو مصدر”. كما لفت إلى أن ذلك يحتاج إلى حملة إعلانية ودور نقابي سواء في إصدار بيان يتم توزيعه على كل الجهات وفيه ملخص الحكم. وتأكيد مبدأ حق الصحفي في الحصول على المعلومات.

ويضيف: “يجب ألا ينتهي الأمر على صدور الحكم، لأنه بالتأكيد ممارسة العمل الصحفي تؤدي إلى ضمان حقوق المواطن في المعرفة. الحكم هنا يأخذنا إلى أهمية وجود قانون لتداول حرية المعلومات”.

وأشار إلى أنه هناك جانب أخر في الأمر يتعلق بالصحفيين عليهم أن يضربوا مثالًا في استقلالية الصحافة وولائهم للمهنة. وإثبات أنهم ليسوا موظفي علاقات عامة عند المحافظ والسلطة. لأن ذلك جانب يتعلق بشرف المهنة نفسه. فلابد من مواجهة هذه السلوكيات التي لا تتعلق بالمهنة ما يخلق مناخًا ضاغطًا على باقي الزملاء.

انتصار في ظل انقسام النقابة

في السياق ذاته، علق ياسر سعد المحامي العمالي على الحكم قائلًا إنه بالتأكيد أيّ حق وضع في صورة حكم يتسبب تلقائيًا في حسم حالة الانتهاك. كما يحدد ضماناته الدستورية والقانونية. كما أن الأكيد أنه مكسب كبير للجماعة الصحفية.

وأضاف أن الحكم يعد انتصارًا للجماعة الصحفية في ظل الانتهاكات المتكررة ضد الصحفيين بسبب وأثناء تأدية عملهم. خاصة مع  ظل تردي أوضاع النقابة ودخولها في صراعات بين الجهتين المتصارعتين على المجلس. تلك التي ظهرت بشكل جلي في أزمة هيئة المكتب. كما أبدى تخوفه من أنه ومع الأسف التجربة أثبتت أنه في حالات الجزر والانكماش للحركات الاجتماعية المكاسب التي يحصلون عليها بأحكام قضائية صعب تنفيذها. إلا في حالة وجود حركة منظمة وحشد لأصحاب المصلحة والمقصود هنا الصحفيين.

وأكد أن الأهم الآن هو تنفيذ الحكم خاصة أنه لا يحتاج إلى آليات، لأن هذا يضعنا أمام سؤال هل المنفذ ضده يلتزم بتنفيذ الأحكام أما لا؟. لأن الامتناع عن تنفيذ الحكم جُرم.

وضرب مثالًا عندما حصلت الطبقة العاملة المصرية عام 2007 على حكم بالحد الأدنى للأجور. الذي لم يُنفذ إلا بعد عام 2011، ومنذ عام 2013 تقريبًا توقف تنفيذه رغم أن الحكم لم يكن يحدد رقمًا ثابتًا. وبالتالي تنظيم وحركة أصحاب المصلحة وقدرتهم على المواجهة هو الذي يحدد مدى تنفيذ الأحكام القضائية للمحافظة على حقوقهم.