أقر مجلس الوزراء السوداني خطة عمل لمواجهة القرار الإثيوبي الأحادي بالملء الثاني لخزان سد النهضة. وهي خطة تتضمن عددًا من التحركات؛ أهمها اللجوء للقضاء الدولي واتهام إثيوبيا بالشروع في عمل من شأنه الإضرار بالأمن القومي السوداني وتعريض حياة 20 مليون مواطن سوداني للخطر.

وزير الموارد المائية والري السوداني ياسر عباس قال، في تصريحات صحفية أول أمس، أن الحكومة بدأت بتوجيه الفرق القانونية الرسمية لاتخاذ الإجراءات المتبعة لمقاضاة شركة ساليني المنفذة للمشروع والحكومة الإثيوبية دوليًا. فضلاً عن تكثيف الزيارات الخارجية خاصة بالدول الأفريقية. لشرح موقف السودان وتمسكه بالموقف التفاوضي المرتكز على الحق في حماية الأمن المائي.

المعاهدة الوحيدة حول المياه العذبة المشتركة

تعد الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لعام 1997 بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية هي المعاهدة الوحيدة التي تغطي المياه العذبة المشتركة. وتضع مبادئ وإطار حاكم لقواعد استخدام الأنهار الدولية. ذلك بما يعزز من سيادة القانون في العلاقات الدولية المتعلقة بالأنهار والمجاري المائية المشتركة.

تضم الاتفاقية 37 مادة في 7 أبواب تركز على حماية حقوق الدول في المجاري المائية المشتركة. بما يحقق المنفعة المشتركة وعدم الضرر من خلال عدد من المبادئ والأحكام الرئيسية. وهي الإخطار المسبق قبل الشروع في أي عمل على المجرى المائي في دول المنبع. فضلاً عن الانتفاع المنصف والمعقول للمياه. وكذا الحيلولة دون حدوث ضرر ذي شأن.

تستند الحجة القانونية لمصر والسودان بشأن سد النهضة على كونه مصدر للضرر البالغ على مصالحهما. وتفصل عدة تعريفات دولية وضعتها جهات معنية باستخدامات مياه الأنهار الدولية لمفهوم الضرر الذي يمكن أن تتعرض له مصالح دولتي المصب. ذلك من خلال الموازنة بين المنافع والأضرار وإمكانات تجنب الأضرار غير الضرورية ومدى إمكانية تحقيق المنافع من دون الحاق أضرار بالغة لدول المصب.

سد النهضة وأمثلة سابقة على التحكيم الدولي

وتتضمن الوسائل القضائية لجوء الأطراف المتنازعة للتحكيم الدولية أو محكمة العدل الدولية لحل النزاعات والتي كان لها أدوار عديدة سابقة في حسم النزاعات الدولية في مجال استخدام المياه الدولية. حيث يجرى التحكيم الدولي وفق اتفاقية لاهاي لعام 1907 من خلال النظر في النزاع عبر هيئة يلجأ لها المتنازعون. مع الالتزام والخضوع بحسن نية لتنفيذ قراراتها بهدف تسوية النزاع. ويتم تعيين القضاة عبر انتخاب الأطراف المتنازعة لهم.

تاريخيًا، استطاع القانون الدولي حسم النزاعات بين الدول بشأن استخدامات المجاري المائية المشتركة. وكان أول الأحكام القانونية الدولية في هذا الإطار، حكم صادر من محكمة سويسرية في 1978 بشأن نهر زيورخ. حيث قضت بأنه لا يجوز اتخاذ أي إجراءات فردية من شأنها الإضرار بالغير. كالقيام بتحويل مياه النهر أو بناء سدود أو قناطر أو غيرها من المنشآت المائية. فضلاً عن حكم هيئة التحكيم في 1905 بشأن نهر الهلمند بين إيران وأفغانستان بالامتناع عن إحداث الضرر. وإن كان بحسن نية أو سوء نية، وذلك بعدم إعاقة الإمدادات الضرورية من الري.

قرار هيئة التحكيم الخاصة بالنزاع بين فرنسا وإسبانيا بشأن النزاع على بحيرة لانو كان الأشهر في تاريخ النزاعات القانونية على المجاري المائية غير الملاحية المشتركة. حيث حدد الحكم القضائي الصادر في 1957 مفهوم للجوانب المرتبطة بالضرر العابر للحدود. وكذلك كان لمحكمة العدل الدولية عدة أحكام قضائية هامة مماثلة لحالة النزاع حول سد النهضة. منها النزاع بين المجر وسلوفاكيا على نهر الدانوب. حيث كانت المجر قد تراجعت عن تنفيذ اتفاقية تستهدف منع الفياضانات وإيجاد مصدر نظيف للطاقة. وقضت محكمة العدل الدولية بضرورة تنفيذ الاتفاقية وألزمت المجر مشاركة سلوفاكيا في إتمام إنشاءات السدود.

الحجج القانونية لمصر والسودان في النزاع على سد النهضة

يستند الموقف القانوني لمصر والسودان بحماية مصالحهما في النيل الأزرق من أي تصرفات إثيوبية فردية للتحكم في إدارة مياه النهر إلى عدد من القنوانين والمعاهدات التاريخية. أهمها اتفاقية 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا. وتتعهد إثيوبيا فيها بعدم إنشاء أي أعمال على النيل الأزرق وبحيرة تانا ونهر السوباط، يكون من شأنها تعطيل سريان مياه النيل. فضلاً عن اتفاقية 1924 و1929 وغيرها من المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا.

وتتنصل إثيوبيا من أي معاهدات دولية تتعلق بمياه النيل. إذ قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، في تصريحات أمس: “الاتفاقات التاريخية لتقاسم مياه النيل والتي تتمسك بها مصر والسودان خلال أزمة سد النهضة غير معقولة ولا يمكن قبولها”. رافضًا أي تهديدات قانونية من مصر والسودان، واصفًا إياها بـ”غير المجدية”.

وأقرت اتفاقية فيينا في المادة 11 لعام 1978 مبدأ التوارث الدولي للمعاهدات. كما قضت محكمة العدل الدولية على أن المعاهدات الدولية ذات الطابع الإقليمي بخاصة الاتفاقيات الخاصة بالحدود والأنهار الدولية من المعاهدات التي لا يجوز المساس بها نتيجة التوارث الدولي. وهو ما يعطي مصر والسودان قوة قانونية ويبطل أي حجج تتمسك بها دولة المنبع بعدم كونها طرف في الاتفاقيات التاريخية.

السودان يدعو لقمة رؤساء حكومات حول سد النهضة

وكان رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، قد دعا نظيريه المصري والإثيوبي في 14 أبريل إلى اجتماع قمة مغلق لمناقشة وتقييم المفاوضات وإمكانية الخروج بحلول بشأن النزاع المستمر بشأن سد النهضة. على أن تعقد خلال عشر أيام. إذ أكدت رئاسة الوزراء بالسوادن أن التوصل إلى اتفاق قبل بدء الملء الثاني وتشغيل السد أمرًا عاجلاً وملحًا.

دعوة رئيس الوزراء السوداني لعقد القمة الثلاثية على مستوى رؤساء الحكومات جاءت وفقًا للمبدأ العاشر في اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015 بشأن تسوية النزاعات والخلافات. وهو يقر رفع الأمر إلى رؤساء الحكومة في حال فشل الفنيين والقانونين في التوافق على أي من البنود.

وأكدت مصادر مطلعة أن دعوة رئيس الوزراء السودان لم تلق ترحيبًا من الجانب الإثيوبي. إذ تصر أديس أبابا على موقفها بالشروع في الملء الثاني للسد. وأيضًا الاكتفاء بالمقترح الخاص يتعلق بتبادل البيانات عبر مندوب لكل دولة. ذلك دون مناقشتها في أي من الإجراءات المتعلقة بكيفية وآلية ملء خزان السد.

مصر للتحرك الدبلوماسي والسودان لمقاضاة إثيوبيا

رغم حماسة الطرف السوداني في التحرك القانوني بمقاضاة إثيوبيا. إلا أن الموقف المصري لا يزال يراهن على قدرة التحركات الدبلوماسية من خلال الجولات والتنسيق مع دول القارة الأفريقية والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي. ذلك بدعم المصالح المصرية وممارسة مزيد من الضغوط على إثيوبيا. خاصة وأن أي تحركات قانونية لن تكون حلول ناجزة أمام الإصرار الإثيوبي بالبدء في الملء الثاني خلال يوليو المقبل. فضلاً عن تعقيدات الإجراءات القانونية.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري أجرى اتصالاً هاتفيًا قبل أسبوعين بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. إذ أبلغه بالموقف المصري تجاه الملء الثاني وتأثيره على استقرار وأمن المنطقة. فضلاً عن توجيه خطاب مصري إلى سكرتير عام الأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن، ورئيس الجمعية العامة لشرح الأبعاد الكاملة لملف سد النهضة.

ويرى مراقبون أن توجه مصر بخطاب رسمي لمجلس الأمن كان بمثابة تحرك قانوني ودبلوماسي يظهر مدى تمسك القاهرة بالحلول السلمية لتسوية النزاع وإشراك المجتمع الدولية للوقوف أمام الانتهاكات القانونية لإثيوبيا. على اعتبار أن الملء الأحادي للسد هو عمل عدائي ضد المصالح المصرية والسودانية.