يختتم الأقباط اليوم الأربعاء صلوات البصخة المقدسة التي بدأت الاثنين ضمن طقوس أسبوع الآلام بالكنائس المصرية التي تحتفل وفقا للتقويم الشرقي. وفي أيام البصخة المقدسة التي تنتهي اليوم بأربعاء أيوب تتوقف صلوات القداس التى استمرت طوال الصوم الكبير. وذلك منذ مساء أحد السعف حتى صباح خميس العهد.
كلمة “بصخة” يونانية وهى نفس مفردة “فصح” العبرية “بيسح Pesah” ومعناها “الاجتياز” أو “العبور”، وتطلق على فترة أسبوع الآلام. وقد نُقِلَت بلفظها تقريباً أو بمعناها إلى معظم اللغات، فهى فى القبطية واليونانية “بصخة Pascha”، وفى العربية “فصح”، وفى الإنجليزية “Pass-over”. وذلك وفقا لموقع القديس تكلا هيومنت وهو موسوعة متخصصة في الدراسات المسيحية.
أما كلمة العبور أو الاجتياز التي تطلق على البصخة المقدسة فهي ذكرى عبور موسى البحر الأحمر وخروجه من أرض مصر، التي يرويها سفر الخروج في العهد القديم.
الرواية التوراتية عن خروج موسى
يعتبر سفر الخروج أحد أهم أسفار الكتاب المقدس، بل تعتبر تيمة الخروج من الأفكار المركزية في العهد القديم الذي يروي حكاية اليهود في أرض مصر. وتبدأ الرواية التوراتية من سفر التكوين بقصة يوسف الشاب العبراني الذي يتربى في مصر حتى يصبح وزيرًا لحاكمها. ومن هنا يعيش العبرانيون في مصر ويتمتعون بنفوذ كبير حتى يأتي أحد الفراعنة في سفر الخروج ويقرر استعباد اليهود. وهنا تبدأ مرحلة جديدة من اختبارات الله لشعبه المختار.
في سفر الخروج، يظهر موسى الطفل العبراني الذى يتربى في قصر الفرعون ثم يكلم الله لينقذ به شعب إسرائيل ويخرجهم من مصر. وطوال أحداث السفر يصبح موسى الشخصية الأكثر مركزية فهو الذي يتلقى الوصايا العشرة على الجبل ويضع الشرائع اليهودية. وتأتي لحظة يطلب فيها من فرعون الخروج من مصر وتحرير العبرانيين فيرفض وبعدها تبدأ الضربات العشرة التي يبتلى بها المصريون. لذلك سمح فرعون لهم بالخروج حيث تبدأ رحلة أخرى من التيه في الصحاري قبل الوصول إلى أرض الميعاد في كنعان.
هل عبَر موسى البحر الأحمر حقا؟
على الرغم من اهتمام المصريين البالغ بتسجيل تاريخهم وتراثهم على جدران المعابد الفرعونية أو في أوراق البردي. إلا أن قصة الخروج تلك لم ترد في أي مرجع مصري. ويعني ذلك أنه ليس هناك أي دليل أثري أو أريكولوجي على حدوثها. وهو ما يشير إليه فرانكشتين في كتابه الشهير التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها.
التفسير العربي المعاصر للكتاب المقدس.. لمن يجرؤ فقط
في إصدار جديد على المكتبة العربية تقدمه الهيئة القبطية الإنجيلية، صدر كتاب التفسير العربي المعاصر للكتاب المقدس. هذا الكتاب حرره القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر على رأس نخبة من أساتذة اللاهوت والمفكرين المسيحيين في مصر والعالم العربي.
يقدم التفسير المعاصر رؤية حداثية لتفاسير الكتاب المقدس فهو لا يكتفي بالتفسير الحرفي فقط للنص أو تفسيره الأدبي. بل يذهب إلى تاريخ كتابة كل سفر من أسفار الكتاب المقدس ويذهب إلى تقديم المعاني الدلالية للألفاظ والكلمات الواردة في السفر. ويحاول الغوص في معانيها اللاهوتية بالتوازي مع تقديم رؤية تاريخية حداثية قد تنفي تمامًا وقوع الأحداث الواردة في السفر واقعيًا، وهي رؤية ليبرالية اعتادت الأكاديميا الغربية تقديمها وللمرة الأولى يتم تقديمها للقارئ العربي وعبر كنيسة عربية.
انقسام المؤرخين
ففي محاولة لفض الالتباس التوراتي حول حادثة سفر الخروج، يعود التفسير المعاصر للكتاب المقدس إلى لحظة كتابة السفر، والتي انقسم فيها المؤرخون إلى قسمين. الأول الاتجاه المحافظ الذى يؤمن بأن موسى هو كاتب الأسفار الخمسة، أما الاتجاه الليبرالي فيرى أن سفر الخروج تمت كتابته ما بين القرن السادس والسابع قبل الميلاد في زمن السبي البابلي، حيث شكّل السفر لحظة أمل لشعب الله الذي كان يرغب في العودة إلى بلاده مثلما أنقذ الله العبرانيين من فرعون.
ويشير التفسير العربي للكتاب المقدس إلى نظرية المصادر الأربعة، وهي نظرية ذائعة الصيت في تاريخ الكتاب المقدس. حيث تفترض أن التوراة وصلت لصورتها النهائية في فترة ما بعد السبي البابلي وتشكلت من أربعة مصادر مختلفة. فالمصدر اليهوي جاء من المملكة الجنوبية من القرن العاشر قبل الميلاد، بينما جاء المصدر الالوهيمي من المملكة الشمالية، أما المصدر التثنوي فقد أتى من القرن السابع، وأخيرًا المصدر الكهنوتي الذى جاء من فترة السبي وما بعد السبي.
الفرضيات السابقة تعني أن أحداث سفر الخروج شكلت حاجة لاهوتية وتاريخية ملحة لشعب إسرائيل في زمن كتابة السفر ولكن ذلك لا يعني أن أحداثه حقيقية بأي حال من الأحوال.
أربعاء أيوب.. احتفالات مصرية بالعشب الأخضر وأكل الفريك
بعيدًا عن الفرضيات التاريخية والأكاديمية، فإن المصريين اعتادوا صبغ الاحتفالات الدينية بصبغة شعبية، فتسمى الكنيسة القبطية اليوم بـ”أربعاء أيوب”، وتقرأ فيه سفر أيوب من الكتاب المقدس.
نُسب هذا اليوم إلى أيوب النبي. وهناك وجهتا نظر لتفسير هذا الارتباط، أولاهما دينية. إذ تقرأ في الصلوات الكنسية التي تقام مساء هذ اليوم “قصة أيوب البار” كما ذكرها “العهد القديم”. أما وجهة النظر الأخرى فتعتمد على الاعتقاد الشعبي السائد بأن أيوب اغتسل مدلكًا جسده بنبات أخضر يسمي “الرعرع” فشفي من أمراضه وكان ذلك يوم الأربعاء فنسب إليه، وفقا لما يطرحه القس داوود مكرم.
في “أربعاء أيوب” وضمن الطقوس الشعبية المصرية، اعتاد الفلاحون استقبال هذا اليوم بالاغتسال بالعشب الأخضر، وإن اختلفت طرق الاغتسال، أو تعددت أنواع العشب. فبعض الشباب يغتسل بالغطس فى النيل، وبعضهم يكتفى بغسل وجهه، ويديه ورجليه مستخدماً الأعشاب الخضراء التى تنمو على الشاطئ. وهناك من يرى ضرورة رشّ ماء الاغتسال داخل المنزل خاصة أمام الأبواب؛ مستخدمين فى ذلك فروع النبات الأخضر
يقول القس دكتور داوود مكرم إن تلك العادة ترجع إلى مشاركة أيوب فرحته بالشفاء بعد طول مرض أو كأنهم بهذا الاغتسال وبذاك العشب يطلبون الشفاء من أمراضهم واستكمال الصحة الجيدة كما حدث مع أيوب. كذلك فإن بعض الأسر تحتفل بطبخ الفريك وتعليق عروسة القمح التي تتزامن زراعتها مع هذا الموسم من كل عام.