تستيقظ من نومها بعد كوابيس مزعجة رأت فيها زوجها يصاب داخل محبسه بفيروس كورونا. تهرع إلى هاتفها. تتصل بمحاميه لبحث إمكانية تقديم طلب حصوله على اللقاح وهو في محبسه.
جيهان محمد، زوجة لأحد السجناء، ألقي القبض عليه قبل ما يقرب من عام و8 أشهر. دخل حلقة مفرغة من الحبس الاحتياطي كما تقول، بينما جُل ما تخشاه إصابته بالفيروس لأنه “في مكان غير مؤهل للوقاية”. إذ يبلغ عدد الأشخاص الموجودين معه في الزنزانة 11 شخصًا.
الزوجة سجلت لزوجها عبر موقع وزارة الصحة والسكان لتلقي اللقاح. وبالفعل وصلت لها رسالة بموعد حصوله على اللقاح، فاتصلت بمحاميه تخبره بالأمر. “الأمر صعب بل ويمكن أن يكون مستحيلاً”؛ كان هذا رد المحامي.
لـ 3 أيام متتالية -هي المهلة المحددة لتلقي الجرعة الأولى بعد رسالة الحصول على اللقاح- حاولت الزوجة التحدث مع مأمور السجن، الذي أكد لها أن الأمر لا علاقه له بالسجن، ولا يمكنه فعل أي شيء.
ما حدث مع جيهان تكرر مع أسرة عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية. والذي سجلت له أسرته للحصول على اللقاح. وبالفعل حُدد له موعد. ثم تقدم محاميه بطلب للنيابة كي يُسمح له بالحصول على اللقاح إما من خلال الذهاب للمركز المخصص أو بتوفير اللقاح في مستشفى السجن. وهو الطلب الذي لم يرد عليه إلى الآن.
لقاح كورونا وحق السجناء في الرعاية الصحية
أحمد أبو العلا ماضي محامي أبو الفتوح، قال لـ”مصر 360″، إنه لا يوجد نص صريح حول حقوق السجناء في أوقات الأوبئة أو الكوارث. ولكن النص العام يسمح لجميع السجناء بالحصول على رعاية صحية. خاصة وأن المحبوس الاحتياطي لم يدان في أي تهمة. وبالتالي وضعه من المفروض أن يختلف حتى في المعاملة مع المحكوم عليه بقضية.
“لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.. المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
وأضاف ماضي أنه لم يحصل على رد بشأن الطلب الذي تقدم به للنائب العام. وأن رئيس فريق التحقيق في النيابة رفض قبول طلب ثان في القضية بعد الإطلاع عليه. بينما أخبر الأسرة والمحامي بأن الطلب لا علاقة له بالنيابة ويمكن تقديمه في السجن. ذلك على الرغم من أن أبوالفتوح محبوس احتياطيًا والقرارات المتصلة به تصدر من النيابة.
السجناء خارج ترتيب أولويات تلقى لقاح كورونا
تنشر وزارة الصحة بيانات توعوية مستمرة عن الوباء وأعداد الإصابات اليومية بالفيروس وكذلك الحصول على اللقاح. لكن لم يتطرق أحد تلك البيانات عن أوضاع المحبوسين أو متى سيتوفر لهم اللقاح للحصول عليه.
هنا، يرى نائب رئيس حزب التحالف الشعبي، إلهامي الميرغني، أن السجناء يجب أن يكون ترتيبهم رقم 3 في الحصول على اللقاح. ويسبقهم في ذلك الطاقم الطبي، وموظفو البنوك والبريد والهيئات التي تتعامل يوميًا مع عدد كبير من المواطنين. ثم السجناء، لأنهم من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بسبب أماكن الاحتجاز.
الميرغني سبق وأن تقدم برفع دعوى قضائية طالب فيها بإلزام وزارة الصحة بإتاحة تطعيمات لقاح فيروس كورونا المستجد بالمجان لجميع المصريين.
الحصول على الرعاية الصحية معترف به دوليًا كحق أساسي للسجناء من قبل الأمم المتحدة. وذلك في قاعدتها رقم 24 في معاملة السجناء. ووفقًا لذلك فإن الدول مسؤولة عن توفير الرعاية الصحية للسجناء. كما تقع على عاتقها مسؤولية ضمان صحة الأشخاص المحرومين من حريتهم.
في يناير الماضي، قالت منظمة العفو الدولية، إن مسؤولي السجون في مصر يعرِّضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواعٍ سياسية لظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية. ويحرمونهم عمدًا من الرعاية الصحية عقابًا على معارضتهم.
وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، أن مسؤولي السجون يبدون استخفافًا تامًا بأرواح وسلامة السجناء المكدَّسين في السجون المكتظَّة. وأيضًا يتجاهلون احتياجاتهم الصحية إلى حد كبير. حيث يلقون على عاتق أهالي السجناء أعباء إمدادهم بالأدوية والأطعمة والنقود اللازمة لشراء أساسيات مثل الصابون. ولا يكتفون بذلك بل يتسببون في معاناة إضافية لهؤلاء السجناء بحرمانهم من تلقي العلاج الطبي الكافي أو من نقلهم إلى المستشفيات في وقت مناسب.
كيف يرى المشرع المصري حق السجين في الرعاية الصحية؟
المادة (46) من لائحة تنظيم السجون، تنص على أنه عند قبول نزيل بالسجن يوضع تحت الاختبار الصحي مدة 10 أيام لا يختلط خلالها بالمسجونين الآخرين ولا يؤدي عملاً خلال هذه المدة. وقد ألزمت إدارة السجن بإجراء الفحوص والتحاليل الطبية اللازمة له خلال تلك المدة للوقوف على حالته الصحية.
“بعد انتقادات واسعة لإسرائيل لعدم إرسال لقاح لكورونا للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وافقت السلطات الإسرائيلية على دخول أول دفعة من اللقاح الروسي إلى الأراضي الفلسطينية، فيما أعلنت شرطة دبي، بدء تلقي نزلاء ونزيلات المؤسسات العقابية والإصلاحية، جرعات اللقاح، كما تعتزم الكويت حصر أعداد السجناء وإرسال كشوفات بأسمائهم لوزارة الصحة، لبدء تلقيهم اللقاح”.. “دويتشه فيله” الألمانية
ونظمت المواد (47) و (48) و (49) إجراءات التعامل مع الأمراض المعدية. فنصت على أنه يجب على مأمور السجن إخطار الإدارة الطبية بمصلحة السجون ومفتش صحة الجهة عند إصابة سجين بمرض مُعدي أو الاشتباه. وذلك لاتخاذ كافة الإجراءات الصحية الوقائية والعلاجية الكفيلة بالحفاظ على حياته وأقرانه من المسجونين. على أن تطهر الغرف التي حصلت بها إصابة بمرض معدي. وكذلك عزل النزلاء المصابين بأمراض معدية عن باقي النزلاء بأماكن منفصلة. ويعاملون معاملة خاصة من حيث الغذاء والنوم والرعاية الصحية وتخصص لهم الأواني والمفروشات اللازمة لإعاشتهم بعيدًا عن المخصصة لباقي النزلاء. وعلى طبيب السجن التحقق من ذلك باستمرار.
قدرية عوض، زوجة أحد السجناء المحكوم عليهم بالسجن 10 سنوات، قضى منها 6. قالت إن زوجها عاني مرتين متتاليتين من أعراض مشابهة لإصابته بفيروس كورونا. ولم يتم نقله من الغرفة المتواجد بها، ومعه 7 أفراد آخرين. وعند طلبه لنقله لعزل حتى لا يصيب زملائه بالعدوى، قوبل طلبه بالرفض.
حاول محامي قدرية التقدم بطلب في مصلحة السجون لحصول زوجها على اللقاح، ولم يحصل على رد. كما تواصلت هي مع الخط الساخن لشكاوى مجلس الوزراء لطلب منحه الحصول على اللقاح، ولم يتم بحث شكوتها التي تقدمت بها منذ أكثر من شهر.
“السجناء من حقهم الحياة، فثمن ما قاموا به من جرائم يدفع عند سجنهم، ولكن الحفاظ على حياتهم من الأمراض والأوبئة لا علاقة له بالسجن، يجب حمايتهم من قبل الدولة التي تحمي غيرهم خارج السجون، لأن العدوى لا تفرق بين سجين وحر، والوباء لن ينتهي إلا عند حصول الجميع على اللقاح”؛ تقول قدرية.