على مدار الأيام القليلة الماضية شهد ملف السجناء في مصر، وخاصة المحبوسين احتياطيًا، انفراجة بإخلاءات سبيل شملت مجموعة من الصحفيين والسياسيين. قبل أن يحل شهر رمضان وتتسع الدائرة فتضم 4360 نزيلاً بالسجون. وسط توقعات بقرارات عفو أخرى تحرر مئات المحتجزين بمن فيهم المحتجزين احتياطيًا، في إشارة إلى تحسن قد يطرأ أخيرًا على هذا الملف الذي تواجه مصر فيه انتقادات عدة.

العفو الرئاسي.. صلاحية تُمكن الرئيس من تحسين الوضع

وفق المادة 155 من دستور 2014، فإن “لرئيس الجمهورية إصدار قرار بالعفو الرئاسي عن المسجونين أو تخفيف عقوبتهم، ولا يتم العفو الشامل إلا بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب”.

وبناءً على ذلك، يشمل العفو الرئاسي نوعين من القرارات: العفو الشامل والعفو عن العقوبة. بينما هناك جرائم تخرج من دائرة العفو الرئاسي لخطورة المحكوم عليه الإجرامية. ومنها جرائم الإرهاب والتخابر وتجارة المخدرات والسلاح والاعتداء على المال العام والدعارة والزنا.

لجنة العفو الرئاسية ومهامها

كان الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه بشكيل لجنة العفو الرئاسى في مؤتمر الشباب الأول بشرم الشيخ أكتوبر 2016. وتم تشكيلها من 5 أعضاء، هم الدكتور أسامة الغزالى حرب، ونشوى الحوفى، ومحمد عبدالعزيز، والنائب طارق الخولى، وكريم السقا.

وهذه اللجنة استشارية لا تملك أي سلطة. ومهمتها بحث حالات الشباب، الذين لم يتورطوا فى عنفٍ أو ترويع مواطنين أو تخريب مؤسسات. إلى جانب من سبق إدانتهم بجرائم تندرج تحت مسمى ارتكاب جناية يعاقب عليها القانون أيًا كانت دوافعها، ويمكن أن يخرج أصحابها بالعفو الرئاسي، الذي يتزامن مع شهر رمضان، والأعياد الدينية والوطنية.

اقرأ أيضًا: خالد لطفي.. آمال العفو الرئاسي ومنشورات لا تصل خلف القضبان

السجناء الـ 4360 المفرج عنهم

في 22 أبريل الجاري، وافق وزير الداخلية اللواء محمود توفيق على الإفراج عن 1686 سجينًا؛ تنفيذًا لقرار رئيس الجمهورية رقم 155 لسنة 2021 بشأن الإفراج بالعفو عن العقوبة الأصلية أو ما تبقى منها. وقد عقد قطاع السجون عدة لجان لفحص ملفات نزلاء السجون على مستوى الجمهورية لتحديد مستحقي الإفراج، وانتهت أعمال اللجان إلى الإفراج عن 1686 نزيلاً.

كما أعلنت وزارة الداخلية، الإثنين، عن الإفراج بالعفو الشرطي عن 2674 من نزلاء السجون، بمناسبة عيد تحرير سيناء.

ووفق بيان الداخلية، فإن قرار العفو جاء استمرارًا لتطبيق الأطر السياسة العقابية بمفهومها الحديث. وبغرض توفير أوجه الرعاية المختلفة لنزلاء السجون. وكذا تفعيل الدور التنفيذي لأساليب الإفراج عن المحكوم عليهم ممن تم تأهيلهم للانخراط في المجتمع.

إخلاءات السبيل السابقة

خلال الفترة الماضية ومع تصاعد لهجة المطالبة بالإفراج عن أصحاب الرأي، بدأت السطات المصرية إخلاء سبيل عدد من المحبوسين احتياطيًا. حيث تم الإفراج عن الصحفية سولافة مجدي وزوجها الصحفي حسام الصياد. ذلك بعد حبسهما عامًا ونصف العام تقريبًا. على خلفية التظاهرات التي دعا إليها المقاول المصري محمد علي.

وسبق ذلك إخلاء سبيل الصحفي البارز ورئيس حزب الدستور السابق خالد داوود. بعد قرار النيابة بإخلاء سبيله. وذلك على ذمة القضية المتهم فيها بـ”مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها عن طريق بث ونشر أخبار كاذبة”. وتحمل رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.

ولم تكن تلك الإخلاءات الوحيدة. إذ تم إطلاق سراح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حازم حسني. عندما أخلت نيابة أمن الدولة العليا سبيله في القضية  855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا. وذلك بتدابير احترازية.

وقبل هذه الإخلاءات أيضًا، أٌفرج عن الصحفي مصطفى صقر مؤسس شركة بيزنس نيوز. والذي واجه اتهامًات بنشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل والانتماء لجماعة إرهابية.

وفي مارس قررت نيابة أمن الدولة إخلاء سبيل الصحفي إسلام الكلحي بتدابير احترازية. وذلك على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة.

وعود نقيب الصحفيين بالتوسط لإخلاء سبيل المحبوسين

بعد 3 سنوات ونصف السنة من الحبس، حصل الصحفيان سعيد إمام حشاد بموقع “فكرة بوست” وأحمد علي عبد العزيز على إخلاء سبيل. وكانا متهمين في القضية 1102 لسنة 2017 حصر أمن دولة عليا.

قرار إخلاء سبيلهما جاء بعد شهر ونصف تقريبًا من مطالبة محاميهما هاني عوض نقيب الصحفيين ضياء رشوان بطلب الإفراج عنهما. وكان نقيب الصحفيين تعهد بالتوسط لدى أجهزة الدولة للإفراج عن الصحفيين المحبوسين.

قال رشوان، عبر صفحته الشخصية على “فيسبوك”: “بمناسبة شهر رمصان الكريم ننتظر بكل أمل من النيابة العامة والجهات القضائية المختصة، وكل الجهات المعنية، إخلاء سبيل زملاء صحفيين محبوسين احتياطيًا، ليقضوا الشهر المبارك مع أسرهم وأحبائهم، الشكر الجزيل لكل استجابة كريمة”. وبعدها أعلن إخلاء سبيل الزميلين حسام الصياد وسولافة مجدي.

وفي 12 أبريل الجاري، أوضح نقيب الصحفيين خطته لملف الحريات. فقال: “سأحافظ على منهجي كما هو، والذي يهدف إلى إخلاء سبيل الزملاء المحبوسين احتياطيًا وعددهم 11 صحفيًا بأي شروط وتوفير كل الدعم لهم ولأسرهم إلى أن يخرجوا بسلام”.

اقرأ أيضًا: 15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة

74 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن سنطاوي

قبل نحو أسبوعين، أطلقت منظمة العفو الدولية ضمن 74 منظمة حقوقية -غير حكومية- دعوة للسلطات المصرية بالإفراج الفوري ودون قيد أو شرط، عن الباحث البالغ من العمر 29 عامًا أحمد سمير سنطاوي. والمحبوس منذ 1 فبراير 2021.

ودعت المنظمات الموقعة على الدعوى السلطات إلى ضمان إجراء تحقيقات سريعة ومستقلة وشفافة، في مزاعم أحمد سمير سنطاوي. بشأن تعرّضه للاختفاء والمعاملة السيئة عقب إلقاء القبض عليه -وفق المنظمات.

وترى المنظمات الـ74 الموقعة ومن بينها “العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، جمعية علماء في خطر، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان”. أن سنطاوي ما هو إلا باحث وطالب ماجستير في الأنثروبولوجيا -علم الإنسان- في جامعة أوروبا الوسطى بفيينا. ويرتبط عمله الأكاديمي على حقوق المرأة. بما في ذلك تاريخ الحقوق الإنجابية في مصر.

حرية دومة حقه

كذلك، خرجت دعوات للمطالبة بالإفراج عن الناشط السياسي أحمد دومة بعد قضائه نصف المدة. ودون سياسيون وحقوقيون ونشطاء تحت هاشتاج “حرية دومة حقه”، عشرات من التدوينات، بداية من 6 مارس يطالبون بالإفراج عنه.

وأكمل دومة 7 سنوات ونصف في محبسه. وهي نصف مدة العقوبة المقررة ضده بحبسه 15 عامًا في قضية “أحداث مجلس الوزراء” التي تعود وقائعها لشهر ديسمبر 2011.

من هم مستحقو العفو؟

يستند العفو الرئاسي إلى لائحة السجون. وهو أمر معمول به في كل أنظمة العالم، عندما يكون المتهم حسن السير والسلوك. وبشرط ألا يرتكب جريمة أثناء وجوده في السجن. وكما يوضح المحامي بالنقض والدستورية العليا طارق نجيدة فإن هناك شروطًا عدة يشترط توافرها في المحكوم عليه لينطبق عليه قرار العفو.

وتشمل هذه الشروط أن يكون سلوكه أثناء تنفيذ العقوبة داعيًا إلى الثقة في تقويم نفسه. وألا يكون في العفو عنه خطر على الأمن العام. كما يعرض أمر المحكوم عليهم بالتزامات مالية على النيابة المختصة عقب الإفراج عنهم لتتخذ شؤونها نحوه.

ويُحدد مستحقو العفو الرئاسي من خلال لجنة عليا تُشكل من الجهات الأمنية المعنية. وذلك برئاسة مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون للنظر فيمن يستحق العفو. بينما لا يُدرج بقوائم العفو من صدرت بحقهم عقوبات بالسجن في قضايا إرهاب أو تجسس بمن فيهم المنتمين للجماعات المُدرجة إرهابية، كما يوضح نجيدة.

ويصدر العفو بحق المتهمين الذين قضوا نصف المدة على الأقل. وينطبق عليهم شروط الإفراج. وإذا لم ينص قرار العفو عن العقوبة على إسقاط العقوبات التبعية للأحكام، مثل العزل من الوظيفة أو وضع المحكوم عليه تحت المراقبة الشرطية.

والعفو عن العقوبة سواء كانت بإسقاط عقوبة الإعدام أو السجن أو الحبس أو بتخفيضها لا يشمل تلك العقوبات التبعية ولا يزيل آثارها ما لم يذكر ذلك صراحة في قرار العفو.

مبادرات لإنهاء الحبس الاحتياطي

ومع اتجاه المحاكم وجهات التحقيق للتوسع في استبدال الحبس الاحتياطي بالتدابير الاحترازية. سواء بالمراقبة الشرطية أو منع المتهمين من مغادرة منازلهم، مثلما حدث في حالة الأكاديمي حازم حسني وغيره من المحبوسين احتياطيًا. تقدمت النائبة سميرة الجزار، عضوة لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، باقتراح للتخفيف من مشكلة اكتظاظ السجون وإنهاء أزمة عقوبة الحبس الاحتياطي، وقد اقترحت تركيب سوار إلكتروني في قدم تلك الفئات. وهو اقتراح متداول عالميًا وعربيًا. لكنه غير متداول في الحالة المصرية.

وقد اقترحت النائبة أيضًا -في سبيل تحقيق ذلك- تعديل نصوص القانون المدني والجنائي. منها إضافة نص لاستخدام المراقبة الإلكترونية لنصوص قانون العقوبات مع عقوبة السجن التي لا تتجاوز السنة الواحدة. مع ترك الحرية للقاضي بالحكم بين العقوبتين. واستخدام السوار الإلكتروني للمحبوسين أثناء المرحلة الأخيرة لعقوبة سجن طويلة. فضلاً عن توسيع قاعدة الإفراج الصحي لكبار السن واستبدالها بخدمة عامة تناسب المحكوم عليه وإمكاناته وخبراته. مع إضافة نص لاستخدام السوار الإلكتروني والمراقبة الإلكترونية للمادة الأولى في قانون تنظيم مراقبة البوليس رقم 181 لسنة 2020 للمحكوم عليهم بأحكام رقابة.

كذلك، قدم مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) 15 توصية لإنهاء أزمة الحبس الاحتياطي في مصر. وتضمنت التوصيات وقف الحبس الاحتياطي المطول الذي تلجأ إليه النيابة العامة والمحاكم . بالإضافة للالتزام بالتعديلات الواردة بموجب القانون 143 لسنة 2006. وكذلك اقتصار حق استخدام الحبس الاحتياطي من قبل النيابة العامة على درجة معينة من أعضائها. وأيضًا إلزام النيابة العامة أو المحاكم بتسبيب أوامرها القضائية بالحبس الاحتياطي.

وأيضًا، ضرورة إعادة النظر في المنظومة القانونية بشكل عام. خاصة في نصوص المواد العقابية ذات العلاقة بممارسة حرية الرأي والتعبير بشكل عام. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص.

للاطلاع على توصيات دام لإنهاء الحبس الاحتياطي.. اضغط هنا