خلال أسبوع واحد تم اغتيال رئيس إفريقي في تشاد، بعد يوم من إعادة انتخابه للمرة السادسة. كما تمردت فرقة عسكرية في الجيش الصومالي على الرئيس عبدلله فرماجو، الذي جرى تمديد رئاسته لمدة عامين دون سند من شرعية سياسية.

في البلدين نشهد أزمة محتدمة تتدخل فيها أطراف إقليمية ودولية. ولكن الأثر المباشر للصراع على السلطة في إفريقيا الناتج عن تمترس ديكتاتوريات هو حالة من السيولة السياسية واقتتال مسلح، كما الحالة في تشاد وشوارع مقديشيو.

فما هي قصة السلطة في إفريقيا ولماذا تحولت إلى أزمة تطلبت قرارات وإجراءات من جانب الاتحاد الإفريقي، ولماذا تحول الغرب الديمقراطي خصوصًا فرنسا لدعم للديكتاتوريات الإفريقية، في مفارقة مشهودة تجعل مصداقية الخطاب الغربي في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان محلاً لشكوك عميقة في دول عالمنا الثالث التي تتوق لهذه القيم وتكابد من أجلها، ولكنها في الأخير لن تجد إلا سواعدها الداخلية للتطوير السياسي السلمي، وإلا تكون قد وقعت في شرك الأوهام وربما مأزق العمالة للخارج.

ترتبط قصة السلطة في إفريقيا بمسألة التحرر الوطني من الاستعمار الغربي
ترتبط قصة السلطة في إفريقيا بمسألة التحرر الوطني من الاستعمار الغربي

على أية حال ترتبط قصة السلطة في إفريقيا بمسألة التحرر الوطني من الاستعمار الغربي التي أنجزتها النخب العسكرية في غالبية الدول الإفريقية بدعم شعبي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وقد خلقت هذه الحالة مشروعية سياسية لهذه النخب، التي توحدت مع السلطة وأنتجت نظمًا سلطوية ممتدة في غالب الأحيان.

ونظرًا لحالة الانقسامات الإفريقية على أسس عرقية، وثقافية ودينية أيضًا، كان من الضروري لضمان الاستمرار في السلطة الاعتماد على العرق أو القبيلة، وربما الأسرة لتأمينها. من هنا كان نمط الانقلابات العسكرية هو النمط المعمول به إفريقيًا لتغيير السلطة، والحصول عليها وهي الانقلابات التي شهدت في بعض الأحيان صراعات مسلحة وامتدت حتي بدايات الألفية الثالثة.

ومع الاتجاه نحو التدخل الدولي، لأسباب إنسانية، والذي برز مع إدارة كلينتون بدأ تيار ما يعرف بالمشروطيات الغربية، وهي الشروط التي يفرضها الغرب لحصول الدول على مساعدات اقتصادية، وأهم هذه الشروط هي  سياسيات الإصلاح الاقتصادي الهيكلي، والتداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات.

من هنا تحرك الاتحاد الإفريقي في قمة لومي عام ٢٠٠٢، وأصدر قرارات من شأنها عدم الاعتراف بأي انقلاب عسكري بإفريقيا وتوقيع عقوبات إقليمية ودولية عليه في حالة عدم قيامه بتهيئة البيئة السياسية لانتخابات دستورية بعد فترة انتقال لابد أن تكون قصيرة.

وبالفعل نجحت قرارات الاتحاد الإفريقي في الحد من ظاهرة الانقلابات العسكرية، وبرز بديلاً منها أنماطًا لتغيير للسلطة على نحو ديمقراطي صحيح، ولعل بعض دول غرب إفريقيا قدمت نموذجًا لهذه الممارسة الإيجابية مثل غانا على سبيل المثال وتبرز في الجنوب الإفريقي دولة جنوب إفريقيا.

الرؤساء المتمسكين بالسلطة الممتدة بامتداد حيواتهم ذاتها اعتمدوا في ذلك على نسج علاقات زبائنية مع الغرب
الرؤساء المتمسكين بالسلطة الممتدة بامتداد حيواتهم ذاتها اعتمدوا في ذلك على نسج علاقات زبائنية مع الغرب

في المقابل، برزت نماذج من الرؤساء المتمسكين بالسلطة الممتدة بامتداد حيواتهم ذاتها، واعتمدوا في ذلك على نسج علاقات زبائنية مع الغرب لقبول هذا النمط من التمسك بالسلطة، حيث تباينت أدوات الاستمرار في السلطة بالفترة الأخيرة في إفريقيا بين تدشين تغييرات دستورية تتيح امتداد فترات الحكم أو عمل انتخابات شكلية تقاطعها المعارضة غالبًا، يكون التغيير فيها من داخل النخبة الحاكمة كالحالة في النيجر التي نصبّت وزير الداخلية محمد بازوم رئيسًا للبلاد مؤخرًا  بعد عمله لفترة طويلة خلال حكم الرئيس المنتهية ولايته محمدو إيسوفو رئيسًا للبلاد.

ويمكن القول إن أشهر نماذج التمسك بالسلطة في منطقة الساحل الإفريقي هو الرئيس التشادي إدريس ديبي الذي بدأ حكمه عام ١٩٩٠، حيث تم وضع دستور للبلاد عام 1996, وخضع هذا الدستور للتعديل في 2005 و2013.

وفي مارس 2018 عقد المنتدى الوطني الشامل الأول في العاصمة أنجمينا؛ وذلك بهدف العمل على إحداث إصلاح سياسيّ وإداريّ, وشارك في المنتدى نحو 800 شخص، رغم مقاطعة بعض تيارات المعارضة المؤثرة التي قالت: إن هدف المنتدى التمديد لنظام الرئيس ديبي، ولعل هذا الاحتقان السياسي هو السبب الرئيسي وراء اغتيال ديبي من جانب ميليشيات معارضة مؤخرا في معارك بين الطرفين كانت خارج العاصمة خلال الأسبوع الماضي، وحاليا أصبحت على أطراف أنجمينا، وقد اعتمد ديبي في علاقته مع فرنسا على دوره في محاربة الإرهاب وقيادته العسكرية لتحالف(G5)، وهو التحالف الذي يمول جزئيًا من دول الخليج، ومكون من فرنسا وخمس دول إفريقية.

وساندت فرنسا ابن الرئيس إدريس ديبي محمد ليكون رئيسًا للمجلس العسكري في تشاد الذي يقود حاليا الفترة الانتقالية لعام ونصف العام، وهي فترة طويلة نسبيًا مقارنة بالفترات المماثلة في موريتانيا مثلا أو زيمبابوي والتي لم تتجاوز ٥ أشهر.

ماكرون ساند ابن الرئيس إدريس ديبي محمد ليكون رئيسًا للمجلس العسكري في تشاد الذي يقود حاليا الفترة الانتقالية
ماكرون ساند ابن الرئيس إدريس ديبي محمد ليكون رئيسًا للمجلس العسكري في تشاد الذي يقود حاليا الفترة الانتقالية

في هذا السياق يبدو أن الإفصاح عن الممارسة السلطوية والديكتاريوية، لم يعد مثارًا لأي نوع من المراجعات الدولية، أو حتى الانتباه خصوصا من فرنسا التي ينتشر في مناطق نفوذها الإفريقي حالات التدليس السياسي والتحايل للبقاء في السلطة، فها هو الحسن وتارا (78 عامًا) حاكم ساحل العاج يصرح في أغسطس ٢٠٢٠ أنه سيسعى لولاية ثالثة، وبالفعل حصل عليها وفي نفس التوقيت تقريبا. وطلب الحزب الحاكم في غينيا من الرئيس ألفا كوندي (82 عامًا) الترشُّح للمرة الثالثة وهو ما تم أيضا دون أي اعتراض من فرنسا بلد الحريات والديمقراطية.

ويمكن القول إن إفريقيا بظاهرتين تنتمي إلى عوالم التخلف السياسي، وهما أن غالبية الرؤساء المعمرين حول العالم هم من إفريقيا، ذلك أنَّ سبعة من الرؤساء العشرة الأطول بقاءً في السلطة على هذا الكوكب هم أفارقة، ومن بين هؤلاء الكاميروني بول بيا، الذي حكم البلاد منذ عام 1982، وتيودورو أوبيانغ نغويما مباسوغو الذي تربَّع على رأس غينيا الاستوائية منذ عام 1979.

سبعة من الرؤساء العشرة الأطول بقاءً في السلطة هم أفارقة
سبعة من الرؤساء العشرة الأطول بقاءً في السلطة هم أفارقة

أما الظاهرة الثانية فهي أن هناك خمس دول في إفريقيا ما زال لديها لديها نظام رئاسي غير مقيَّد المدة مثل إريتريا والصومال والكاميرون وجنوب السودان وجيبوتي. في هذا السياق فقد مارست بعض الدول الإفريقية حذفًا لتحديد المدد الرئاسية في دساتيرها، ولكنها تراجعت عن ذلك تحت الضغوط مثل أوغندا التي أعاد برلمانها تحديد عدد الفترات الرئاسية في عام 2017، ومع ذلك، فإن يويري موسيفيني، الذي كان في السلطة منذ 34 عامًا يمكن أن يُعيد ترشيح نفسه.

وعلى الرغم من أن توجو قد قيدت بدورها فترات الحكم الرئاسية في عام 2019 إلا أن الرئيس المنتهية ولايته، غناسينغبي، والذي على رأس البلاد منذ عام 2005 سيكون بمقدوره الترشُّح في الانتخابات المقبلة كما يمكنه البقاء في السلطة حتى عام 2030.

وبطبيعة الحال يفرز تأبيد السلطة والتمديد الرئاسي عددا من السمات الأساسية للدول الإفريقية خصوصا تحت مظلة انقساماتها العرقية، وهي عدم الاستقرار وغياب الحريات بكافة أنواعها، فضلاً عن انتشار الوراثة والفساد وتراجع مستويات التنمية بمفاهيمها المتضمنة التنمية البشرية وبشكل أساسي عدم الإستقرار السياسي.

وبالتطبيق على أحدث حالات الصراع على السلطة في إفريقيا وهما الصومال وتشاد، فإن غياب التداول السلمي للسلطة لابد أن يكون مؤثرًا ليس فقط على الاستقرار السياسي ولكن أيضًا على الأمن الإقليمي في منطقتي القرن الإفريقي في شرق القارة الإفريقية ومنطقة الساحل في غرب إفريقيا، ولعل أهم نتائجه المباشرة هي تقوية تنظيم الشباب في الصومال، بما قد يشكله ذلك من مخاطر على البحر الأحمر، بينما معركة G5 مع الإرهاب خصوصا مع تنظيم بوكو حرام سوف تتأثر سلبيا، إذ إن الاعتماد على الشخص وليس المنظومة لابد أن تكون له كل النتائج السلبية.