أعادت عملية إعدام 9 متهمين في قضية كرداسة قبل أيام، الحديث مرة أخرى عن ضرورة وقف عقوبة الإعدام. وسط إلى مطالبات بضرورة إيجاد آليات عقابية بديلة حال توافرت كافة أركان الجريمة.
وجرى تنفيذ أحكام الإعدام شنقًا في سجن وادي النطرون بحق 9 متهمين. هؤلاء من بين 20 متهمًا حكم عليهم بالإعدام في القضية رقم (12749 لسنة 2013 جنايات) والمعروفة إعلاميًا بـ”اقتحام قسم كرداسة”. وصدرت تلك الأحكام في يوليو 2017 عن إحدى دوائر الإرهاب بمحكمة جنايات الجيزة، ثم أيدتها محكمة النقض في سبتمبر 2018.
مصر الثالثة عالميًا في تنفيذ الإعدام
عقوبة الإعدام تنتهك أهم حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهو الحق في الحياة. وهي أقصى عقوبة بين العقوبات “القاسية واللاإنسانية والمهينة”، بحسب منظمة العفو الدولية.
في ذلك يقول فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية إن “إعدام تسعة أشخاص هو برهان مرعب على استخفاف السلطات المصرية بالحق في الحياة وبالواجبات المترتبة عليها بموجب القانون الدولي.
وكشفت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي حول عقوبة الإعدام الصادر الأسبوع الماضي أن عدد عمليات الإعدام المسجلة في مصر ازداد ثلاثة أضعاف في عام 2020. هذا الرقم جعلها في المرتبة الثالثة عالميا كأكثر الدول تنفيذاً لعقوبة الإعدام بعد الصين وإيران.
الإعدام في التشريعات المصرية
يقرر المشرع المصرى عقوبة الإعدام كجزاء لارتكاب مجموعة من الجرائم التي رأى فيها من الخطورة والجسامة ما يستأهل هذا الجزاء. ونص المشرع على عقوبة الإعدام فى قانون العقوبات العام، وبعض القوانين الجنائية، مثل قوانين مكافحة المخدرات، والأحكام العسكرية، والأسلحة والذخائر.
ونصت المادة 470 على أنه “متى صار الحكم بالإعدام نهائيًا، وجب رفع أوراق الدعوى فورًا إلى رئيس الجمهورية بواسطة وزير العدل. وينفذ الحكم إذا لم يصدر الأمر بالعفو أو بإبدال العقوبة خلال 14 يومًا”.
حُبِس النفس.. لا رجوع فيها
وتستند مناهضة عقوبة الإعدام إلى كون ذلك الحكم لا رجوع فيه ولا تدارك لأخطاء. لذلك ترى منظمة العفو الدولية أن عقوبة الإعدام تتسم بالتمييز، فغالبًا ما تطبق على الفئات الأضعف في المجتمع. وهي ترصد تنفيذها بحق الفقراء، وأبناء الأقليات العرقية والدينية، وذوي الإعاقات العقلية، معتبرة أن بعض الحكومات تستخدمها لإخراس معارضيها. وفي ذلك تقول: “حيثما كان نظام العدالة معيباً والمحاكمات الجائرة متفشية، يكون خطر إعدام أبرياء حاضراً باستمرار”.
هناك حوادث يحكم فيها بالإعدام، ويتبين لاحقا أن الإجراءات غير سليمة، والحكم غير صحيح.. لكن متى نفذت عقوبة الإعدام فقد انتهى الأمر
ومتى نفذت عقوبة الإعدام فقد انتهى الأمر. فالأخطاء التي ترتكب لا يمكن تداركها، وقد يفرج عن البريء الذي سجن لجريمة لم يرتكبها أما الإعدام فلا يمكن الرجوع فيه. وهذا هو المنطق الرئيس في معارضة عقوبة الإعدام.
الخبير القانوني محمد علوان، يقول إن هناك حوادث يحكم فيها بالإعدام، ويتبين لاحقا أن الإجراءات غير سليمة، والحكم غير صحيح. لذلك يشدد على ضرورة التأكد من التحقيقات والإجراءات لعدم إزهاق أرواح أبرياء. ويضيف علوان أن التعريفات والتشريعات الدولية تنص على أن عقوبة الإعدام تندرج تحت بند المعاملة اللاإنسانية والقاسية.
أحكام إعدام جماعية
وطالبت 6 منظمات حقوقية بوقف أحكام الإعدام الجماعية التي تصطبغ بشبهة الانتقام السياسي. كما تطالب بتأجيل تنفيذ أحكام الإعدام حاليًا خاصة في ضوء الزيادة الكبيرة بمعدل إصدار تلك الأحكام بصورة لم تشهد أي تباطؤ منذ الربع الثاني من عام 2017 وحتى الآن.
والمنظمات الستة هي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، والمفوضية المصرية للحقوق والحريا، والمركز الإقليمي للحقوق والحريات. بالإضافة إلى الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير.
اقرأ أيضًا:
السجن مدى الحياة بديل عقوبة الإعدام.. يكفى للردع؟
وتقول المنظمات إن انتهاكات عديدة لحقوق المتهمين قد وقعت أثناء نظر القضية، من ضمنها غياب محامين مع المتهمين أثناء التحقيقات. هذا بخلاف عدم تمكينهم من التواصل مع محاميهم، فضلاَ عما ذكره المتهمون من إجبارهم على الإدلاء بأقوال غير حقيقية.
وتقول المنظمات إن النيابة تستند إلى تحريات مجهولة المصدر في توجيه الاتهامات، وهو ما يمثل إخلالاً جسيماً بحق المحاكمة العادلة. لاسيما في القضايا المصحوبة بالحكم الأقصى في قانون العقوبات المصري والأكثر قسوة دون إمكانية الرجوع فيه أو تصحيحه.
وتذكر المنظمات المصرية بأن الوتيرة المتزايدة في تنفيذ أحكام الإعدام بالجملة لم تعد نمطاً مستجداً في مصر. وتستشهد على ذلك بشنق شهد شنق 17 شخصاً على الأقل خلال فترة زمنية قصيرة ما بين يوم 1 و19 مارس.
الإطار القانوني لمراحل إصدار أحكام الإعدام فى مصر
قبل أبريل 2017 كان حكم الإعدام يصدر أولًا عن محكمة الجنايات بعد استطلاع رأى مفتي الديار المصرية، وهو رأي استشاري. وعقب صدور الحكم من محكمة الجنايات تحال القضية لمحكمة النقض خلال 60 يوما.
وقتها تنظر محكمة النقض القضية من الناحية الإجرائية، وحال عدم توافر الإجراءات الصحيحة تقوم بإعادة القضية إلى دائرة جنايات مغايرة. وإذا أصدرت الدائرة الجديدة أيضًا حكمًا بالإعدام تحال القضية لمحكمة النقض. وقتها فإن محكمة النقض تتصدى للقضية كمحكمة موضوع ويكون حكمها نهائيًا، وعقب تصديق رئيس الجمهورية يكون الحكم واجب النفاذ.
أما بعد أبريل 2017، أصدر رئيس الجمهورية قرارًا رقم 11 لسنة 2017، بتغيير إجراءات الطعن. والذي بموجبه تنظر القضايا التي صدرت فيها حكم بالإعدام مرة واحدة أمام محكمة الجنايات عقب استطلاع رأى المفتى الاستشاري. ومن ثم تتصدى محكمة النقض للطعن على حكم الدرجة الأولى كمحكمة موضوع ويكون الحكم الصادر منها حكم واجب النفاذ بعد تصديق رئيس الجمهورية على الحكم.
دوائر الإرهاب والأحكام العسكرية
تجدر الإشارة إلى بدء العمل بدوائر الإرهاب في بدايات 2014، وهي التي جرى تشكيلها في ديسمبر 2013. وذلك وفقًا لقرار محكمة الاستئناف القاضي بتشكيل دوائر بعينها مكونة من قضاة بعينهم. وقد أصدرت هذه الدوائر أكبر عدد من أحكام الإعدام منذ إنشائها مقارنة بالمحاكم الأخرى فى الفترة نفسها.
أما أحكام الإعدام الصادرة من القضاء العسكري، فتصدر من محكمة الجنايات العسكرية. بعد ذلك تنظر القضية أمام المحكمة العليا للطعون العسكرية. وإذا أكدت المحكمة العليا للطعون العسكرية الحكم أو خففته يصبح واجب النفاذ عقب تصديق وزير الدفاع على الحكم.
محاكم أمن الدولة طوارئ
وهناك نوع ثالث من المحاكم تصدر أحكامًا بالإعدام وهي محاكم أمن الدولة طوارئ. وهذه المحاكم تم إعادة العمل بها وفقًا لقرار رئيس الوزراء فى ظل حالة الطوارئ المفروضة. ويكون الحكم الصادر من هذه المحكمة حكما غير قابل للنقض والاستئناف، فقط رئيس الجمهورية له صلاحية استبدال العقوبة. وهو ما يعتبر انتهاكا لضمانة أساسية للمحكوم عليهم بالإعدام أن يتوافر درجة أخرى للتقاضى قبل تنفيذ الحكم.
وصدر بالفعل أول حكم إعدام من هذه المحكمة فى القضية رقم 2278 جنايات أمن الدولة العليا طوارئ المعروفة إعلاميًا بـ”قضية الهجوم على كنيسة مارمينا بحلوان” والمحكوم فيها بالإعدام على متهمين، وهو حكم غير قابل للنقض.
مطالب بتأجيل التنفيذ لحين إجراء نقاش مجتمعي واسع حول العقوبة
ولذلك طالبت المنظمات الست الحكومة المصرية بضرورة تأجيل تنفيذ أحكام الإعدام بشكل مؤقت لحين إجراء نقاش مجتمعي واسع حول العقوبة. كما يطالبون بدراسات منهجية حول قدرتها على الردع ومنع تكرار الجرائم، والنظر في تقليل عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام.
وتطالب المنظمات بإعادة النظر في قانون الإجراءات الجنائية وسد الثغرات الموجودة به. وذلك من أجل إصلاح الثغرات التي تخل بحقوق المتهم وحق الدفاع ليصبح متسقًا مع نصوص الدستور المصري. بالإضافة إلى تنفيذ الالتزام الدستوري بتعديل تشريعي يسمح باستئناف أحكام الإعدام الصادرة عن دوائر الجنايات.
ضرورة تأجيل تنفيذ أحكام الإعدام بشكل مؤقت لحين إجراء نقاش مجتمعي واسع حول العقوبة ودراسة منهجية حول قدرتها على الردع ومنع تكرار الجرائم
كما طالبت البرلمان بإعادة النظر في قوانين العقوبات والإرهاب والأحكام العسكرية والمخدرات لتقليل عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام. بالإضافة إلى تقليل الجرائم التي تعاقب بالإعدام تناسبًا مع ما وافقت عليه مصر في الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان عام 2019.
الإعدام والتشريع الديني
ويرى علماء الدين الإسلامي إباحة عقوبة الإعدام في حالة القصاص، ولكن للضحية أو أسرته الحق في العفو. ولما كان لدار الأفتاء دور مهم في تصديق أحكام الأعدام، فقد طالبت المنظمات الحقوقية بإعادة إصدار تقارير دار الإفتاء السنوية. وذلك فيما يخص الآراء التي يبديها مفتي الجمهورية في قضايا الإعدام والتي توقفت في عام 2012. وتتضمن مراسلات الدار مع محاكم الجنايات المختلفة، وأعداد القضايا التي صدق مفتي الجمهورية على إعدام المتهمين فيها كخطوة أولية في الشفافية وتداول المعلومات عن العقوبة.
وفي 2018، أصدر الفاتيكان مرسومًا بإلغاء عقوبة الإعدام من التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية الخاص بعقوبة الإعدام. وتعد قرارات الفاتيكان ملزمة للكنائس الكاثوليكية التابعة لها، ومن بينها الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر.
بلدان ألغت عقوبة الإعدام
وزاد عدد البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام رسمياً من 48 في عام 1991 إلى 106 في عام 2017، بحسب منظمة العفو. وقالت المنظمة إن 8 دول لا تسمح بعقوبة الإعدام إلا للجرائم الخطيرة في ظروف استثنائية، خاصة في أوقات الحرب.
كما أن هناك 28 دولة لديها عقوبة الإعدام في القانون، ولكنها لم تنفذها بحق أي شخص لمدة 10 سنوات على الأقل. وتتبع تلك الدول سياسة رسمية بعدم تنفيذها أو عدم الالتزام بها. بجانب 65 دولة تحتفظ بقوانين عقوبة الإعدام وتنفذ عمليات إعدام، أو لم تصدر السلطات إعلاناً رسمياً يشير إلى التزامها بعدم تنفيذها.
لم تمنع أي دولة أخرى عقوبة الإعدام في 2019 للعام الثاني على التوالي. لكن منظمة العفو تقول إن 142 دولة إما أنها ألغت عقوبة الإعدام من قوانين البلاد أو من تطبيقها عملياً
وتضم الإحصاءات التي أصدرتها منظمة العفو الدولية أرقامًا عن خمس دول غير أعضاء في الأمم المتحدة. ولم تمنع أي دولة أخرى عقوبة الإعدام في 2019 للعام الثاني على التوالي. لكن منظمة العفو تقول إن 142 دولة إما أنها ألغت عقوبة الإعدام من قوانين البلاد أو من تطبيقها عملياً.
انخفاض معدل الجرائم
لم تتوصل البحوث والدراسات الحديثة إلى أدلة موثوقة على أن الإعدام أكثر فعالية من السجن كعقوبة رادعة للجريمة. وواقع الأمر أن أعداد الجرائم في البلدان التي حظرت عقوبة الإعدام لم ترتفع بعد الحظر، بل انخفضت فعلياً ببعض الحالات. ففي كندا كان معدل جرائم القتل في عام 2008 أقل من نصف معدل عام 1976 الذي حظرت فيه عقوبة الإعدام.
تعهد مصري بإلغاء الإعدام
يذكر أن مصر انضمت لبروتوكول العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الخاص بالغاء عقوبة الإعدام بموجب القرار الجمهوري رقم 536 لسنة 1981، والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 15. وأصدرت مصر إعلانا مرفق بالتصديق، متضمنًا أن التزامها سيكون بما لا يتعارض مع الشريعة الاسلامية.
ويشير للبروتوكول إلى أن الدول الأطراف، تؤمن بأن إلغاء عقوبة الإعدام يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان. إذ يشير إلى المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد في 10 ديسمبر 1948، والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعتمد في 16 ديسمبر 1966.
وتشير المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلي إلغاء عقوبة الإعدام بعبارات توحي بأن الإلغاء أمر مستصوب. كما تشير إلى الاقتناع بضرورة اعتبار جميع التدابير الرامية إلي الغاء عقوبة الإعدام تقدمًا في التمتع بالحق في الحياة. بالإضافة إلى كونه رغبة منها في أن تأخذ على عاتقها بموجب هذا البرتوكول التزامًا دوليًا بإلغاء عقوبة الإعدام.
ومن جانبه قال المحامي نجاد البرعي، مدير المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، إن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لم يلزم الدول بإلغاء عقوبة الإعدام، ولكنه وجه تلك الدول التي ترفض الإلغاء أو التعليق بتطبيق تلك العقوبة في أشد الجرائم.
عقوبات بديلة
وأيد البرعي التوجه برفض عقوبة الإعدام، مشيرًا إلى أن هذا الحكم قاسٍ، خاصة أن آلياته تحتاج إلى مراجعة. فخلال السنوات العشر الماضية أصبح هناك “استسهال” في تطبيق عقوبة الإعدام.
ومنذ وقت حكم الرئيس المخلوع مبارك لا توجد إرادة للإلغاء بل السير على النهج المجتمعي المؤيد للعقوبة، وفق البرعي.
وعن البدائل لتفادي أي عوار في تنفيذ تلك العقوبة. أشار البرعي إلى أن من حق المحكمة أن تحكم به وهو تخفيف الإعدام إلى السجن بمدى الحياة.
وأشارت توصيات الندوة الوطنية حول مراجعة وتحديث قانون العقوبات فى مصر، التي نظمتها المنظمة العربية والمجلس القومي لحقوق الانسان، الحاجة إلى تطبيق نظام للعقوبات البديلة، والنظر في طرق بديلة عن عقوبة الاعدام مثل نظام السعي لدى أولياء الدم حتى يمكن قبول الدية أو العفو والاكتفاء بعقوبة السجن.