في شجار امتدت أصوات المشاركات به إلى كل المكاتب في المبنى، قالت (أ) إن غريمتها أوشت بها، وأنها المرأة الأكثر شرًا في العالم، كانت الخناقة الأشهر في المؤسسة العلمية، والتي من المفترض أن يتصف من يعملون بها بحد أدني من اللياقة، لكن المعركة التي دارت كشفت أن الصورة المعتادة عن النساء لا تختلف اعتمادًا على التعليم ومكان العمل.

تخسر النساء كل يوم بسبب تصرفات البعض، ذلك أننا في مجتمع يعتمد المثل الشعبي “السيئة تعم” ومن ثم كانت السوقية والصوت العالي، والمعايرة بين الزميلتين والمفترض الصديقتين، هي وصمة عار لكل النساء العاملات في ذات المبني.

اقرأ أيضًا.. معًا ليس للأبد

هل نحن ضحايا حُسن النية؟

ليس هناك شخص يُشبه آخر سواء كان رجلًا أو امرأة، ومحاولات اعتماد وتعميم صورة واحدة لجماعة هي حالة من الظلم للأفراد، وبرغم كل ذلك وأن الاختلاف شريعة الكون، تبقى غالبية النساء مهووسات بالتفاصيل، طرفًا في الوصف، حكاءات بامتياز، صفات يتم تعميمها وفى ظاهرها مناطق تفرد وقوة، لكن هذا الإغراق في الحكي والتفاصيل قد يورطنا، يقول أحدهم أن مشكلة بعض النساء أنهن يصرحن بما يزيد عما هو مطلوب، فحين تسأل امرأة صديقتها لماذا تغيبتي عن العمل اليوم؟ كثيرات حين تُجبن هذا السؤال تسردن تفاصيل اليوم السابق، وقد تشير بعضهن لمشاكل مع الأسرة، أو مرض أو … التي تقول الإجابة تتحدث بسلاسة، قد تتعمد إخفاء أمور، وقد لا تُخفي، لكن كثير من الأريحية وحُسن النية هما طريق البوح لدى كثير من النساء، بينما تنساب المعلومات التي تورط البعض وربما تورط من تحكي.

غضب النساء

المجتمعات العربية والمصرية على وجه الخصوص باتت تتصف بالشفاهية، الكلام الكثير، الوصف المبالغ فيه، هذه الصفات التي تنتقل من جيل لآخر أصبحت تحكم على هؤلاء الذين يردون بإجابات مختصرة أنهم (برويين) حسب الوصف الشعبي، وأنهم غير اجتماعيين، وكثير من الصفات التي تنتقص من الشخص الذي يرد باقتضاب وتجعله غير مُحب للناس، وقد يذهب التأويل لمناطق شخصية، فتجد السامع يتهم الآخر بأنه زعلان منه، أو هناك شيء يخفيه.

والحقيقة أن الجحيم والشيطان كلاهما يكمن في التفاصيل، تلك التي تورطنا في مشاكل لا نستطيع التغلب عليها دون خسارات واضحة، المرأة التي تحكي عن يومها مع صديقتها تمنحها كثير من المعلومات في مجرد حكي عادي، وقد تتضمن التفاصيل أسرار أو معلومات تخص آخرين، وهو بالضرورة يحدث، فنحن لا نعيش في عزلة، ولكي تصنع تفاصيل يومك هناك آخرين مشاركين.

ولأننا أيضًا نعيش وفق نظرية الأواني المستطرقة فإن أي كلام سينتقل من مكان لآخر بهدوء وانسيابية مثل نهر يسير في مجراه، كثير من النساء تحكي ما جرى معها أو لها من قبيل الحكي، حالة من التقارير التي اعتدنا أن نقدمها عن أنفسنا، وتكون البداية أو السؤال ماذا فعلتي بالأمس، مجرد سؤال تقليدي المفترض أنه يعكس اهتمامًا بالطرف الآخر، لكن الإجابات المطولة والمسهبة في الوصف تورط آخرين ليسوا على علاقة بالسائل، في كثير من الحكايات تحكي المرأة بحُسن نية، ومحاولة ان تبدو صادقة ولا تُخفي شيء عن السائل الذي يكون في الغالب ذو مكانة مقربة.

إذا أعطيت أحدهم هدية فأنت لا تمنحه معها تعليمات استخدامها، وبالتالي حين تتحدث النساء فكثير من الكلام والحكايات تأتي بلا أية محاذير، وحتى تلك الحكايات التي تسبقها أقول لك سر؟ لا تحكيه لأحد، تلك التعليمات تُحفز السامع أن يُعيد استخدام ما سمع وامتلك.

كثير من الخلافات بين النساء أسبابها كلام قيل، ومعلومات خرجت ولم يجب أن تخرج من صاحبتها، وإعادة تدوير لما قيل، الخلافات التي تبدأ بمجرد كلام قيل في سياق الحكي وقضاء الوقت، مؤسسة لهدم الثقة واضفاء سمات عامة على النساء.

الوقت المتسع لكثير من الحكايات جاء نتيجة اختفاء الأنشطة من حياتنا، دروس التطريز، أعمال الكنافا، عزف الموسيقي، القراءة، زيارات السينما، اختفاء الأنشطة الاجتماعية نشاطًا عقب الآخر، واعتماد تلك الأنشطة على مقابل مالي، جعل ممارسيها في مكانة اقتصادية أعلى من الغالبية، فباتت كثير من النساء يشغلن وقتهن بالحكايات، وكيف نحكي قصة بلا أبطال، ومناطق إثارة وحث فضول المستمع؟

عزيزتي المرأة

الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، والتفاصيل تحفر طريقًا يغرس صاحبها في كثير من المشاكل، فهل نحاول أن نُجيب علي قد السؤال؟