تجلس أمام جهاز الكمبيوتر، بعد التأكد من حسن مظهرها، شعرها مرتب، وأسنانها بيضاء، تستعد لفتح الكاميرا لبدء الاجتماع اليومي عبر تطبيق “زووم”. تعود مجددًا قبل الضغط على بدء الاجتماع للنظر في المرآة، للتأكد من أن مظهرها لمرة أخيرة.
ما تعيشه “مرام علي” يتكرر يوميًا بعدما بدأت العمل في المنزل، بعد انتشار فيروس كورونا، لينتقل التعامل مع فريق العمل من خلال شاشة الكمبيوتر. كانت تتوقع أن العمل من المنزل لن يكون شاقًا، لأنه بالطبع أسهل من الذهاب يوميًا لمقر شركتها. لكن “مرام” وجدت أن الأمر لا يختلف من المنزل إلى الشركة. عليها أن تهتم بمظهرها جيدًا، بل أكثر من السابق لأن الكاميرا من الممكن أن تظهر عيوبًا كانت مخفية من قبل في الاجتماعات.
أشعر أنني مراقبة
مرام قالت لـ”مصر 360″ إنها تشعر أنها مراقبة، فالجميع ينظر لها طوال الوقت، بعكس الاجتماع الذي كان يتم في الشركة في غرفة كبيرة تسع الجميع. حينها لم تكن تشعر بهذا الإحساس، أما حاليًا فأصبحت مراقبة بحسب وصفها. “أصبحت استيقظ قبل موعدي المحدد من قبل بنصف ساعة، للعناية أكثر بمظهري. اختيار ملابس مناسبة. ووضع مكياج يتناسب مع إضاءة الكاميرا. فقبل انتشار الكورونا كنت استيقظ في تمام السابعة لأصل العمل في التاسعة. فيأخد الطريق من منزلي للشركة ساعة، والساعة الأخرى في تناول الإفطار وارتداء الملابس”.
تستيقظ “مرام” حاليًا في تمام السادسة والنصف، لتحضر الاجتماع في تمام التاسعة عبر تطبيق “زووم”. تتأكد من أن الإنترنت موجود، وجهاز الكمبيوتر يعمل جيدًا منعًا للمفاجآت. وتبدأ بالاستعداد للاجتماع. “حاليًا أصبح كل شخص ما يقوله يسمعه الجميع بعكس الماضي. كنا من الممكن أن نتحدث جماعة. لكن هذا النظام أصبح بمثابة ميكروسكوب على الجميع. علي التحضير جيدًا قبل حضور الاجتماع، الذي أصبح ثقلًا وإرهاقًا جديدًا يضاف على كاهلي. بعدما كنت أظنه ميزة ستمنحني المزيد من الراحة عند العمل في المنزل”.
ما تعيشة “مرام” يتفق مع دراسة حديثة توصلت إلى أن الإجهاد المرتبط باستخدام تطبيق Zoom يؤثر على النساء بشكل أقوى من الرجال. حيث أجبر الوباء المستمر ملايين العمال على قضاء ساعات في اجتماعات افتراضية. كذلك يعاني عدد متزايد من ظاهرة “إجهاد Zoom”. ووفق دراسة من جامعة ستانفورد، فإن الإرهاق الناجم عن جلسات مؤتمرات الفيديو لا يؤثر على الجميع بالتساوي.
قلق الاهتمام الذاتي
وبحسب ما ذكرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، اكتشف الباحثون أن النساء كن أكثر عرضة بمرتين من الرجال للشعور بالتعب بعد مكالمة Zoom. كذلك يفترض العلماء هذه النتائج بسبب أن النساء يميلن إلى عقد اجتماعات أطول. ويكن أكثر عرضة للقلق الناجم عن “الاهتمام الذاتي” لميزة المشاهدة الذاتية.
يقول جيفري هانكوك، أستاذ الاتصالات في جامعة ستانفورد والمؤلف المشارك بالدراسة “يشير الاهتمام المركز على الذات إلى زيادة الوعي بكيفية ظهور المرء. بينما أجرى هانكوك وزملاؤه استطلاعًا لأكثر من 10300 مشارك حول مستوى الإرهاق الذي يعانون منه أثناء استخدام منصات مؤتمرات الفيديو. وأفادت واحدة من كل سبع من النساء المستجوبات أنهن يشعرن بالإرهاق “الشديد” بعد مكالمات Zoom. مقارنة بواحد فقط من بين 20 (5.5%) من الذكور.
وأفاد الرجال والنساء بأنهم حصلوا على نفس العدد تقريبًا من الاجتماعات في يوم معين. كانت اجتماعات النساء تميل إلى العمل لفترة أطول. كما كانت فترات الراحة بينها أقل، وأضاف أن العوامل الديموجرافية الأخرى كانت أيضًا أكثر عرضة للإصابة بتعب زووم. فكان الأشخاص الأصغر سنًا أكثر عرضة للإبلاغ عن الشعور بالتعب بعد إجراء مكالمة جماعية عبر الفيديو مقارنة بالمستجيبين الأكبر سنًا. وأبلغ الأشخاص ذوي البشرة الداكنة عن مستويات إجهاد أعلى قليلاً من المشاركين البيض.
الأبحاث السابقة وفقًا للتقرير، أشارت إلى أن النساء أكثر عرضة للقلق والمشاعر السلبية عند النظر في المرآة. كما أن النساء المشاركات في دراسة ستانفورد أكثر عرضة للإبلاغ عن شعورهن بأنهن محاصرات بسبب مجال رؤية الكاميرا المحدود. كذلك يكن غير قادرات على التحرك أو الإيماء أو استخدام لغة الجسد الكاملة.
توتر وقلق
ما يحدث مع مرام، يتكرر مع ياسمين طه، التي تعمل بإحدى شركات كتابة المحتوى، ويتطلب عملها الاجتماع يوميا لمدة تصل لساعتين عبر التطبيق. لكنها تفضل في الكثير من الأوقات إغلاق زووم. “أشعر بالتوتر وعدم الراحة عند تشتغيل الكاميرا. فهل جلستي تبدو جيدة، وهل تظهر صورتي بشكل جيد للآخرين كلها أمور تشعرني بالقلق”.
في بداية الجائحة كانت تضطر لفتح الكاميرا من هاتفها المحمول، والبعد عنها بمسافة كافية حتى لا تركز على تفاصيل الوجه “الكاميرا”. عندما تقترب من الوجه تفضح كل التفاصيل”. هكذا قالت ياسمين، رغم أنها كانت تبعد عنها إلا أن هذا الأمر كان يصيبها بالتوتر أيضًا، حتى قررت إغلاق الكاميرا. وحضور الاجتماعات اليومية دون تشغيلها “قررت عدم فتح الكاميرا، والتحجج بأن باقة الإنترنت لن تكفي. هكذا أصبحت قادرة على العمل دون ضغط أو إرهاق. لا أحد يمكنه رؤية ما أرتدي أو كيف يبدو شعري اليوم، وكيف يبدو شكل وجهي أيضًا”.
الرجال يرحبون بالاجتماعات عبر نافذة إلكترونية
على الجانب الآخر، وفقًا لما أكدته الدراسة، لا يبدو الأمر عند الرجال بهذا القدر من الإزعاج، مثل ما يحدث مع هاني السيد. إذ يعمل محاضرًا في أحد المركز الخاصة. بعد الجائحة أصبحت المحاضرات تتم عن طريق الإنترنت، يلتقي يوميًا بالعشرات من الطلبة والطالبات عبر المنصة الإلكترونية. لكن لا يهمه ما يرتدي، أو كيف يبدو شكله.
يقول هاني: “لا أهتم كثيرًا بتلك التفاصيل. ما يهم الطلاب في تلك الحالة الحصول على المعلومة من خلال محاضرة زووم. لا أعتقد أن أحدهم سيترك المحاضرة وينظر لقميصي الذي أرتديه أو ينظر إلى لحيني هل كانت مهندمة أم لا؟”.
العمل من المنزل، أصبح شيئًا محببًا لقلب هاني بعدما تحول لجانب مرهق من حياة كلا من مرام وياسمين. “أصبحت حاليًا استيقظ في موقت متأخر لم أعد بحاجة للاستيقاظ مبكرًا للحاق بالمواصلات. أو الوصول للمركز في الموعد المحدد. كل ما أحتاجة فقط هو جهاز كمبيوتر وإنترنت لبدء العمل من المنزل”.