يبدو أن موازين القوى الكروية بأوروبا والعالم بدأت تتغير، ويعاد رسم الخريطة الكروية بشكل جديد. فلم يصبح للأندية العريقة صاحبة التاريخ والإرث الطويل بالقارة العجوز، نفس الزخم الذي كان لديها من قبل. تراجع نجمها كثيرًا أمام لمعان أندية أخرى صاحبة تاريخ أقل ومغمور إلى حد كبير. لكنها دعمت من قبل رجال أعمال ضخوا بها ملايين اليوروهات وحولوها لكيانات عملاقة بإمكانات لا تنتهي.

فهل يصبح الأغنياء الجدد مثل مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان القوة الفعلية المسيطرة على الكرة الأوروبية والعالمية حاليًا ومستقبلًا. هذا السؤال الذي يطرح نفسه ونحاول الوصول الإجابة له في النقاط والسطور التالية..

مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان

خفوت الكبار ولمعان أندية المال

بلا شك بات الثنائي الثري هما القوة الكبيرة الجديدة المسيطرة على أوروبا والعالم في الساحرة المستديرة، وهذا الأمر بالأرقام والفنيات والنجوم. فأندية مثل ريال مدريد وبرشلونة ومانشستر يونايتد وليفربول ويوفنتوس وبايرن ميونيخ، لم يستطيعوا مجابهة أندية الأغنياء الجديد. لا في قيمة انتقال النجوم والصفقات أو حتى في البطولات سواء المحلية أو القارية في الموسم الحالي. حيث صعد الثنائي لنصف نهائي دوري أبطال أوروبا وبات واحدًا منهما أقرب بكثير لرفع كأس أوروبا. ليحقق أول لقب له في أمجد البطولات الأوروبية وكتابة تاريخ جديد.

ناديا مانشستر سيتي الإنجليزي الذي انتقلت ملكيته عام 2008 إلى مجموعة أبوظبي المتحدة للتنمية والاستثمار برئاسة الشيخ منصور بن زايد. وباريس سان جيرمان الفرنسي الذي انتقلت ملكيته عام 2011 لمجموعة قطر للاستثمارات الرياضية برئاسة ناصر الخليفي. كان هدفهما الأسمى هو الفوز بلقب دوري الأبطال الذي أنفقوا من أجله كل هذه الأموال. وبات الناديين قريبين للغاية هذا العام من تحقيق ذلك الهدف حيث تفصلهما خطوة واحدة عن الظفر به.

فمنذ ذلك الحين، أنفق الناديان أموالًا طائلة للوصول إلى هذا الهدف. لدرجة أنهما خالفا قواعد اللعب المالي النظيف للاتحاد الأوروبي للعبة ما جعلهما عرضة للعقوبات. لكن حتى الآن لم ينجح أياً منهما في بلوغ الهدف المنشود مع أن سان جرمان كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه الموسم الماضي قبل أن يسقط أمام بايرن ميونيخ.

أما مان سيتي، فكانت أفضل نتيجة له الوصول إلى نصف النهائي عام 2016 حين توقف مشواره على يد عملاق المسابقة ريال مدريد الإسباني. والمفارقة أن وصول سيتي إلى نصف نهائي تلك النسخة كان على حساب منافسه الحالي سان جيرمان. إذ فاز عليه في ربع النهائي 1-0 إيابًا على استاد الاتحاد بعد تعادلهما ذهابًا في باريس 2-2.

السيتي

مواجهة فنية على مستوى ثرائهما

والآن وبعدما وقعا في مواجهة بعضهما للمرة الثالثة قارياً (تواجها في دور المجموعات لكأس الاتحاد الأوروبي موسم 2008-2009 حين تعادلا سلبًا. ستكون الفرصة قائمة أمامهما لبلوغ النهائي والحصول على فرصة الفوز باللقب المنشود.

وبعيدًا عن تشارك الأهداف والملكية الخليجية، كانت المواجهة قمة في الإثارة بين فريقين هجوميين يعجان بالنجوم وبقيادة مدربين محنكين يعرفان بعضهما جيدًا. هما الإسباني بيب جوارديولا من ناحية السيتي، والأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو من الجهة المقابلة.

حيث جدد المدربان الموعد بعد أن تواجها لأعوام عدة في الدوري الممتاز حين كان بوكيتينو مدرباً لتوتنهام الذي أقصى سيتي عام 2019. بالفوز ذهابًا على أرضه 1-صفر والخسارة إيابًا 4-3 في طريقه إلى النهائي.

صراع خاص بين المدربين

يتفوق جوارديولا بشكل كبير على نظيره الأرجنتيني. بواقع 10 انتصارات مقابل ثلاث هزائم وخمسة تعادلات، من ضمنها مواجهتهما التسع (5 انتصارات، 3 تعادلات وهزيمة واحدة). كمدربين للجارين اللدودين برشلونة وإسبانيول اللذين دافعا عن ألوانها كلاعبين أيضًا.

لكن بالنسبة للأرجنتيني فالأمر لا يتعلق بمواجهة ضد جوارديولا بحسب ما أفاد في مؤتمر صحفي. وأضاف: “بالنسبة لي، إنها مباراة بين فريق وآخر، ليست مباراة شخصية. عندما تتحدث عن جوارديولا، فأنت تتحدث عن أحد أفضل المدربين في العالم إن لم يكن أفضلهم. الأمر لا يتعلق بالألقاب التي أحرزها بل بالإرث الذي تركه خلفه في كرة القدم، بما تمكن من بنائه”.

ودخل الفريقان اللقاء المرتقب بمعنويات مرتفعة، لاسيما سيتي القادم من تتويج بلقب كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة بالفوز في النهائي. كما نجح في الفوز على باريس في لقاء الذهاب بهدفين لهدف في انتظار لقاء الإياب بعد أيام قليلة لمعرفة من المتأهل.

 

موسم مثالي لهما محليًا وقاريًا وأرقام استثنائية

ويسير سيتي بثبات نحو استعادة لقب الدوري الإنجليزي الممتاز من ليفربول بما أنه يتقدم بفارق 11 نقطة عن أقرب ملاحقيه. وهو جاره اللدود مانشستر يونايتد. بينما يخوض سان جيرمان صراعًا حاميًا مع ليل من أجل الاحتفاظ بلقب الدوري الفرنسي الذي يتصدره الأخير بفارق نقطة.

وخاض السيتي اللقاء على خلفية 30 فوزًا في آخر 33 مباراة خاضها ضمن جميع المسابقات. كما أنه لم يذق طعم الهزيمة في دوري الأبطال هذا الموسم حيث فاز بجميع مبارياته باستثناء واحدة. بينما وصل إلى نصف النهائي بعدما تخطى بوروسيا دورتموند الألماني 4-2 بمجموع المباراتين.

أما سان جيرمان الذي وصل أيضًا إلى نصف نهائي الكأس الفرنسية حيث يلتقي مونبلييه في 12 مايو المقبل. دخل لقاء الذهاب على خلفية 7 انتصارات في مبارياته العشر الأخيرة ضمن جميع المسابقات.

وتخلل هذه السلسلة الخسارة أمام ضيفه بايرن ميونيخ 0-1 في إياب ربع نهائي دوري الأبطال. لكن من دون أن يؤثر ذلك على الثأر لخسارته نهائي الموسم الماضي. لفوزه ذهابًا خارج ملعبه 3-2 بفضل ثنائية لمبابي الذي يقدم مستويات خيالية منذ قدوم المدرب الأرجنتيني لتدريب الأمراء.

في النهاية كل الشواهد تدعم فكرة تفوق أندية المال الممثلة في السيتي وباريس كونهما الأبرز في أوروبا، على أندية التاريخ العريق مؤخرًا. سواء على المستوى المحلي أو القاري هذا العام بإقصائهما لأندية عملاقة مثل برشلونة وبايرن ميونيخ ودورتموند. واقتراب أحدهما من المباراة النهائية وربما يحسم اللقب لصالحه ويحقق أول لقب قاري في التشامبيونزليج له هذا العام. لذلك فإن صوت المال انتصر بالنهاية على التاريخ والعراقة والبطولات على الأقل بالمواسم الماضية والموسم الحالي إلى حين إشعار آخر.