مثّلت تصريحات وزير الدفاع الإيراني، العميد أمير حاتمي، أمام البرلمان الإيراني مؤخرًا، حول وجود عجز في ميزانية الجيش. أحد أعراض الصراع القديم والتقليدي بين الحرس الثوري والقوات المسلحة. وتعود بدايات هذا الصراع إلى عام 1979. في أعقاب قيام الجمهورية الإسلامية. وأصدر الإمام الخميني مرسومًا بتشكيل هيئة عسكرية موازية للقوات النظامية، والتي تم اعتبارها أحد بقايا نظام الشاه.

ومن ثم، تشكل الحرس الثوري الإيراني، بينما حصل على امتيازات جمة، جعلته لا يقف على مسافة واحدة مع القوات المسلحة. بل صعد “الحرس” إلى مستويات فارقة، سواء في ما يتصل بميزانيته التي تتضاعف سنوياً وبفارق كبير عن الأولى. ويضاف إلى ذلك نفوذه السياسي وإمكانياته الاقتصادية الضخمة، والقدرات العسكرية والموارد البشرية الهائلة. وذلك لجهة حماية “الثورة” ونظام “الولي الفقيه”.

“عشرون مليون رجل”

فأطلق الخميني دعوته لجيش من “عشرين مليون رجل”، تم انتقاؤهم على أسس أيديولوجية وعقائدية لضمان ولائهم الفكري والسياسي.

نهاية الشهر الحالي، صرح وزير الدفاع الإيراني في جلسة للبرلمان أن “القوات المسلحة تعاني عجزًا ماليًا يعيقها عن تأمين رواتب المجندين. هؤلاء المجندون في المناطق الخطرة التي تقع تحت وطأة معارك عسكرية”.

وتابع: “العجز المالي الخاص برواتب هؤلاء المجندين البالغ عددهم سنويا نحو 60 ألف مجند يصل إلى ألف مليار تومان إيراني. والعديد من المجندين وحتى المتقاعدين من العاملين بالقوات المسلحة يواجهون ظروفًا معيشية متعسرة”.

لا تعد التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع مباغتة، إنما ثمة سوابق عديدة لها. واللافت أن وكالة “مهر” الإيرانية، أوضحت أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، في عام 2019، قدم مشروع الموازنة لعام 2020. والتي تشير إلى أن حصة الجيش الإيراني “ازدادت بنسبة أكثر من 1،950 مليار تومان إيراني. إذ وصلت من نحو 10 آلاف و24 مليار إلى 11 ألف و978 مليار تومان إيراني.

الخميني

ميزانية الحرس الثوري: 18 ألف مليار تومان

وتبعًا للميزانية التي اقترحها الرئيس الإيراني، فإن ميزانية حرس الثورة الإسلامية “ازدادت بنسبة 3،315 مليار تومان إيراني لتصل من 15 ألف مليار. لتصل إلى 18 ألف و 315 مليار تومان إيراني.

كذلك تم تخفيض ميزانية القيادة العامة للقوات المسلحة بنحو 120 مليار، لتصل من 56،964 مليار إلى 56،840 مليار تومان إيراني. كذلك تم تخفيض ميزانية هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة بنسبة 124 مليار تومان إيراني”.

بينما تضاعفت ميزانية الحرس الثوري، العام الماضي، لنحو 58% ارتفعت من 24 ألفا و335 مليار تومان، إلى 38 ألفا و564 مليار تومان. فإن ميزانية القوات المسلحة الإيرانية، في ميزانية العام الجاري، ارتفعت من 13 ألفاً و138 مليار تومان في 2020. إلى 20 ألفا و115 مليار تومان، وهو ما يجعلها تقترب بفارق ضئيل من مخصصات الحرس الثوري بنحو 53%.

يخضع الحرس الثوري الإيراني إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، منذ لحظة التأسيس. وتنحصر مسؤولية اختيار وتعيين القائد في التنظيم المسلح والعسكري إلى المرشد الإيراني. كذلك المسؤولين التنظيميين للميلشيات التابعة لها. وذلك عبر ترشيحات يقدمها قائد الحرس. كما تتكون من تشكيلين رئيسين: “كتائب الزهراء”، وتضم الأعضاء الإناث، و”كتائب عاشوراء” تضم الأعضاء الذكور.

يقول الخميني: “كل ما نفتقده هو عصا موسى وسيف علي بن أبي طالب، وعزيمتهما الجبارة. وإذا عزمنا على إقامة حكم إسلامي، سنحصل على عصا موسى وسيف علي بن أبي طالب أيضًا”.

الحرس الثوري

حراسة الثورة ومكاسبها

وبحسب الدستور الإيراني، فإن “قوات حرس الثورة الإسلامية التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة. راسخة ثابتة من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها. بيد أنها تحولت لمركز قوة في الحياة السياسية والاقتصادية لإيران، متخطيًا كل الأدوار التي حددت له أثناء مرحلة التأسيس”.

وحدد الدستور الإيراني، أهمية التجانس العقائدي للجيش الإيراني، وولاء أفراده للجمهورية الإسلامية. كما صنف دوره العقائدي. وذلك بهدف حماية الأهداف العقائدية والترويج للدعاية الأيدولوجية والسياسية. وقال: “ولا تلتزم القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب. بينما تحمل أيضًا أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم.

كما ينص دستور الجمهورية الإسلامية على أنه “يجب أن يكون جيش جمهورية إيران الإسلامية، جيشًا إسلاميًا، من خلال كونه جيشًا عقائديًا وشعبيًا. كذلك أن يضم أفرادًا لائقين مؤمنين بأهداف الثورة الإسلامية، ومضحّين بأنفسهم من أجل تحقيقها”.

وفي حديثه لـ”مصر 360″، يشير الأكاديمي العراقي، محمد الجبوري، إلى أن الصراع بين المؤسستين الأمنيتين والعسكريتين في إيران، ليس جديدًا. بل أنه يمتد تفاصيله في جوانب كثيرة، من بينها إدارة فيروس كورونا، مؤخرًا.

الجيش الإيراني

أحد قادة الجيش يهاجم الحرس الثوري

ويضيف: “قبل عام، ظهر الأدميرال حبيب الله سياري، مساعد قائد الجيش الإيراني للشؤون التنسيقية، وهاجم الحرس الثوري. على خلفية هيمنة الأخير على الحياة السياسية والاقتصادية بطهران، والامتيازات العديدة التي تسببت بالتبعية في تهميش الجيش. كذلك غياب أي صورة عنه لدى المواطنين، وتجاهل أدواره”.

ويرى الجبوري أن الجنرال الإيراني هاجم الحرس الثوري في ظل تفاقم الفيروس التاجي والذي احتكر الحرس إدارته. ووظفه لحسابات صراعاته مع الجناح الإصلاحي. بالإضافة إلى احتدام الأزمات الاقتصادية في ذورة سياسة الضغط القصوى التي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب. وتأثيراتها المباشرة على الأوضاع الاحتجاجية المتنامية في طهران.

وقال سياري: “إذا أردتم أن تدونوا كلامي فأرجوكم أن تفعلوا. المشكلة فيكم أنتم وفيمن سبقكم. لأنكم لم تولوا الجيش الاهتمام. يأتون ويقولون لنا: أين صوركم في العمليات العسكرية؟ في الجيش ليس لدى أي شخص تصريح يمكنه من الدخول بكاميرته إلى مكاتب القيادة. ماذا نفعل؟ هذه تعليمات الجيش. بالتأكيد لديهم مصالح من وراء هذا الكلام، وبالتأكيد توجد صور للجيش. انظروا إلى الأماكن الأخرى، في القوات الشعبية والباسيج والحرس الثوري، كل مجموعة منهم يرافقها مصور أينما ذهبت”.

الأدميرال حبيب الله سياري

لا يمكن مقارنة الجيش بالحرس الثوري

وتابع: “في أي عملية عسكرية يمكنك إثبات أن الجيش لم يقم بعمله، ولم تكن مدفعيته جاهزة أو دفاعه الجوي. فبالنسبة إلى القوات البحرية، كلها كانت من الجيش، فالقوة البحرية للحرس الثوري تشكلت في العام 1986. وقبلها كانت القوات البحرية جميعها من الجيش.

وعندما تؤسس منظمة جديدة، هل بإمكانك تدريب وتعليم عدد كبير من الأشخاص خلال ستة أشهر. وتجهيز هذه المنظمة بالسفن والزوارق الحربية بهذه البساطة؟ وبالتالي، هل يمكن القول إن الجيش لم يكن موجوداً؟”.

ولذلك، فإن وضع الجيش في إيران لا يمكن مقارنته بالحرس الثوري، بحسب الباحث العراقي. إذ يضيف لـ”مصر 360″: “الحرس آداة نفوذ سياسي ضخمة، وقوة اقتصادية محلية وخارجية مؤثرة. يتقدم كل الأنشطة الاستراتيجية لإيران في المنطقة وأوروبا والولايات المتحدة عبر شبكة معقدة. فيتواجد في خريطة صراعاتها ويحتل كل المواقع التي تشكل امتدادات حيوية لها.

لذلك، فليس من المتوقع أن هذا الصراع سيشهد أي انفراجه في ظل الصعود المحتمل للتيار الراديكالي في طهران. خاصة مع سيطرة هذا الجناح على القضاء والبرلمان مؤخرًا. بينما ترجح المؤشرات والاتجاهات الحالية زيادة تهميش كل القوى البعيدة عن المرشد وتياره السياسي والعسكري. وهو الأمر الذي سيكون مرهونًا بنتائج مفاوضات فيينا والتي ستنعكس تداعياتها على الانتخابات الرئاسية المزمع إجرؤها منتصف العام الحالي”.