اقتربت وزارة الخارجية من إعداد استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان الجاري إعدادها منذ فترة عبر لقاءات يشارك فيها عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان على مدار الأشهر الماضية، من أجل الوصول إلى صيغ جديدة لحلحلة الملف الحقوقي في مصر.

وقال المحامي الحقوقي نجاد البرعي، أحد المشاركين في اللقاءات، إن السبت المقبل سيهشد اجتماعا حاسما في مقر وزارة الخارجية لاستعراض الاستراتيجية الوطنية، لمناقشة قضايا جوهرية متعلقة بوضعية الحبس الاحتياطي في مصر، وبحث تحسين أوضاعهم في السجون، وإصلاح مرفق العدالة بشكل عام، بجانب الحديث عن إصلاح العلاقة مع المجتمع المدني وإيقاف مطاردة رموزه، وفتح حوار مع المنظمات الحقوقية في المنفى.

وأضاف البرعي أنه سيكون من المناسب عند إعلان الاستراتيجية أن يصاحب ذلك أو يسبقه حركة إفراجات واسعة عن عدد كبير من المحبوسين احتياطيا، للمساهمة في الترويج بشكل أسرع للاستراتيجية، ويعطي إشارة على تحول لافت في موقف الدولة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

وذكر البرعي أن الموعد الأقرب لإعلان الاستراتيجية في شهر يونيو المقبل في احتفالية كبرى، معربا عن أمله في خروج المسودة بكشل جيد والإسراع في تطبيقها.

جانب من جلسة الحوقيين لبحث الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان

وبدأت الحكومة في الفترة الأخيرة في إجراءات جديدة في التعامل مع ملف حقوق الإنسان، وسبل الخروج من مأزق الاتهامات المتلاحقة التي تستدف النظام في الخارج، تجلت بشدة في قرارات الإفراج عن مجموعة من الصحفيين والنشطاء الذين قضوا فترة من الحبس الاحتياطي على ذمة عدد من القضايا.

يتزامن موعد الانتهاء من مسودة الاستراتيجية مع تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي للصحافة الألمانية التي أكد فيها أن الأمن لا ينبغي أن يأتي على حساب الحرية حتى في بلد يعيش ظروفا صعبة مثل مصر.

 

ما هي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان؟

بدأ التخطيط لإعداد هذه الاستراتيجية بعد إعلان وزير الخارجية عنها في ديمسبر الماضي، واللافت فيها مشاركة الشخصيات الضالعة في المجتمع المدني من أجل الخروج بتوصيات من شأنها المساهمة في تصحيح الصورة المصرية أمام الغرب.

الهيئة الاستشارية التي ساهمت في إعداد مسودة الاستراتيجية الجديدة، مكونة من من 25 عضوًا. وهم من الشخصيات العامة، والخبراء المنتقين في جميع التخصصات المختلفة، يساهمون بالرأي في إعداد المسودة النهائية. وذلك وفقًا للتكليفات الواردة في قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان.

وتهتم مسودة الاستراتيجة الجديدة بحقوق الإنسان في كافة المجالات؛ الاقتصادية والاجتماعية وأيضًا السياسية. أيضًا تؤكد على أن الاهتمام بحقوق الإنسان ينعكس على الدولة المدنية الحديثة، وبدوره على التنمية الشاملة للدولة.

في تصريحات سابقة، أوضح وزير الخارجية سامح شكري أن مسودة هذه الاستراتيجية الجديدة، والتي تعمل على إعدادها الهيئة الاستشارية باللجنة العليا لحقوق الإنسان، إلى جانب عدد من الأسماء الوطنية، ستُعد وفقًا لجلسات تشاور يتفق الجميع خلالها على الشكل النهائي للمسودة. ذلك بعد إبداء الملاحظات، وبالاعتماد على المنهج التشاوري والتشاركي عند الإعداد، وإشراك المجتمع المدني في الأمر.

اقرأ أيضا:

خطوة جديدة في الملف الحقوقي.. حوار مع ممثلي المجتمع المدني لوضع استراتيجية لحقوق الإنسان

إنهاء أزمة الحبس الاحتياطي

سيطر ملف الحبس الاحتياطي على مناقشات إعداد مسودة الاستراتيجية الوطنية، باعتباره أحد الملفات التي تسببت في انتقاد الحكومة خلال الفترة الأخيرة، نتيجة التوسع في استخدام السطات القضائية لهذا الإجراء الاستثنائي في السنوات الأخيرة.

ففي مارس الماضي، أصدرت 31 دولة بينها الولايات المتحدة، بيانا تدعو فيه مصر إلى رفع القيود عن الحريات والتوقف عن “اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى”.

وتقدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أعداد السجناء والمحتجزين بنحو 120 ألف سجين ومحبوس احتياطي ومحتجز، فيما تقول منظمات أخرى إن في مصر 60 ألف محتجز، وهي التقارير التي لا تعترف بها الحكومة المصرية وتؤكد أنه لا يوجد معتقلون سياسيون في السجون.

بالعودة إلى نجاد البرعي، الذي كان حاضرا في عدد من اللقاءات مع مسؤوليين معنيين بهذا الملف، يؤكد أن هناك شبه إجماع داخل مؤسسات الدولة لحل أزمة الحبس الاحتياطي، لذا تطرقت كلمته بالاجتماع التحضيري إلى الإجراءات القضائية التي تسبببت في تحويل الحبس الاحتياطي إلى عقوبة، وحرمان المحبوسين احتياطيا من حقوقهم داخل السجون.

ومؤخرا، أصدر مركز ورقة موقف بعنوان”15 توصية تمنع تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة” تضمنت وقف الحبس الاحتياطي المطول الذي تلجأ إليه النيابة العامة والمحاكم والالتزام بالتعديلات الواردة بموجب القانون 143 لسنة 2006. وكذلك اقتصار حق استخدام الحبس الاحتياطي من قبل النيابة العامة على درجة معينة من أعضائها. وأيضًا إلزام النيابة العامة أو المحاكم بتسبيب أوامرها القضائية بالحبس الاحتياطي.

اقرأ أيضا:

15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة

ومن بين التوصيات التي خرجت بها الورقة البحثة وقف ظاهرة التضارب بين قرارات القضاء في شأن الحبس الاحتياطي بدون حد أقصى. وهو ما يستلزم أن تفسر المحكمة الدستورية العليا التضارب الظاهري بين المادة 380، والمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية. وقد وضعت حدًا أقصى لمدد الحبس الاحتياطي. حيث يتبنى عدد من المحاكم المادة 380 في إعطائهم الحق في الحبس الاحتياطي دون الالتزام بحد أقصى.

ورقة “دام” اقترحت تكوين لجنة قضائية تقوم بإصدار قرارات الإفراج تباعًا وعلى دفعات بما يتناسب، وتصنيف المحبوسين احتياطيًا على أن تشمل من هم على خلفيات سياسية وجنائية، وهو ما يحل جزءًا كبيرًا من أزمة تكدس السجون.

وتصاعدت في الفترة الأخيرة الدعوات الحقوقية المطالبة عن المحبوسين احتياطيا، إذ أطلقت منظمة العفو الدولية ضمن 74 حقوقية -غير حكومية- دعوة للسلطات المصرية بالإفراج الفوري ودون قيد أو شرط، عن الباحث البالغ من العمر 29 عامًا أحمد سمير سنطاوي، الباحث المحتجز تعسفيًا منذ 1 فبراير 2021.

أحمد سمير
أحمد سمير

وفي وقت سابق، أعلن رئيس حزب الإصلاح والتنمية النائب أنور السادات عن إطلاق مبادرة مجموعة الحوار الدولي تحت شعار لأجل الوطن “بالمنطق والحكمة .. وبالدليل والبرهان”.

وعرفها السادات بأنها “مبادرة مصرية تقوم بجهود وطنية مخلصة تضم عددًا من ممثلي الأحزاب والمجتمع المدني، وأعضاء من مجلسي النواب والشيوخ مهتمين بقضايا الوطن في السياسة والاقتصاد والحقوق والحريات، وتهدف لبناء جسور الثقة مع الشركاء والأصدقاء الدوليين في كل القضايا والموضوعات محل الجدل والخلاف.

المجتمع المدني والخروج من النفق المظلم

حظيت أزمة التضييق على منظمات المجتمع المدني ورموزه على حيز كبير من المناقشة بين الهيئة الاستشارية باللجنة العليا لحقوق الإنسان والنشطاء المشاركين في الاجتماعات، إذ طالب نجاد البرعي بإيقاف مطاردة قادة المجتمع المدني المصري سواء بتحقيقات قضائية إو بالتشهير إعلاميا، وفتح قنوات اتصال مع المؤسسات الحقوقية المصرية التي هاجرت وقررت أن تعمل في الخارج والتعاون معها بشكل إيجابي.

فمنذ العام 2011، تواجه منظمات المجتمع المدني في مصر واقعًا مؤلمًا وسياسات تضييق يتجلى منها تخوف الحكومات المصرية المتعاقبة من الدور الذي تلعبه هذه المنظمات. وهو الدور الذي اعتبرته الدولة محركًا لأحداث ثورة يناير على سبيل المثال، لذا تخشى تكراره مرة أخرى.

اقرا أيضا:

الخروج من النفق المظلم.. “دام” يقدم 15 توصية لإنهاء الأزمة بين الدولة والمجتمع المدني

من أجل الخروج من هذا النفق، أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) ورقة بحثية في يناير الماضي، قدم من خلالها توصياته للسلطة والتي تضمنت تطبيق القانون رقم 149 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية، بما يراعي حرية العمل الأهلي في مصر، ويحترم متطلبات الأمن القومي، ويحقق المعايير الدولية لحرية العمل الأهلي.

كما أوصى “دام” السلطات بالمبادرة بإغلاق التحقيقات في القضية 173 لسنة 2011 وفقًا للإجراءات المنصوص عليها قانونيًا بما يضمن رفع حظر السفر المفروض على عدد من المتهمين فيها، ورفع تجميد الأموال المفروض على بعض المنظمات الحقوقية أو قيادات تلك المنظمات، وكذلك المبادرة بدعوة المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية لاستئناف نشاطها في مصر وافتتاح مكاتب قطرية وإقليمية لها في مصر،فضلاً عن استئناف المفاوضات التي توقفت قبل عدة أعوام لافتتاح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في مصر.

لم تكتف الورقة بتوصية الحكومة فقط، بل أوصت منظمات المجتمع المدني أن تهتم بتغطية الأدوار الثلاثة الرئيسية لمنظمات المجتمع المدني في الدول الحديثة ولا تكتفي بدور دون الآخر. فعلى منظمات المجتمع المدني أن تقوم بدعم دور الدولة في عمليات التنمية الشاملة والتحديث إلى جانب قيامها بموازنة سلطة الدولة وتنظيم ودمقرطة المجتمعات المحليات.

يعتقد البرعي أن مثل تلك المناقشات تساعد على الفهم المشترك والمتبادل بين الدولة وأصحاب المصلحة في خصوص هذا الملف الحساس.