وافق مجلس الوزراء السوداني على النظر في اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باسم “سيداو”. وتأتي الموافقة المبدئية نتيجة محاولات الضغط من الحركة النسوية في السودان والتي ظهرت الفترة الماضية، خاصة في أعقاب ثورة السودان، والإطاحة بحكم الرئيس السابق عمر البشير.
قبل أيام بالتحديد يوم 8 أبريل الحالي، خرجت مجموعات نسوية في مسيرة ضخمة في شوارع الخرطوم للمطالبة بوقف التمييز ضد المرأة. كذلك لضمان حصولها على كافة حقوقها الاجتماعية والسياسية.
ضمّت المسيرة مجموعات مختلفة من الحركات النسائية، ورغم اختلافها إلا أن جميعها اتفقت على ضرورة وقف التمييز ضد المرأة السودانية.
كما أتفقت المجموعات النسائية على صيغة موحدة لمطالبهن وعلى رأسها إلغاء كافة القوانين والسياسات التمييزية ضد المرأة. بالإضافة إلى إلغاء سلطة ولاية الذكور، وسرعة العمل على سن تشريعات تجرم التمييز.
كما شملت المطالب ضرورة منح النساء الحق في استخراج الأوراق الثبوتية لأطفالهن والحق في التبني وامتلاك الأراضي والعمل في كل الحرف.
بينما مثّل المطلب الأكبر والذي أثار ضجة هو منح النساء الحق في الطلاق والمساواة في الميراث. فضلًا عن تجريم زواج القاصرات والزواج القسري والعنف المنزلي والاغتصاب الزوجي والتحرش الجنسي.
واختتمت الحركة النسائية مطالبها بسرعة العمل على التوقيع على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”.
موافقة منقوصة
من ناحية أخرى، أبدى مجلس الوزراء تفهمه للمطالبات. إذ أعلن موافقته على توقيع الاتفاقية إلا أنه في الوقت ذاته أشار إلى تحفظه على عدد من مواد الاتفاقية.
وبحسب مجلس الوزراء، فإن من ضمن المواد التي وضع عليها علامات استفهام وتحتاج إلى مراجعة المادة رقم “2” تلك المادة التي تحظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية. كذلك المادة رقم “16” التي تستهدف المساواة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية وأخيرا المادة “1/ 19”.
تقول الناشطة السودانية النسوية، ناهد ترمبيل، إن الثورة نجحت بالحراك النسوي وفرضته على الساحة السياسية والعامة لكن إشراك المرأة السودانية في السياسة والأحزاب السياسية والتنظيمات ومواقع اتخاذ القرار كان ضعيفًا جدًا. كذلك أوضحت أنه لا يرقى إلى حد المساواة.
ولفتت ناهد في تصريح خاص لـ”مصر 360″، إلى أن الدستور السوداني نص على إشراك المرأة السودانية في المجلس التشريعي بنسبة 40%. وهو بالتأكيد عدم إنصاف كامل للمرأة السودانية ويمثل نوع من أنواع الانتهاك لحقوق المرأة.
أما عن المصادقة على اتفاقية “سيداو” تقول ناهد: “التوقيع والمصادقة على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أنواع العنف ضد المرأة. لكن التحفظ على أهم مواد وجوهر الاتفاقية هو ما يثير التساؤلات حول جدية الحكومة الانتقالية في التعامل مع المرأة. بعض المواد التي تم التحفظ عليها تبيح انتهاك حقوق المرأة دون محاسبة قانونية وهو الأصل في خروج المرأة السودانية إلى الشارع”.
وتابعت: “الحركة النسوية في السودان متفقة تمامًا على ضرورة الحصول على كافة التعهدات اللازمة من أجل تهيئة بيئة صحية للنساء. بالإضافة إلى تمكينهن من آداء أدوارهن في المجتمع والمساهمة في المجال العام على نفس القدر مع الرجال دون تمييز. وعدم تركهم فريسة سهلة على الطريق أمام كل من تسول له”.
المواد المختلف عليها
تحفظ مجلس الوزراء السوداني في إجازته لاتفاقية سيداو على عدد من المواد وهي:
المادة (2):
تنص هذه المادة على أن كل الدول التي تصدق على هذه المعاهدة يجب عليها إظهار نيتها الحقيقة للمساواة بين الجنسين في دساتيرها. وأن يتم إلغاء كافة القوانين التي تسمح بالتمييز بناء على الجنس. وأن تسن هذه الدول قوانين بهدف الحماية من أي تمميز يتم ضد المرأة. الدول المُصدقة على الاتفاقية يجب عليها إنشاء محاكم ومنظمات مجتمعية بغرض ضمان حماية فعالة للمرأة ضد أي ممارسات تميزية. كما أنه يجب عليها أيضًا اتخاذ خطوات حقيقة تجاه الأفراد، والمؤسسات، والمنظمات التي تمارس التمييز ضد المرأة.
المادة (16):
تهتم هذه المادة بجميع أنواع التمييز ضد المرأة في جميع الأمور المختصة بالزواج وتكوين أسرة. فتكفل هذه المادة لكلًا من الزوج والزوجة نفس الحق في الزواج، واختيار شريك الحياة بحرية. كما تكفل لهم نفس الحقوق والواجبات أثناء الزواج أيضًا إذ قررا الانفصال. ولهم نفس الحقوق والواجبات في كونهم والدي الأطفال، ونفس الحق في حرية اختيار عدد الأطفال والمدة بين إنجابهم. ونفس الحقوق والواجبات كزوج وزوجة متساويين في اختيار اسم للأسرة، وتحديد المهنة”. “نفس الحقوق لكلا الزوجين في التعامل مع ممتلكات الأسرة من حيث الحق في امتلاك، حيازة، إدارة، التحكم”.
المادة (29 /1):
1- يعرض للتحكيم أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية لا يسوى عن طريق المفاوضات. وذلك بناء طلب واحدة من هذه الدول فإذا لم يتمكن الأطراف خلال 6 أشهر من تاريخ طلب التحكيم. من الوصول إلى اتفاق على تنظيم أمر التحكيم، جاز لأي من أولئك الأطراف إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقًا للنظام الأساسي للمحكمة.
ردود أفعال متباينة
في الوقت ذاته، خرجت أصوات تتفق مع رؤية مجلس الوزراء في تحفظها على بعض المواد، وخاصة التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
تقول متاب أحمد، ناشطة سياسية، إنه بلا شك تواجه المرأة السودانية كافة أشكال التمييز وتحتاج إلى وقفة في وجه التغول من قبل الرجال على حقوقها. فنحن نعاني الآمرين فليس ليدنا حقوق واضحة ومحمية بقوة القانون، إلا أن ما خرج من مطالبات الحركة النسوية. إذ يزيد عن مجرد عودة الحق لأصحابه وحماية النساء إنما يخرج عن الشريعة الإسلامية والمجتمع الإسلامي.
وأضافت متاب في تصريح خاص لـ”مصر 360″: “الحراك في مجمله جيد إلا أنه شابه بعض المبالغة التي من الممكن أن تنفر منه البعض. إذ أنه ينسف قيم إسلامية مأخوذة من الشريعة الإسلامية وهو أمر له دلالات كبيرة. لا اعتقد أنه سينجح في أن يتجاوز لشريعة الإسلامية، لا أعتقد أن مجلس الوزراء سيوافق على الأمر”.
وتابعت: “يجب أن يتم إعادة النظر في المطالب وبنود السيداو وألا يجب أن تتحول إلى آداة للانحراف على القواعد العامة للشريعة الإسلامية”.