تستمر مدونة البنك الدولي في نشر توصياتها الخاصة بجائحة كورونا، والدروس المستقاة من التعامل معها كأزمة أججت، وسببت العديد من المشاكل الاجتماعية-الاقتصادية.
استعرض تقرير المدونة أحداث الأشهر التي تلت ظهور الحالات الأولى من الإصابة بفيروس كورونا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تحركت بلدان المنطقة سريعاً للحد من انتشاره، مشيرة إلى أن قرارات الإغلاق ومنع التجول والتباعد الاجتماعي ساهمت في إنقاذ الأرواح، بيد أن هذه الإجراءات الضرورية تسببت أيضاً في تكبيل الشركات والاقتصاد.
وعلى ذلك عانت المجتمعات المحلية من فقدان الوظائف وسبل كسب العيش وإغلاق المدارس والأسواق والأضرار التي لحقت بمنشآت الأعمال والتي قد لا يتعافى الكثير منها أبداً.
وبعد مرور عام على جائحة كورونا تبين أنها قد أثرت بشكل غير متناسب على الفقراء والضعفاء، ويعود ذلك في أغلب الأحوال إلى القصور المعتاد تاريخياً في شبكات الأمان الاجتماعي وتردي الأوضاع الاقتصادية حتى قبل ظهورها.
وبحسب منظمة العمل الدولية تتضمن أرضية الحماية الإجتماعية، على الأقل، مجموعة محددة من الضمانات الاجتماعية الأساسية، والتي على رأسها الرعاية الصحية الأساسية، بما في ذلك رعاية الأمومة، وعلى مستوى الحد الأدنى المحدد وطنياً بما يلبي معايير التوافر وإمكانية الالتحاق والقبول والجودة؛
وبالنسبة للطفولة، فالأمان يتضمن الحصول على التغذية، والتعليم، والرعاية، وأية سلع وخدمات ضرورية أخرى؛ وهناك الفئة العاملة، التي يجب أن يضمن لها الأمان الاجتماعي حد أدنى للدخل على مستوى مقبول يتم تحديده وطنيا للأشخاص من سن العمل غير القادرين على كسب دخل كاف، ولا سيما في حالة المرض، والبطالة، والأمومة، والإعاقة؛ إلى جانب كبار السن بضمان الحد الأدنى للدخل والمعاش المحدد على الصعيد الوطني لكبار السن.
انخفاض أسعار النفط والفقراء يزدادون فقرا
الأزمات في جانب كبير منها نجمت عن الانخفاض الذي حدث في أسعار النفط وما تعانيه البلدان من الضعف المؤسسي والصراع الدائر في العديد منها، وبخاصة في اليمن وسوريا وليبيا والعراق.
كما تعرض النازحون داخل البلاد واللاجئون إلى ظروف غاية في القسوة بسبب المرض وفقدان فرص العمل في القطاع غير الرسمي.
وارتفع مستوى الفقر المدقع حيث يعيش الفرد على دخل يعادل 1.90 دولار أمريكي في اليوم، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث بلغت معدلاته 7.2% عام 2018 بعد أن كانت 3.8% في عام 2015، وبعد أن كانت 2.4% في عام 2013.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن جائحة كورونا دفعت نحو ثمانية ملايين شخص إضافيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى هوة الفقر المدقع، كما دفعت أيضاً بحوالي 18 مليون شخص آخرين إلى العيش على أقل من 5.5 دولار أمريكي في اليوم.
شبكات الأمان الاجتماعي ضرورة
أثبتت شبكات الأمان الاجتماعي فعالية عالية في التخفيف من الآثار الناجمة عن هذه الأزمة وبناء القدرة على الصمود حتى لدى الأسر المعيشية الأشد فقراً.
وأعلن 21 بلداً من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رسمياً عن اتخاذ تدابير مختلفة للحماية الاجتماعية مثل المساعدات والتأمينات الاجتماعية وتبني البرامج الموجهة لتنشيط أسواق العمل، بغرض مواجهة تداعيات جائحة كورونا.
والعديد من هذه التدابير مستمد من السياسات والاستراتيجيات وبرامج الحماية الاجتماعية القائمة بالفعل كما أنها تبنى عليها، إلى جانب تنفيذ الزيادة في مظلة التغطية الاجتماعية إما عن طريق التوسع في المنافع وهو الذي يحصل من خلاله المستفيدين الحاليون على المزيد من المنافع، أو عن طريق التوسع في عدد المستفيدين والذي يتضمن استهداف مستفيدين آخرين.
وبحسب التقرير قام البنك الدولي بتقديم الدعم اللازم لتدابير شبكات الأمان الاجتماعي في بلدان المنطقة من خلال التمويل السريع والمرن و القابل للتكيف، فضلاً عن المساعدة الفنية، كما زاد دعمه لعمليات الحماية الاجتماعية بأكثر من الضعف مما سمح بزيادة عدد المستفيدين من مليونين إلى 16 مليون مستفيد.
ويدل حجم هذه الزيادة على أن نظم الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت مستجيبة وقابلة للتوسع، كما تجاوزت الاستجابة الطارئة حدود نظم الحماية الاجتماعية المطبقة في بلدان المنطقة حيث اضُطرت لاستخدام التكنولوجيا في المدفوعات، والتوسع في استخدام السجلات الاجتماعية، والتوسع في نطاق التغطية الاجتماعية وتقديم المنافع، بالإضافة إلى العديد من الإجراءات الأخرى.
استمرار سياسات الأمان الاجتماعي في طريق التعافي
وسيكون للجهود المبذولة حالياً للتطعيم ضد فيروس كورونا دورها الحاسم في قيادة عملية التعافي في بلدان المنطقة، وفقا للتقرير، ومع ذلك ستكون الحماية الاجتماعية بنفس القدر من الأهمية في الأشهر والسنوات المقبلة.
وحتى مع ترسخ التعافي ستواجه الحكومات قيوداً صارمة على الميزانيات، الأمر الذي سوف يؤدي إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن الإنفاق العام وخيارات السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
أما بالنسبة للأسر الفقيرة والأولى بالرعاية والمجتمعات المحلية والشركات الصغيرة، فيشير التقرير إلى أن العودة إلى الوضع الطبيعي الجديد ستعتمد على خيارات السياسات التي تلبي احتياجاتها.
وبالتالي، فإن إعادة التفكير في الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يصبح أكثر أهمية للمضي قدماً، كما سيكون من الأهمية بمكان مساعدة البلدان على تقوية وتعزيز الإصلاحات على مستوى السياسات والتدابير المبتكرة التي توفر تغطية كافية للحماية الاجتماعية بالنسبة للعاملين في القطاع غير الرسمي وإصلاح الدعم الذي يفيد الأغنياء أكثر من الفقراء لخلق حيز مالي لشبكات الأمان الاجتماعي المستهدفة وتعزيز نظم تطبيقها والاستثمار في المؤسسات التي يمكن أن تدافع عن أجندة الحماية الاجتماعية للمساعدة في توجيه السياسات والتنفيذ.
لقد خلقت جائحة كورونا أزمة هائلة لكنها أتاحت الفرصة أيضاً أمام بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لبناء أنظمة حماية اجتماعية أكثر تكيفاً ومرونة وشمولاً، على حد وصف التقرير.
وأشار التقرير إلى العديد من الدروس التي يمكن استخلاصها من استجابة الحماية الاجتماعية لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للجائحة العالمية.
كذلك لا تزال تدابير الاحتواء قائمة إلى حد كبير في العديد من بلدان المنطقة بسبب الموجات الثانية والثالثة من الجائحة؛ وبالتالي فإن الاستجابة الطارئة للإغاثة غاية في الأهمية، أما بالنسبة لمعظم البلدان على الصعيد العالمي، فقد بلغ متوسط التحويلات النقدية لتجاوز فترة الطوارئ ما بين 3 إلى 4 أشهر.
وفي الوقت الذي تضع فيه البلدان استراتيجيات التعافي والخروج من الأزمة، وفقا للتقرير، ستكتسب برامج الحماية الاجتماعية أهمية أكبر بالنسبة للفئات الأشد فقراً والأكثر احتياجاً، ومساعدة الأشخاص على انتشال أنفسهم من براثن الفقر الذي انزلقوا فيه.
وختم التقرير “تحتاج التدابير المبتكرة في مجال الحماية الاجتماعية إلى بناء أوجه التآزر مع الاستثمارات الأخرى في التعليم والصحة، وفرص العمل، حتى يكون لها تأثيرات أكثر ديمومة وأهمية”.