في وقت يخفت فيه نجم النقابيين الشرسين، والتنظيمات النقابية القوية، يرسم شعبان عطية رئيس نقابة العاملين بشركة كفر الدوار وصباغي البيضا صورة مغايرة لنقابي يعي جيدا أهمية وجود تنظيم نقابي قوي داخل كل مؤسسة عمالية، تجلى هذا بشدة في تعامله مع الأحكام القاسية التي صدرت بحق 20 عاملا قبل أن يتحول هذا الحكم إلى براءة بعد رحلة نضال مشتركة كان بطلها نقابي.

في السنوات الأخيرة التي تراجع فيها دور النقابات المستقلة وما لحقه من إخفاقات في هذا الملف، نادرا ما كنا نرى أو نسمع عن نقابي على علم ودراية كاملة بدوره، ومؤمن بأهمية وجود تنظيم نقابي قوي وفعال يمثل عماله، ويكون بجانبهم في لحظة نضالهم من أجل حقوقهم المشروعة، وعلى أتم استعداد لتخوض المعركة ودفع الثمن.

كيف نشأت النقابات؟

جاءت فكرة إنشاء النقابات بالتحديد منذ أواخر القرن التاسع عشر، بالتحديد في العام 1898، عندما تم إنشاء أول نقابة عمالية (جمعية) لعمال لفافي السجائر، التى نظمت إضرابا بعد أقل من سنة من إنشائها، كان الاحتياج الأساسي هو كيان يضم عمال المهنة، ويتحدث باسمهم وينظم صفوفهم. 

وبالفعل انتشرت الفكرة بعد ذلك ليصل عدد النقابات العمالية التى كانت فى صورة جمعيات إلى 11 نقابة تضم ما يقرب من 5 آلاف عامل عام 1911، مثل جمعية الخياطين، والحلاقين، وعمال المطابع، وعمال الأدوات المنزلية، وعمال السجائر بالأسكندرية، وكتبة المحامين بالقاهرة، وغيرها، وكانت تلك البداية وظلت تلك النقابات مستمرة في الدفاع عن حقوق عمالها إلى أن جاءت فكرة إنشاء اتحاد عام لنقابات عمال مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

تضاربت الآراء حول فكرة الاتحاد الذي أكد النقابيون والعمال والمهتمين بالشأن العمالي أن فكرة الاتحاد جاءت لتفريغ النقابات من مضمونها واستخداهما لضرب الحركة العمالية.

إذن الهدف الأساسي من تشكيل تلك التنظيمات النقابية هو الدفاع عن حقوق عمالها ومساندتهم في أي نضال لاسترداد حقوقهم، وظلت التجارب النضالية للعمال وكثير من النقابات الحقيقة تضرب لنا المثل عن كفاحية تلك التنظيمات وأهمية دورها ووجودها داخل المؤسسات.

 شركة كفر الدوار وصباغي البيضا تقدم لنا هذا النموذج المثالي ليس فقط في النضال العمالي والصمود ولكن أيضا من أجل مطالبهم العمالية والحفاظ أيضا على صناعة من أهم الصناعات في مصر والشرق الأوسط وهى صناعة الغزل والنسيج، وخاصة في الأزمة الأخيرة التي واجهت عمال المصنع، عندما صدر بحقهم أحكام جنائية تصل عقوبتها للسجن 25 سنة ضد 20 عامل، بالإضافة لإصدار قرار بتصفية المصنع، فخاض المعركة على جبهتين، جبهة إثبات براءة العمال وإلغاء الأحكام الصادرة بحقهم، وجبهة وقف قرار التصفية والحفاظ على المصنع والصناعة.

هنا نتعرف على شعبان عطية رئيس نقابة العاملين بشركة كفر الدوار وصباغي البيضا الذي يدلل على أهمية وجود تنظيم نقابي حر قوي داخل كل مؤسسة عمالية. 

قصة شعبان عطية.. كفر الدوار

 شعبان إبراهيم عطية، المولود في 1965 بمحافظة البحيرة، تعين بالمصنع عام 1982، وتدرج في التعيين حتى أصبح مدير إدارة كهرباء محطات القوى في شركة كفر الدوار وصباغي البيضا.

جاءت بداية الاهتمام بالعمل العام منذ بداية التسعينيات عندما انخرط في العمل الحزبي حيث كان عضوا بالحزب الوطني الديمقراطي المنحل، ثم ترشح للانتخابات النقابية داخل شركة كفر الدوار في الدورة الانتخابية عام 2006، حيث أصبح أمين عام الصندوق من العام 2006 وحتى العام 2018. 

ظل شعبان ( أمين صندوق)  بالنقابة وخلال تلك السنوات حاول زملاؤهمن أعضاء مجلس النقابة ترشيحه داخليا ليصبح رئيس نقابة العاملين بالشركة، ولكنه رفض لكون تلك الطريقة (الترشيح الداخلي) تجعل من رئيس النقابة أداة في يد أعضاء المجلس يفرضوا عليه طرقتهم فى العمل وهو كان يفضل أن يكون القرار من الجمعية العمومية لكل العاملين بالمصنع، فأرجأ ترشيح نفسه حتى الدورة الانتخابية الأخيرة 2018، على منصب رئيس النقابة ليأتي باختيار الجمعية العمومية.

جاءت نتيجة الانتخابات بحضور 55% من إجمالي عدد أصوات الجمعية العمومية البالغ 6000 عامل بسبب إجراء الانتخابات في شهر رمضان، ليحصل عطية على 2291 صوت، ليكون الفرق بينه وبين الذي يليه 1500 صوت.

هكذا تحدث عطية بفخر عن أهمية إجراء إنتخابات يكون الحق فيها فقط للجمعية العمومية هي التي تختار رئيسها، وبالتالي يكونوا في (ضهره) على حسب تعبيره، ويكون هو مصدر ثقة وأمان بالنسبة لهم.

اقرأ أيضا:

حكمت المحكمة: بعد “المؤبد” براءة.. قصة عمال كفر الدوار

 

واجه عطية العديد من الصعاب منذ توليه منصب رئيس نقابة العاملين بشركة كفر الدوار وصباغي البيضا، عندما كان عليه أن يحل أزمة صندوق العاملين الذي تم تفريغه من مضمونه واستولى عليه مديري الإدارات المتعاقبة حتى وصلت مديونيته إلى 30 مليون جنيه. 

لم تكن تلك هى آخر التحديدات التي واجهته، بل واجه ما هو أقوى يإصدار أحكام سجن تصل ل 25 سنة مؤبد ضد 20 عاملا، على خلفية مشاركتهم في احتجاجات داخل الشركة للمطالبة بمستحقاتهم في أواخر العام 2020.

لم يدخر عطية وقتا أو مجهودا، وكذلك لم يترك بابا إلا وتركه لإثبات براءة زملاءه، والتأكيد على حقهم في التظاهر والاعتصام والإضراب من أجل الحصول على حقوقهم وأن كل تلك الطرق مشروعة تماما.

قاد عطية زملاءه بشجاعة وأعلن أنه شخصيا كان ضمن أحداث الاحتجاجات وأنه تواجد وسط زملاءه خلال فترة الاحتجاج، وتواصل مع المحامين والمسؤلين والنقابة العامة للغزل والنسيج لوقف الأحكام العقابية ضد زملاءهم. 

وبالفعل أثبت براءة عماله من التهم المنسوبة إليهم حينها، وهى الاعتداء على رئيس مجلس الإدارة، وإحداث خسائر في الشركة، والإضراب عن العمل وغيرها من التهم.

 العمل النقابي ليس له حدود

بات واضحا ليس فقط للعمال بل للمسؤلين أيضا أهمية دور شعبان عطية ورجاحة عقله في إدارة الأزمة الأخيرة وبالتالي هو مصدر ثقة من زملاءهم وأيضا المسؤولين، وأدى دوره كما يجب أن يكون، تمثل ذلك أيضا في مشاركته في إدارة أزمة تصفية الشركة حتى تبدل القرار من التصفية إلى التطوير.

حيث كان من المقرر تصفية شركة كفر الدوار التي يقع مقرها الرئيسي في إطار منطقة محور المحمودية الذي يتم تطويره الآن لإنشاء مشروع بشاير الخير الإسكاني، وكان ذلك من أسباب احتجاجات العمال على مدار الفترة الماضية.

لكنه بعد كفاح مرير نجح شعبان فى استصدار قرار بإلغاء التصفية وتطوير المصنع، وتم الاتفاق على نقل ما يمكن نقله من آلالات إلى مقر آخر في فرع البيضا مع استقدام آلالات جديدة، وبناء وحدة إضافية داخل الشركة لتتحمل كثافة جميع العمال، وتطوير ذلك المقر ليصبح مجمع كفر الدوار للغزل والنسيج وصباغي البيضا، جاء ذلك بمشاركة بين الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والشركة القابضة لصناعة الغزل والنسيج، ويرجع الفضل الأكبر بعد نضال العمال إلى رئيس النقابة. 

هكذا يمنحنا شعبان درسا فى أهمية العمل النقابي وضرورة استقلاليته، وأهمية مشاركة العمال في اختيار من يمثلهم، وهذا هو الأصل في العمل النقابي.