لا يدري “أسامة عبدالسلام” عامل الصيانة في مصنع صلب حلوان، هل سيأتي عليه عيد عمال آخر وهو مازال في عمله أم لا؟: “إحنا في حالة نفسية صعبة أوي مش عارفين راسنا من رجلينا. بنروح الشغل ومش عارفين هنرجع له تاني ولا لأ”.
يعيش عبد السلام وزملاؤه في شركة الحديد والصلب حالة المجهول منذ 4 أشهر، وتحديدا في 11 يناير الماضي، حينما قررت الجميعة العمومية للمصنع تصفيته بسبب “خسائره الممتدة”، بعدها وافق وزير قطاع الأعمال على القرار.
37 عامًا في مصنع صلب حلوان
“أسامة” قضى 37 عامًا من عمره عاملًا في المصنع الذي عمل فيه والده من قبله. “الشركة إحنا اتربينا منها، إحنا أبناء عاملين خيرها علينا وعلى بيوتنا وعلى أولادنا”. ويضيف: “ارتبطت بالمصنع عاطفيًا لدرجة أن رصيد إجازاتي 380 يومًا. من سيعوضني عنهم”.
“عبدالسلام” يشير إلى أن سوء الحالة النفسية وشدة التفكير التي يعاني منها العمال. تلك الحال التي عرضت أحد زملائه للموت بعد أن سقط في “بونكر” الجير قبل أن يختنق فورًا ويفارق الحياة. “99% من العمال حالتهم سيئة أصبحنا نقع مكان عملنا ونموت”.
يعيش “عبدالسلام” وعدد كبير من زملائه على راتبهم الشهري الذي لايضمن أيًا منهم توفره بداية كل شهر جديد. خاصة أن ذلك يأتي وسط أجواء متوترة ومعلومات متضاربة عن الموعد المحدد لإغلاق المصنع. “قالوا إنه بعد إجازة العيد مش هنرجع للشركة تاني. إشاعة أو بجد؟ مش عارفين، إحنا بنروح الشغل ونحمد ربنا إن اليوم عدى”.
عمال صلب حلوان والعلاوة الدورية
لا يعلم “عبدالسلام” بقرارات الإدارة المتعلقة بمصيره، وعن التعويضات المقرر صرفها لهم. “لانعلم عنها شيئًا ولا ندري إن كنا سنحصل على العلاوة الدورية في شهر 7 أم لأ؟. إحنا بنعيش اليوم بيومه”.
يصمت قليلًا قبل أن يعود غاضبًا: “مين يشغلني بره في السوق، أبقى أنا وولادي قاعدين في البيت وكمان من غير معاش.. ربنا يتولانا”.
المحامي العمالي ياسر سعد، قال إن قانون المعاشات الجديد يفيد بأن من عمل لفترة 10 سنوات لن يتحصل على معاش. إذ أن تلك الفترة تعتبر الحد الأدنى للاشتراك في المعاشات.
أزمة المعاش المبكر
ويشير سعد إلى أن العاملين فوق 50 سنة لديهم أزمة قانونية. إذ يعتبر ذلك السن داخل شريحة المعاش المبكر. ما يستوجب حصوله على مكافاة نهاية خدمة بجانب التأمينات التي ستكون أقل من المعاش الكامل بمقدار الثلثين.
أما العاملين الذي أعمارهم 40 عامًا سيكون معاشهم أقل كثيرًا عن المعاش الكامل. بجانب إنه لن يجد شركة أو مصلحة أخرى للعمل فيها في تلك السن. خاصة أن سوق العمل الحالي لا يقبل بتشغيل من هم أكثر من 35 عامًا.
ارتباط “عبدالسلام” وزملائه بالشركة جعلهم يطرحون حلولًا ربما تؤثر على حالتهم المعيشية والأسرية. من بين تلك الحلول استقطاع 50% من رواتبهم الشهرية لضمان استمرار العمل. “لو قالوا للعمال هتشتروا أسهم هنبيع اللي نملكه ونشتري أسهم”.
مبادرة عمالية لحل الأزمة
“العمال يريدون العمل، لا يريدون التصفية“. يقول القيادي العمالي صلاح الأنصاري الذي ورغم خروجه للتقاعد يهتم بأحوال العمال إلى الآن.”لا أحد يعلم ماذا يحمل الغد. مصنع كبير بيتصفى، وطبقة عاملة بتفقد عملها ووظائفها وهتعيش على التعويض وتتحول لأصحاب معاشات”.
وعن أحوال العمال يوضح أن الحالة النفسية أسوأ من المالية. “لو عندي بنت لن أستطيع تجهيزها، بجانب فقدان وظيفة بالحديد والصلب. كيف ستكون أحوال تلك الأسر؟”.
عيد العمال هذا العام هو الثاني في ظل جائحة كورونا، ووسط اضطرابات وتوترات عمالية كبيرة. يقول مصطفى سلام مهندس تخطيط برامج وممثل العمال بصلب حلوان إن تأثير التصفية حتى الآن نفسي. خاصة إذا فكر العمال في المسستقبل. التأثير المادي لم يحدث بعد.
أزمة 7500 عامل
ويشير سلام إلى أنه رغم اتخاذ قرار التصفية في 11 يناير الماضي، لكنه لم يفذ حتى الآن. وعليه العمال يذهب العمال إلى مصتعهم ويتقاضون رواتبهم كاملة.
“أنا بنزل يوميًا وسط العمال والصدمة عليهم كانت قاسية”، يقول سلام. إذ يتحمل هو مسئولية تمثيل 7500 عامل. “لو العامل متأثر 1%، أنا بتأثر بتأثير 7500 عامل”.
يحاول عضو اللجنة النقابية أن ينشر جرعة من الأمل بين العمال. ويقول إن الشركة لن تغلق لعودة الطمأنينة.
لا يقف سلام بعيدًا عن العمال من التأثر النفسي الذي يخشى أن يتحول للتأثير المادي، فهو رب أسرة صغيرة. “نفسيًا مدمرين، نريد فقط أن نأكل عيش واستقرار معيشي ووظيفي لنربي أولادنا”.
الكنز الاستراتيجي
وعن التعويضات التي أعلنها وزير قطاع الأعمال بصرف مبالغ 225 ألف حد أدنى للعمال. يقول سلام: “سمعنا التصريحات زي باقي الناس ولم تطبق حتى الآن”. كما أكد أن العمال لم تتم دعوتهم إلى جلسات تفاوض حتى الآن بشأن حقوقهم ومستحقاتهم.
وانطلاقًا من اعتبار شركة الحديد والصلب بحلوان “كنزًا استراتيجيًا” يضغط العمال والمهندسين لاستمرار العمل، رغم التوتر الذي يعايشوه يوميًا.
كما يأملون في أن يغير الرئيس عبدالفتاح السيسي مصيرهم خلال احتفالية عيد العمال. موجهين له رسالة: “كما كتب التاريخ أنشأها الزعيم جمال عبدالناصر. يكتب التاريخ أنقذها الرئيس عبدالفتاح السيسي. عمال الحديد والصلب على أحر من الجمر للاطمئنان على مستقبلهم المهني والعودة إلى مصنعهم مرةً أخرى”.