أثار قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات التشريعية إلى أجل غير مسمى، لحين تضمين “القدس الشرقية” ضمن المدن التي ستشارك في الانتخابات، استياء عدد من الفصائل الفلسطينية، على رأسهم حركة حماس، التي أبدت رفضها الخطوة ووصفتها بـ”الانقلاب على حالة التفاهم الفلسطيني”.
أجريت آخر انتخابات في الأراضي الفلسطينية عام 2006. أي قبل 11 عامًا. وقد ظل خلال تلك الفترة محمود عباس رئيسًا لدولة فلسطين دون إجراء انتخابات حتى تقرر إجراؤها أخيرًا، وتقرر لها الشهر المقبل. قبل أن يعلن عباس -في بيان مفاجئ- تأجيل عقد الانتخابات لحين “ضمان” إجرائها في القدس الشرقية. لافتًا إلى أن دولة إسرائيل رفضت السماح للمقدسيين بالمشاركة في هذه الانتخابات. وأن التأجيل لأنه “لا تنازل عن القدس ولا تنازل عن حق شعبنا في القدس في ممارسة حقه الديمقراطي، إذا جاءت إسرائيل ووافقت بعد أسبوع، نعمل الانتخابات في القدس مثلما فعلنا عام 2006”. نافيًا أن يكون في الأمر مناورة سياسية. “فقط تثبيت للديمقراطية”.
لماذا ترفض إسرائيل إجراء الانتخابات بالمدينة المقدسة؟
تواجه إسرائيل أوضاعًا داخلية مضطربة. إذ عقدت انتخابات للمرة الرابعة في عامين دون الوصول إلى نتيجة تحسم من هو رئيس الوزراء الجديد. وقد تم تكليف “نتنياهو” بتسيير الحكومة لحين التوصل لصيغة نهائية حول شكل الحكومة ومن سيتولى رئاستها. ويبدو أنها اتخذت الأمر ذريعة لوقف العملية الانتخابية برمتها. خاصة بعد المواجهات الدامية التي وقعت بين الشباب المقدسي وقوات شرطة الاحتلال في باب العامود.
البعض يرى الأمر شماعة تتخذها إسرائيل من أجل تقويض عملية إنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية والعمل على رأب الصدع وعودة التواصل وتعظيم المصالحة بين كافة الأطراف.
وحسب مراقبين، فإن تل أبيب تستهدف إلغاء الانتخابات الفلسطينية وعرقلتها قدر الإمكان مما يترتب عليه من زعزعة التوافق بين الفصائل الفلسطينية وإشعال فتيل الأزمة من جديد، خاصة في ظل رغبة بعض الفصائل بشكل ملح في إجراء الانتخابات واعتبارها أن عملية التأجيل هي محاولة للالتفاف حول الديمقراطية وعدم احترام الأطراف الأخرى لصناديق الاقتراع، فضلا عن خروج فلسطين بصورة مسيئة أمام العالم.
حسب محمود عباس، فإن قرار إسرائيل يأتي لعدم وجود حكومة في إسرائيل حاليًا. وقد قال أبو مازن: “قبل أيام أبلغونا بعدم السماح بإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، وجائتنا رسالة نصها: نأسف يا جيراننا الأعزاء أننا لا نستطيع أن نعطيكم جوابًا بشأن القدس، السبب ليس لدينا حكومة لتقرر”.
حماس: تأجيل الانتخابات يعمق الانقسام
من جانبه، أبدى حازم قاسم المتحدث باسم حماس، انزعاجه من قرار تأجيل الانتخابات التشريعية في فلسطين. وأكد أن القرار يأتي ليؤكد أن الإرادة الفلسطينية رهنًا لقوات الاحتلال. مؤكدًا أن القرار سلبيًا ومن شأنه أن يفقد الثقة التي يتم بناءها بين الفصائل الفلسطينية المختلفة وتأمل في إنهاء مرحلة الانقسام والتحول إلى مرحلة التوافق والتواصل.
وأضاف قاسم في تصريح خاص: “بلا شك الانتخابات كانت مدخل لترتيب للمصالحة بشكلها الأكبر وسبيلاً لإنهاء الانقسام الحاصل لكن تأجيلها إلى حين موافقة إسرائيل والتي بدورها لن تمنحنا موافقتها من شأنه أن يثير زوبعة من التساؤلات حول مدى جدية السلطة الفلسطينية الحالية في إجراء الانتخابات”.
واستطرد: “تم تعطيل الأمر برمته وستبدأ التساؤلات تطرح نفسها، فضلاً عن إثارة موضوع الشرعيات خاصة أن الرئيس محمود عباس شرعيته انتهت منذ 11 عامًا، وتأجيل الانتخابات يعطي صورة سلبية عن الشعب الفلسطيني وقدرته على عمل انتخابات وأن يدير شؤونه الخاصة ويوجه رسالة للعالم بأن فلسطين تستطيع”. وتابع: “بالنسبة لنا فالأمر يعد انقلابًا على التوافقات الوطنية التي تم التوصل لها في القاهرة، وعمد إلى رهن الارادة الوطنية الفلسطينية للاحتلال”.
ماذا جرى في القاهرة؟
لعبت القاهرة دورًا حاسمًا في الاتجاه نحو الانتخابات بعد أن استضافت الحوار الوطني بمشاركة 14 فصيلاً فلسطينيًا على رأسهم “فتح” و”حماس”. لتذليل العقبات أمام كافة أطراف العمل السياسي الفلسطيني.
كما أن حوار القاهرة ساهم بشكل كبير في النقاش حول ترتيبات تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسة الفلسطينية. وفور انتهاء المحادثات التي استمرت على مدار يومي “8 و9 فبراير”، أعلنت “فتح وحماس“ التوصل مع باقي الفصائل إلى اتفاق على آليات إجراء الانتخابات.
الفصائل والقوى الفلسطينية اتفقت على آليات إجراء انتخابات المجلس الوطني والتشريعي والرئاسة. بما في ذلك تشكيل محكمة الانتخابات بالتوافق. كما أسفرت المناقشات عن وضع جدول زمني محدد لإجراء الانتخابات.
الفصائل قالت في بيانها الختامي: “الشراكة الوطنية مسار كامل يبدأ بانتخابات المجلس التشريعي، ثم الوطني، وأخيرًا الرئاسة. كما أنها ضرورة لاستكمال تشكيل المجلس الوطني بالانتخاب. بما يضمن مشاركة الكل في منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
فتح: لا انتخابات بدون المدينة المقدسة
في سياق متصل، قال حسين حمايل، المتحدث باسم حركة فتح، إن الفصائل الفلسطينية الوطنية لن توافق بأي حال من الأحوال إجراء انتخابات فلسطينية دون المدينة المقدسة. لافتًا إلى أن الجميع اتفق على ألا يتم تمرير الانتخابات دون مشاركة المقدسيين.
وأضاف حمايل، في تصريح خاص، أن الجميع يريد ويتمنى الانتخابات ولكنها ليست أهم من المدينة المقدسة. وهناك مجموعة من الإجراءات من المقرر أن تتخذ لها علاقة بالحكومة الفلسطينية. فضلاً عن اجتماع للمجلس المركزي. على أن يتم وضع خطة عمل مشتركة بين كل الفصائل الفلسطينية. وذلك من أجل أن يكون هناك ضغط على دولة الاحتلال لكي توافق على أن تقيم الانتخابات الفلسطينية في كل أراضي الدولة خصوصًا القدس.
وأشار المتحدث باسم حركة فتح إلى أن هناك مخطط أن تقام انتخابات بصيغة أو أخرى. ثم تأتي إسرائيل وتقول للعالم إن الفلسطينيين تنازلوا عن القدس ووافقوا على صفقة القرن. وهذا غير صحيح ولن نقبل به. أما الشعارات والتظاهرات والشعباويات التي يقوم بها البعض ليس لها أهمية -في إشارة لرفض حركة حماس تأجيل الانتخابات- وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح ونحن كحركة فتح بالنسبة لنا هذا موقف وطني متأكدين من سلامته.
وتابع: “أما فيما يخص بعض الكتل البرلمانية التي يصرح مسؤوليها ليس لديهم أي قدرة على عمل أي حراك سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي وهم يعلمون أن ترشح البعض للانتخابات لديه قناعة بأنه لم يستطيع تحت أي ظرف أن يجتاز نسبة الحسم وعلى الجميع الالتزام بالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني هي منظمة التحرير والقيادة الفلسطينية هي من تقرر والباقي زوبعة في فنجان.. ونحن كفصائل فلسطينية موضوع القدس اتفقنا أن القدس شرطًا لإجراء الانتخابات والجميع وقعوا إنه من المستحيل إجراء انتخابات بدون القدس”.