حقائق سبع ينتهي إليها أحدث استطلاعات الرأي http://www.arabyouthsurvey.com/ar/pdf/download-whitepaper-ar/AYS-2020-WP_ARA_0510_Single_Final.pdf فيما يخص الشباب المصري في المرحلة العمرية ١٨-٢٤ عامًا:

1- الهجرة: ربع الشباب المصري (26٪؜)في هذه السن فكروا في الهجرة.
2- الاحتجاجات: أربعة من كل عشر مستطلعين (40%) يتوقعون حدوث احتجاجات ضد حكومتهم خلال العام المقبل.
3- الفساد: يري أكثر من ربع الشباب المصري (27%) أن الفساد الحكومي منتشر بشكل واسع.
4- 20% من الشباب المصري مدين شخصيًا في هذه السن، ويتوقع أن تزداد ديون أسرته بعد كورونا.
5- الوظائف: معظم الشباب قلقون من إمكانية الحصول علي وظيفة (تصل هذه النسبة إلى 87%؜ من الشباب العربي). مع عدم ثقة في قدرة الحكومة على حل المشكلة (النصف تقريبًا).
6- الهوية: ثلثي الشباب المصري (69%؜) يعتبرون الدين هو العنصر الأهم لهويتهم الشخصية؛ متقدمًا علي الهويات الأخرى جميعًا بما فيها الوطنية منها.

7- المساواة بين الجنسين: ترى معظم الشابات المصريات أنهن يتمتعن بحقوق متساوية مع الرجال (تصل هذه النسبة في منطقة شمال أفريقيا التي مصر جزء منها وفق الاستطلاع إلي 62%؜). وإذا أضيفت نسبة 13%؜ يرون أنهن يتمتعن بحقوق تفوق الرجال نكون بإزاء توجه مسيطر في إدراك الشابات لتمتعهن بالحقوق المتساوية.

هذه الحقائق وغيرها كثير مما تحويه عديد الدراسات يجب أن تقرأ في إطارين محددين: السياق الأوسع الذي تتحرك فيه، والنموذج المعرفي/القيمي الذي يصدر عنه الشباب الآن بغية بناء نموذج تنموي لتمكين الشباب المصري الذي يمثل الكتلة السكانية الأكبر.

تطلعات الشباب المصري

جل الشباب المصري يتطلع إلى سياسات أفضل، وفساد أقل، وفرص وظيفية أفضل، ومنظومة تعليمية أحدث. وهذه ليست مطالب ثورية إلا إذا كانت الثورية أو الاحتجاجات مطلب أساسي لتحقيقها. طموحهم الهجرة إلى بلد آخر في السنوات العشرة المقبلة. ويأتي التفكير في الهجرة من تردي الأوضاع الاقتصادية واستشراء الفساد. ويلي ذلك نقص فرص التعليم والبحث عن تجارب جديدة.

مع جائحة كورونا زاد ميل الشباب للبحث عن فرص أفضل خارج بلدانهم، فلدي طرح السؤال التالي: “هل جعلك تفشي كوفيد-19 أكثر أو أقل ميلاً للهجرة إلي دولة أخرى؟” أبدي ما يقارب الثلث (33%) رغبتهم في الهجرة بفعل تداعيات الوباء.

تفشي الفساد وسوء الإدارة والافتقار إلى الوظائف وغياب العدالة الاجتماعية. هي الأسباب التي تقف وراء توقعات خمسي الشباب المصري بوقوع احتجاجات. ويلاحظ أن هذه النسبة تتقارب مع الأردن (39%؜) وأكثر 12 نقطة عن المغرب (28%؜)، وأقل من اليمن وتونس بـ١٦ نقطة (56%؜ لكلا منهما).

ولدي سؤالهم عما إذا كان تفشي الجائحة يرجح أو يستبعد اندلاع الاحتجاجات ضد حكومة بلدانهم، رجح نحو أربعة من كل عشرة من الشباب المصري (41%؜) أن يحدث ذلك. وجاءت الأوضاع الاقتصادية في مقدمة الأسباب. وتلتها قلة فرص العمل. ثم السياسات الحكومية وخدمات الرعاية الصحية.

هنا ملاحظة جديرة بالاعتبار. وهي أن وعي هؤلاء الشباب قد تشكل بعد ثورة يناير 2011 فمن كان عمره 18 سنة العام الماضي لم يكن يتجاوز العاشرة حين اندلعت الانتفاضات العربية في موجتها الأولي. ومن كان عمره العام الماضي 24 عامًا كان لا يتجاوز الـ15عامًا عند اندلاع الثورة.

حساسية الشباب تجاه مسألة الفساد الحكومي مرتفعة، فأولوية الشباب المصري تتطابق مع الشباب العربي حين يجعل محاربة الفساد أولوية له في السنوات العشرة المقبلة. ويليه توفير فرص عمل جيدة الأجر.

وتجد حساسية الشباب تجاه مسألة الفساد جذورها في حالة التطهر القيمي التي تتسم بها هذه المرحلة العمرية. كما تدل استطلاعات رأي آخر أن المحسوبية تمنعه من الحصول علي وظيفة مناسبة.

ومن الغريب أن خمس الشباب المصري مدين شخصيًا في هذه السن المبكرة. ويتوقع -بعد الجائحة- زيادة هذه الديون وخاصة فيما يخص أسرته (الاتجاه العام لدي الشباب العربي أن تزيد الديون بمقدار الثلث). وهنا يحسن أن نلتفت أنه نتيجة الضغوط الاقتصادية على الأسر المصرية، فإن كثيرًا من شبابها بات يتحمل مسؤولية أكبر تجاه توفير متطلبات المعيشة تخفيفًا علي أسرته. وهذا يمنحه استقلالية أكبر تجاه السلطة الأبوية في العائلة والمجتمع والسياسة. إلا أن حساسية هؤلاء الشباب تجاه أوضاع أسرهم الاقتصادية مما تؤكده عديد الدراسات.

وبالإضافة إلى مشكلة التعليم، فإن الثلثين تقريبًا يجدون صعوبة في توفير فرص عمل مع تفشي كورونا. كما أصيب الخمس تقريبًا بصدمة لفقدانهم أو أحد من أسرتهم وظيفته.

ويعمق من ذلك أن غالبية كاسحة من الشباب المصري (تصل إلى 87%؜ من الشباب العربي) قلقون من البطالة. ويعتقد 69%؜ من المستطلعين أن إيجاد فرص عمل بعد كورونا بات أصعب.

ويحظي الدين بأهمية خاصة بالنسبة للهوية الشخصية لدى الشباب المصري. فمصر ثالث دولة عربيًا بعد الجزائر (72%؜) والسودان (70%؜) يحتل فيها الدين أولوية. وقد ترسخ هذا التوجه على مدار الخمس سنوات الماضية. فقد كان 50%؜ في 2015. وارتفع إلى 67%؜ في 2020 بينما كان 66%؜ في 2019. ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة مع تفشي الجائحة وبروز تداعياتها. وربما يجد هذا التصاعد تفسيره في تجاوز أداء الإسلاميين السلبي عقب الربيع العربي. بالإضافة إلى القضاء على تجربة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

وبرغم بروز المكون الديني لدي الشباب المصري إلا أنه لايزال في بحث عن صيغ جديدة لتدينه؛ بديل عن الإسلاميين بجناحيهم الكبار الإخوان والسلفيين، كما لا يرضيه نمط التدين التي تطرحه المؤسسة الرسمية؛ فثلثي الشباب المصري (66%؜) يرون حاجة المؤسسات الدينية للإصلاح.

تحولات الظاهرة الدينية وسط الشباب والشابات مما يستحق المتابعة؛ فهي ظاهرة ديناميكية متحركة لا تتسم بالثبات وتحمل الجديد دائمًا، وبات الصراع حول أنماط التدين -أو ما أطلق عليه روح الإسلام-https://heshamgaafar.com/2021/03/31/الربيع-العربي-والصراع-على-روح-الإسلام/ في مصر وفي الإقليم أحد محاور الاستقطابات، وأخيرًا؛ فلا يزال الإسلام لديه القدرة على اجتذاب المنطقة اليوم، كما أن الطريقة التي تتعامل بها الميول الفكرية الإسلامية المختلفة مع الأزمات المتعددة التي تواجه المنطقة في السنوات المقبلة ستؤثر على الدور المتطور للدين فيها على المدى الطويل.

سمات ست ميزت تدين الجامعيين من شباب وشابات مابعد الثورة؛ فهو ذو طبيعة فردية، نواته الصلبة لا تتكون بالتنظيمات وإنما بشبكية التفاعلات وكثرة المبادرات التي يجمعها علم شرعي، وتصوف عاطفي، وتتشكل ملامحه على السوشال ميديا وبالممارسة العملية لا الخطاب الأيديولوجي، ويتميز بحضور نسائي طاغ، وموقفه من السياسة لم يتحدد بعد وإنما ترسمه السياقات وتطورها.

هذه السمات تجد تفسيرها في نموذج السوشال ميديا باعتباره نموذجًا معرفيًا https://heshamgaafar.com/2021/03/06/الثورة-المصرية-والإعلام-الجديد-قراءة/

والذي دعمته سردية الربيع العربي.

نموذج معرفي/قيمي شبابي جديد

يجادل كاتب هذه السطور مبكرًا أن الإعلام الاجتماعي أو ما يطلق عليه السوشال ميديا ليس مجرد أدوات تستخدم وإنما هي تعبير عن نموذج معرفي جديد تعود بداياته إلى العقد الأخير من القرن العشرين؛ بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والذي دشن بداية تجاوز الأيديولوجيات الشاملة القادرة علي تقديم تفسير كامل لماضي الإنسان وحاضره ومستقبله مع ادعاء بالقدرة على حل مشاكله كافة.

السوشال ميديا ليست مجرد أدوات تستخدم وإنما تعبير عن قيم وممارسات مدارها حول:
1 ــ الفردانية = الفرد الذي تعاظم دوره فى إنتاج المحتوى وتدويره والتفاعل معه وذلك فى مقابل المؤسسة المحترفة التى كانت تستقل بإنتاج المحتوى، كما ازدادت مساحة تعبير الفرد عن ذاته.

2 ــ تعاظم قيمة الحرية القائمة على الإقناع/الدعوة فى مقابل الضبط السلطوى.

3 ــ الاعتراف بالتنوع/التعدد بما يعنيه من انفتاح على الذات المتنوعة، والآخر المختلف.

4 ــ النفع والعملية: الذى يعنى تجاوز الأيدلوجى الذى اختص بالإجابة عن الأسئلة الكبرى، إلى البحث عن إجابة للأسئلة الصغرى.

فالخطاب الفاعل الآن هو خطاب المعاش الذى يهدف إلى تحسين نوعية حياة الناس بشكل عملى.

5 ــ بين الخصوصية والبحث عن المشترك الإنسانى: هناك اتجاهان يتنازعان العالم الآن، والإعلام الاجتماعي هو المنصة Plate Forum التى يتحرك عليها ويغذيها ،الاتجاه الأول: الإرتداد للخصوصيات المحلية والثقافية والولاءات دون القومية ،والاتجاه الثانى: توسعة المشترك الإنسانى بحكم إدراك أن التحديات التى تواجه البشرية مشتركة.

6 ــ غياب المركز/المطلق/المرجعية: فهناك سيولة شديدة فى المحتوى المقدم وقد أدت هذه الظاهرة إلى: عدم العمق الثقافى والمعرفى، فتدفق المعلومات لا ينشئ بالضرورة معرفة،بالاضافة إلي  انقضاء فكرة الخطاب السديد، والقول النهائى، والتحول إلى فكرة القول المناسب الذى يعنى مناسبته أو ملائمته فى ظل ظرف زمنى ومكانى ومجتمعى محدد،كما أصبحت النسبية الشديدة فى القول والفعل هى الحاكمة لمجمل النموذج المعلوماتى المقدم فى السوشال ميديا.

7 ـ الاستهلاك الشره والسريع للمحتوى والرموز والمؤسسات التى تنتج المحتوى، والخدمات التى تقدم.. إلخ، فهناك تجاوز سريع ومتسع لها.

8 ـ تعاظم قيمة المعرفة التى لم تعد محلية بل عالمية ، وتقوم على التشاركية فى إنتاجها،والفجوة فيها يمكن تجاوزها؛ أقصد الفجوة بين متقدم ومتأخر ،كما أصبحت مراكزها متعددة، ويمكن الوصول إليها ،وتحولت من الاعتماد على المقروء فقط سابقا إلى تكامل وتعدد وسائطها مع وزن نسبي أكبر للمرئي والمسموع.

تدلنا عديد الدراسات عن الشباب المصري الآن https://www.un.org/ar/esa/ahdr/pdf/ahdr16.pdf

أنه بات يصدر عن هذه القيم في علاقاته بمن حوله، فهو يرفض الأبوية أيًا كان شكلها في الأسرة والمجتمع والدين والسلطة السياسية، وأصبح أكثر عملية فأيديولوجيته: حكومة لائقة، ووظيفة لائقة، وفرص لائقة، وتعليم لائق. كما أنه أكثر اعتناء بالحرية في ظل تعدد الاختيارات أمامه في كل مجال. وبالطبع أكثر انفتاحًا على العالم وتطلع للاندماج فيه دون خوف أو وجل منه، وكل هذه العوامل تجعله في عدم رضا متصاعد عن واقعه.

تتحدد ملامح الجمهورية الجديدة لدي الشباب -إذن- من أجندتين تتضافر عناصرهما وتتكامل مع بعضهما البعض؛ أجندة مطلبية وأخري قيمية/معرفية، أولوية الأولي مكافحة الفساد والبطالة وتوفير تعليم وخدمات لائقة، وفي الثانية حرية وتعددية وانفتاح علي العالم وحضور للنساء بشكل حقيقي لا احتفالي.

للاطلاع على سلسلة مقالات الجمهورية الثانية للكاتب.. اضغط هنا