انتشرت إعلانات التطوير العقاري والمجمعات السكنية الموسم الرمضاني الحالي بشكل كبير ولافت. إذ تنوعت تلك الإعلانات بين “الكومبوندات” السكنية، أو تلك المخصصة للمصايف في البحر الأحمر أو في الساحل الشمالي. بأسعار كبيرة لا تتوافق مع دخول معظم الشعب المصري.
تزامن هذا مع حالة من السخط والسخرية من قبل المشاهدين، الذين عبروا عن تلك الحالة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
من مظاهر حالة السخرية، الصور التي انتشرت لأحد مواقع المنتجعات السياحية في الساحل الشمالي، وهي عبارة عن أرض فضاء. خالية من البشر أو الحجر، ما أثار شكوك البعض حول مدى مصداقية الإعلانات التي تتم إذاعتها طوال الشهر الكريم.
وانتشرت تعليقات حول شكاوى من الشركات العقارية، ومدى التزامها مع العملاء، والتأخير في تسليم الوحدات أو تشطيبها. في ظل أسعار خيالية تستوجب حالة من الالتزام من جانب الشركات والمطورين العقاريين.
السكنية والمصيفية.. القطاع العقاري و”المطور العقاري”
في 2019 تعرض القطاع العقاري لضربة عندما تعددت شكاوى الحاجزين لعدد كبير من الوحدات بعد تأخر تسليمها أو الانتهاء من توصيل المرافق. ما تسبب في ظهور مشكلات لعدد من الشركات وانتشار تلك الشكاوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
ما زاد المشكلة أن ذلك حدث رغم انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع أسعار الوحدات العقارية بالتزامن مع قرارات الإصلاح الاقتصادي.
أبراج مصر
في 2011 بدأت شركة أبراج مصر عملها بإبرام عدد من العقود التي يمكن تسميتها بـ”الكبرى”. إلا أن حدوث أخطاء في إجراءات التراخيص وتأخر تسليم الوحدات ومخالفة الشروط أدى إلى رفع العملاء مئات القضايا ضد الشركة ورئيس مجلس إدارتها المهندس علي ربيع. كذلك اتهموه بالنصب والاحتيال في قضية جديدة عام 2020.
موسى كوست
من ناحية أخرى نظم العشرات من ملاك وحدات قرية موسى كوست رأس سدر التابعة لشركة مصر إيطاليا. عددًا من الوقفات المتتالية أمام الشركة للاحتجاج على الإهمال الذي طال المشروع. كما وصفوا بالأمر بـ”بيع الوهم” واتهام الشركة بعدم الالتزام بمواعيد تسليم المشروعات.
عدد كبير من المتضررين قالوا إن المباني التي تم بناؤها غير مطابقة للمواصفات. كما أن التلاعب في الأساس الهندسي تسبب في شرخ العديد من الوحدات العقارية ما جعلها معرضة للانهيار. فضلًا عن عدم توافر الخدمات والمرافق المتفق عليه في العقد والتأخر في التسليم.
وادي دجلة السخنة
في 2019 حرر عدد من ملاك المرحلة الأولى والثـــانية في قرية بلومار السخنة أحد مشروعات شركة وادي دجلة العقارية، محضر إثبات حالة لقسم شرطة عتاقة. لعـدم بناء بعض شاليهات المــلاك. كذلك عدم وجـــود مــرافق من عدادات مياه وكهرباء داخل الشاليهات أو وجود خدمات. ورغم أن الشركة تبني أحد أصغر مشروعاتها “تيجان” منذ سنوات بعد التعاقد على مواعيد تسليم.
وتعرف الأمم المتحدة الحق في السكن بـ”الحق في العيش في مكان ما بآمان وسلم وكرامة”. وتضمن الدساتير المصرية الحق في السكن في أكثر من مادة. وتنص على أن الحق في المسكن الملائم والمياه النظيفة والغذاء الصحي هي أمور مضمونة بموجب هذا الحق. إلا أن عدد كبير من المواطنين وقعوا ضحايا النصب العقاري دون وجود من يحمي مصالحهم أو يساعد في إرجاع حقوقهم.
الدولة لا تتدخل أو تقترب
يقول الدكتور طارق نجيدة المحامي بالنقض إن 90% من المشروعات السكنية تتبع إحدى الجهتين. الأولى “الهيئة العامة للتنمية السياحية” أو “الهيئة العامة للتخطيط العمراني”. كما أن قرارات التخصيص الصادرة من الهيئتين تضم شرطًا مكتوبًا بوضوح شديد أنه لا يجوز للجهة المتعاقدة أن تبيع أي وحدة إلا بعد انتهاء المشروع وموافقة الجهاز عليه بالكامل. ما يسري أيضًا على الكمبوندات وحتى أراضي الأهالي.
كذلك تابع، أن للأمر ضمانتين. الأولى أن تكون الشركات جادة ولا يقع المواطنين ضحية للنصب. الضمانة الثانية أن تكون الوحدات بدون مخالفات يدفع ثمنها الشاري. “بالتالي لابد من توجيه سؤال لماذا يغض المسئولون الطرف عن المشروعات التي يتم تسويقها دون حتى أن يتم تسوية الإجراءات؟”. يقول نجيدة.
كما أضاف أن جميع العاملين في قطاع التسويق العقاري والدعم القانوني لهذه المشروعات في حالة تشبع شديد. نتيجة أن أغلب هذه المشروعات تتحدث عن 5 سنوات مقبلة. أو ما يعني أن المطور العقاري يجمع الأموال من المشتريين لكي يبني بالفعل. كذلك أوضح نجيدة أن هذه مخالفة كبيرة.
ووفق المحامي بالنقض، يحدث نتيجة ذلك امتصاص السيولة الموجودة في الأسواق واستثمارها في غير مكانها. كما أصبح من يملك أرض يطلق العنان للتسويق ويزيد من تشبع الأرض. وبالتالي أصبحت السوق العقارية في ورطة كبيرة.
كما أكد أن جميع أطراف السوق في مصر بحاجة مُلحة لقانون يراقب التطوير العقاري. بينما تتحكم تشريعات هزيلة في مشروعات كبرى كذلك فأن العلاقة بين المشتري والمطور والجهاز والمناطق المحلية، تحتاج أن يكون هناك قانون لتنظيمها وليس لتحصيل رسوم فقط.
وأشار إلى أنه لابد أن يكون هناك حظرًا لأيّ إعلانات لبيع مشروع عقاري لم تكتمل بنيته التحتية من شبكات ومرافق وحدائق بنسبة 80% على الأقل.
المستثمر رقيب نفسه
من ناحيته علق الدكتور محمد إبراهيم جبر، أستاذ التخطيط العمراني بجامعة عين شمس، أن هناك فوضى في التسويق العقاري. كما أن هناك شق يرتبط بالتراخيص يفترض أن يكون للمستثمر فيه دور مع الدولة. لكن ما يحدث أن دور الدولة ينتهي بإصدار التراخيص ووضع صورة عاملة للمشروع قبل التنفيذ. وبالتالي الرقابة شبه معدومة على سوق التطوير العقاري.
ويتابع: “وجود الدولة منوط بالموافقة على التراخيص فقط أما الاستثمار أو الإعلانات الدولة لا تتدخل فيها، ما يجعل المواطن يتعرض للاحتيال والنصب. وهنا التدخل لابد أن يحدث لحماية حق الشاري في تسلم الوحدة وفقًا للعقود وجدية التسليم خلال الجدول الزمني الذي ينص عليه العقد. وفي كلا الأمرين المستثمر والمطور يكون منه لنفسه”.
كذلك أشار إلى أن الجزء المتعلق بالمعاملات المالية وحركة البيع والشراء الدولة لا تتدخل فيها لذلك تكثر المشكلات السكنية. وارد جدًا أن يتعثر مستثمر أو تحدث مشكلات مكاسب وخسائر وبالتالي اقتراب الدولة يحافظ على حقوق الفئات المستهدفة. كما أنه من الجوانب السلبية أيضًا المضاربة في الأسعار والتحرك فيها بصورة غير حقيقية ما يهدر منظومة العمران في المجمل”.
كما أكد أن فكرة التقسيط على 7 سنوات وأكثر تعطي انطباعًا بوجود حالة من الركود، ومعظم العروض السكنية لفئات محددة التي تستطيع الشراء. “ما يأخذنا إلى أهمية إيجاد تشريع لتنظيم سوق التطوير العقاري وحينها لا يحق لأيّ مطور اعتراض التشريع. اقتراب الدولة ولو خطوة واحدة مهم للغاية”.
جهاز حماية المستهلك
من ناحية أخرى أوضح الدكتور أحمد سمير، رئيس جهاز حماية المستهلك في تصريحات سابقة أنه طبقًا للمادة 15 من قانون حماية المستهلك. يحق للجهاز التدخل في 3 إشكاليات، أولًا الإعلانات المضللة، ثم تأخير التسليم، وأخيرًا عدم الالتزام بالمخططات التي تضمنها الإعلان.
وأضاف أن الجهاز يحيل الشركة للنيابة والمحكمة الاقتصادية. فضلًا عن إصدار قرارات ملزمة برد المبالغ المالية المحصلة من العملاء محملة بفائدة البنك المركزي طوال مدة التحصيل.
كذلك أكد أنه بالنسبة للإعلانات المضللة من قبل بعض الشركات، فأن الجهاز يفحصها ويعرف كيفية نزولها والوسائل التي تم نشر الإعلان فيها. مع اتخاذ عدد من الإجراءات أبرزها إلزام الشركات برد المبالغ المالية محملة بالفوائد للعملاء. وحال رفض الشركة تتم إحالتها للنيابة والمحكمة الاقتصادية، بتهمتين الأولى: الإعلان المضلل والثانية: عدم تنفيذ قرار الجهاز.
لكن ماذا نعرف عن شروط السكن السليم؟
الباحثة المساعدة في العمران، ضحى إبراهيم، قالت إنه من حق المواطن سكن آمن بشرط ضمان أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة. مضيفة أن الحكومة في مصر تزحف خارج العاصمة، عبر إنشاء طرق لا تناسب حجم الإنسان العادي، وإهدار الكثير من المساحات. بينما يتم تفريغ المدينة من وجهها الحضاري، وإقرار سياسة الأمر الواقع، بدلاً من التطوير عبر الحوار المجتمعي.
قانون تنظيم التطوير العقاري
من ناحية أخرى، أعلنت لجنة الإسكان بمجلس النواب السابق استعداد الحكومة لإحالة مشروع قانون جديد لـ”تنظيم نشاط التطوير العقاري”. اللجنة قالت إن ذلك يمنع عمليات النصب، التي تتم على المواطنين في السوق العقارية من جانب بعض الشركات، واتخاذ إجراءات رادعة ضد “الشركات الوهمية والنصابين”.
وتحدث مشروع القانون عن أن البعض يبيع وحدات سكنية غير موجودة أو مبنية على أرض مملوكة للدولة، أو يتم التأخر في تسليمها لسنوات طويلة. فضلاً عن وجود بعض المواد لتنظيم عملية البيع في القطاع العقاري بشكل عام لضمان حقوق المواطنين والمطورين. لكن القانون لم يتم البت فيه حتى الأن.