“انتِ طالق يا هنا” رسالة صوتية أرسلها حازم “محمد ممدوح” لزوجته هَنا “منى زكي” في مسلسل “لعبة نيوتن” في أعقاب غضبه من عدم ردها على رسائله. المشهد أعاد إلى الواجهة جدل الطلاق الشفوي بين المتابعين.
في “لعبة نيوتن” وهو مسلسل يعرض ضمن ماراثون الدراما الرمضانية، يحاول الزوج المؤذي نفسيًا كما يبدو من ردود أفعاله. إعادة زوجته التي سافرت لتنجب في أمريكا طمعًا في الجنسية. عبر الحلف بالطلاق “على الفاضي والمليان” وأخيرًا وصل الأمر إلى تطليقها.
لاحقًا يحاول الزوج “السابق” -وفقًا لإرادته- تهدئة الأوضاع، وإرجاع المياه إلى مجاريها. لكن زوجته التي ملت اتهاماته لها بالباطل، وعصبيته، تقرر الزواج من آخر. فينتج عن ذلك مأزق درامي وديني، حيث تصبح “هَنا” زوجة لرجلين حتى ولو في مسلسل “لعبة نيوتن”.
الحقيقة أن المأزق ليس درامي على إطلاقه فأزمة الطلاق الشفوي والاختلاف على ألفاظه، توقع النساء المسلمات بشكل عام في حيرة من أمرهن. ففي حين يكون الطلاق الشفوي قرارًا يتخذه الطرف الذكر، يلقى العبء في إثباته على الأنثى.
السيسي وأحمد الطيب.. “تعبتني يامولانا”
سبق الحديث الدرامي في “لعبة نيوتن” مشهد آخر كان بطليه الرئيس عبدالفتاح السيسي والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر 2017 خلال احتفال ذكرى ثورة 25 يناير.
في المشهد انتقد السيسي ارتفاع معدلات الطلاق في مصر بشكل لافت. قال أيضًا إنها فاقت كل التوقعات بحسب المركزي للإحصاء ووصلت إلى 40%.
وجد السيسي في هذا الأمر تهديداً للأسر والعائلات وتفتيتًا لتماسكها. إذ يتطلب التدخل وتغيير القوانين لمنع “الطلاق الشفهي”. كذلك اشتراط أن يكون “الطلاق مكتوبًا” كفرصة يراجع فيها الزوجان موقفهما.
بينما اتخذت هيئة كبار العلماء في الأزهر قرارًا سابقًا برفض الطلاق الشفهي. إثر انتهاء لجنة تم تشكيلها لهذا الغرض من بحث القضية، من مختلف جوانبها الشرعية. ردًا على ما ورد في كتاب الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر.
كتاب الهلالي حمل عنوان “فقه المصريين في إبطال الطلاق الشفوي للمتزوجين بالوثائق الرسمية”. إذ انتهى فيه إلى جواز منع الطلاق الشفهي والاعتماد على الطلاق عبر الوثائق.
غير أن لجنة الأزهر من جميع المذاهب الأربعة بالإضافة إلى مختصين في التفسير والحديث والتاريخ وأحد القضاة، خلصت إلى رفض منع الطلاق الشفوي.
التأصيل التاريخي والطلاق الشفوي المجمد
وحول الطلاق الشفوي والتأصيل للرأي الفقهي الرافض له، يقول الدكتور سعد الدين الهلالي في كتابه: “الطلاق الشفوي أحد أهم الفتاوى المتجمدة. تلك التي توقف فيها عقل أوصياء الدين عند زمن ما قبل الأول من أغسطس سنة 1931م عندما صدرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. بالمرسوم بقانون رقم 78 والذي ينص في مادته رقم (17) على: “لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج. في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية”.
كما تابع: “مع أن الزوجين استدعيا مندوب الدولة باختيارهما، وتوجهت إرادتهما إلى توثيق العصمة رسميًا بما يجعلهما على بينة من أمرهما. وأن الزوجة في ظل هذا التوثيق لا تملك في القضاء الشرعي أمر نفسها ولا تبدأ عدة الطلاق إلا من يوم تحرير طلاقها رسميًا. كما أن الزوج لا يملك في القضاء الشرعي الزواج بخامسة وعلى ذمته رسميًا أربع نسوة حتى ولو زعم طلاقهن شفويًا. وكأن الزوج بتوثيقه لعقد زواجه رسميًا قد اشترط على نفسه أن لا يحدث طلاقًا شرعيًا إلا بالتوثيق الرسمي مما يجعل طلاقه الشفوي لغوًا”.
كذلك عملًا بما أخرجه البخاري عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج”. خاصة وأن تعريف الطلاق عند الفقهاء هو “حل رباط الزوجية بلفظ الطلاق ونحوه” وليس مجرد التلفظ بالطلاق.
القانون رقم 78 لسنة 1931
وهذا ما كانت المادة (17) من المرسوم بقانون رقم (78) لسنة 1931 تهدف إليه. لذلك صدر فيما بعد القانون رقم 100 لسنة 1985 المعدل للقانون رقم 25 لسنة 1929 بشأن بعض أحكام الأحوال الشخصية. وأضاف المادة الخامسة مكرر والتي تنص: “على المطلق أن يوثق إشهاد طلاقه لدى الموثق المختص خلال 30 يومًا من إيقاع الطلاق. وتترتب أثار الطلاق من تاريخ إيقاعه إلا إذا أخفاه الزوج عن الزوجة. فلا تترتب أثاره من حيث الميراث والحقوق المالية الأخرى إلا من تاريخ علمها به”.
وكان الناس قديمًا قبل الأول من أغسطس سنة 1931 يبرمون عقد الزواج شفويًا فكان المنطق الطبيعي أن يتم حل هذا الرباط بلفظ الطلاق الشفوي. أما بعد توثيق الناس لعقود زواجهم رسميًا فإن طلاقهم يجب أن لا يتم إلا بالتوثيق الرسم. إذ أنه السبيل الوحيد لحل رباط الزوجية الرسمي.
وكان الشيخ الراحل جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر تقدم بمذكرة علمية إلى مجمع البحوث الإسلامية. لعدم احتساب الطلاق الشفوي للمتزوجين رسميًا إلا أن صوت الأوصياء كان هو الأقوى، على حد قول سعد الدين.
سعد الدين اعتبر أيضًا أن إلغاء الطلاق الشفوي بمثابة حفظ كرامة الإنسان وحرمة أسراره وصون أسرته. فكم من تتابعات مهينة تقع بسبب الفتوى المتجمدة بوقوع هذا النوع من الطلاق، للمتزوجين رسميًا. أدناها إفشاء تاريخ العلاقة الزوجية السابقة للطلاق الشفوي للوصي الديني حتى يتفضل على الزوجين بإفتائهما بمذهب الظاهرية. ومن وافقهم بعدم وقوع الطلاق البدعي. وأعلاها الفتوى بالمحلل والذي قد يتطوع الوصي الديني بترشيحه إذا كانت الطلقة ثالثة.
تناقض التناقض ومسألة الطلاق الشفوي
وجهة النظر السياسية التي ترى في إلغاء مسألة الطلاق الشفوي، خفضًا معدل الطلاق، تختلف في مضمونها عن وجهة نظر الهلالي. إذ يرى الأخير أن فيها حفظًا لكرامة الانسان، وصونًا لأسرار الأسرة.
كما أنهما يناقضا تمامًا رأي المفتي السابق الشيخ علي جمعة، الذي قال إن إلغاء الطلاق الشفوي، لا يخفض نسب الطلاق. كذلك لا يحفظ استقرار الأسرة، بل على العكس سيكون الأمر سببًا في إحداث فتنة، وصفها بالمصيبة. إذ قد يمتد أثرها إلى الأمن القومي لعموم البلاد.
وثق جمعة رأيه بالرجوع لإحصائيات دار الإفتاء التي تقر، أن من بين 3300 سؤال عن الطلاق، تم الإفتاء في 3 حالات فقط بجواز وقوع الطلاق. وهو ما رأى فيه الشيخ حفظًا لكيان الأسرة المصرية.
لكن وفي لقاء متلفز، وحين بادرت مشاهدة بالسؤال عن صحة زواجها، إذ طلقها الزوج شفويًا، كما أنه بادر بالزواج عليها. كذلك رفض الإنفاق على أبنائه فضلًا عن إنكاره هذا الطلاق أمام الناس. معلقة: “بقالي 3 سنين لا متجوزة ولا مطلقة، وبنتي هتتفصل من المدرسة”.
لكن جمعة أفتى لها برفع دعوى خلع. أضاف: “كان في هذا الخلع لك مظلمة، ولكن في ارتكاب أخف الضررين في هذا، عشان تتخلصي من هذه الأزمة”. وحول الإنفاق على الأسرة بادر الشيخ بالقول: “ربنا يرزق، هذه قضية أخرى”.
في الطلاق الشفوي على المتضرر اللجوء للقضاء
أفتى الشيخ علي جمعة للسيدة المتصلة، باللجوء إلى الخلع، رغم إقراره بالظلم الواقع عليها، لإثبات ما رفض الزوج إثباته، وتحمل المسؤولية بدلًا عنه.
وتقضي دعوى الخلع بإبراء الزوج من أغلب حقوق الزوجة عليه، من عدة، ومؤخر صداق، إلى جانب النفقة. كما أنها تتكلف زمنًا لا يقل عن 6 أشهر. وتتكلف ماليًا بين 5 آلاف إلى 10 آلاف جنيه خلافًا لمصاريف الدعوى التي ارتفعت خلال الفترة الأخيرة بدءا من العام 2019، بحسب المحامي محسن البهنسي.
أما اللجوء إلى القضاء لإثبات الطلاق بالنسبة للمرأة، فهو أمر يصعب تحقيقه. ذلك في حال رفض الزوج، أو عدم وجود شهود للواقعة. كما يوضح البهنسي أن القاضي في هذه الحالة يطلب من الزوج تحقيق الواقعة. لكنه في الوقت نفسه يقصر حلف اليمين على الرجل، ويحرم الزوجة من الحق نفسه. لكن المحكمة نفسها في قضايا مثل النفقة يلزم الزوجة بالقسم.
وبين هذا وذاك تقع المرأة على أسفل السلم الاقتصادي، تحت وطأة معدل مرتفع للفقر، ونسب بطالة كبيرة والتي يرجع أحد أسبابها إلى رعاية الأسرة.
“أنتِ طالق لو”.. أزمة الطلاق الشفوي
في إحدى حلقات المسلسل أغضب حازم اختيارها البقاء وعدم العودة، فقال لها بهدف إجبارها على العودة “لو ماركبتيش الطيارة تبقي طالق”. اللفظ نفسه الذي اعتدنا سماعه في مشاجرات الأزواج، فيما يسميه الفقهاء “الطلاق المعلق” الصادر بصيغة مرهونة بحصول شيء آخر.
وحول الأسرة يقول المحامي البهنسي: “تعريف الأسرة في المواثيق الدولية وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ذلك الذي صدقت عليه مصر عام 1982، ينص في المادة 23 على:
“الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع. ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة. إذ يكون للرجل والمرأة ابتداء من بلوغ سن الزواج، حق معترف به في تأسيس أسرة. كما لا ينعقد أي زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملًا لا إكراه فيه. وتتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة لكفالة تساوي حقوق الزوجين. وواجباتهما خلال قيام الزواج ولدى إنحلاله. وفي حالة الانحلال يتوجب اتخاذ تدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم”.
الطلاق الشفوي والبحث في النوايا
لكن على المستوى القانوني سبق أن أقرت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، بعدم الاختصاص، كونها أمور تشريعية. والحقيقة أن وقوع الطلاق الشفوى من ناحية الإثبات في المحاكم صعب الثبوت، ويعرض الزوجة لعدة مشكلات في رأي المحامي البهنسي.
وبحسب بهنسي يعرضها للسجن في حالة الزواج من آخر، خاصة في حال أنكر الزوج وقوع الطلاق الشفوي منه. ومن ثم لابد من تشريع حاسم وحاكم لهذا الأمر الجلل والخطير. كما هو الحال مع “هنا” بطلة المسلسل التي اعتبر زوجها عبارة “عاوزين نتكلم” رجوعًا في تطليقه لها.
ويشرح البهنسي التباس الأمر في الطلاق الشفوي، إلى درجة أن الزوج قد يرد الزوجة بأي لفظ أو قول حتى لو لم تفهمه الزوجة، ويكفل له القانون هذا. فالمرجعية في كل الأحوال للرجل، والأمر يخضع لنواياه.
كما أن إنكار الزوج للطلاق، يعني أن تعيش الزوجة في حالة زنا في نظر الشرع. ما يهدد الحالة النفسية للمرأة. كذلك استقرار الأسرة ككل، فضلًا عن أن رفض التوثيق من قبل المطلق قد يكون لغاية استمرار حيازته لمسكن الزوجية. ما ينشأ عنه مشكلات كثيرة في المحاكم.
ووفق الحقوق الدستورية والقانونية ومواثيق حقوق الإنسان، فإن وقوع الطلاق الشفوي باللفظ دون التوثيق، أمام المأذون أو القاضي بنص حاكم. يفتح الباب لضياع حقوق للزوجة، والمطلقة، أو حتى الحاضنة ويمس بوضعيتها كحائزة لمسكن الزوجية في حالة الطلاق الشفوي. ووسيلة إكراه لها لترك مسكن الزوجية أو الإقامة فيه مع شخص غير حل لها، وفقًا للمحامي.
كوارث قانون الأحوال الشخصية
في حين تؤكد الباحثة في الشؤون النسوية إلهام عيداروس أن إشكالية الطلاق الشفوي، جزء من كوارث قانون الأحوال الشخصية. انطلاقًا من كونه الفرع الوحيد في كافة فروع القوانين، الذي يستمد تشريعاته بشكل مباشر من الشريعة. لكن دون مراعاة متغيرات الحياة المعاصرة.
كما لفتت عيداروس إلى أن قوانين الأحوال الشخصية تضم في طياته أغلب الفئات ذات الموقع الأضعف في المجتمع من نساء لأطفال وحتى أقباط. ما يجعلها من المناطق الحساسة بالقانون والأولى بالرعاية.
ولفتت إلى أن توثيق الطلاق من مطالب الحركة النسائية منذ الأربعينيات، معتبرة أن طرق الطلاق الحالية، بما فيها الرد عن غير رغبة المرأة، كارثية.
وأعربت عيداروس عن استنكارها التمييز الحاصل في حق المرأة خاصة في مسألة الطلاق، فالرجل هو سيد الموقف دائمًا بفضل الشريعة، والقانون. وقالت: “كما أن عقد الزواج يستوجب إجابة وقبول الطرفين، والتوثيق أمام الجهات المختصة. يلزم التعامل مع الطلاق بنفس الآلية، خاصة أن تأثيراته على استقرار المجتمعات أهم وأكبر”.