فجر إعلان الفيلسوف الألماني البارز، يورجن هابرماس، أمس، تراجعه عن قبول جائزة الشيخ زايد الأدبية، الجدل من جديد حول السياسات الحقوقية لمنظومة الحكم الإماراتي خلال السنوات الأخيرة.

الموقع الرسمي لجائزة الشيخ زايد للكتاب كان قد أورد أن هابرماس حصل على لقب “شخصية العام الثقافية لعام 2021 تقديراً لمسيرة مهنية طويلة تمتد لأكثر من نصف قرن، قبل الفيلسوف الجائزة لكنه عاد وتراجع عنها، فما القصة؟

وفي بيان نقله موقع “شبيجل” الإلكتروني الألماني عن ناشره، قال هابرماس: “أعلنت عن استعدادي لقبول جائزة الشيخ زايد للكتاب لهذا العام، كان هذا قراراً خاطئاً، وأنا أصححه بموجب هذا التراجع”.

وأضاف هابرماس: “لم يتضح لي بشكل كافٍ الصلة الوثيقة جداً بين المؤسسة، التي تمنح هذه الجوائز في أبوظبي، والنظام السياسي القائم هناك”.

وكان هابرماس قبل بالجائزة في مرحلة أولى قبل أن يتراجع عنها، وهو ماقوبل بانتقاد من قبل صحيفة شبيجل الألمانية، على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام في الإمارات.

ونقلت المجلة عن الفيلسوف، البالغ من العمر 91 عاما، القول: “بالطبع كنت مرتابا واطلعت على المؤسسة والفائزين بالجائزة قبل قبولي للجائزة”.

رائد الخطاب الفلسفي يتراجع عن قراره بفضل شبيجل

يعد هابرماس رائد الخطاب الفلسفي والسياسي؛ إذ وصفته دائرة ستانفورد الفلسفية بأنه واحدٌ من أكثر الفلاسفة تأثيراً في العالم، وتأثر كثيرا بإرث مدرسة فرانكفورت النقدية، كما أنه صاحب نظرية الفعل التواصلي والذي تعدت مؤلفاته الخمسين كتابا.

واعتبر هابرماس أن قبول هذه الجائزة كان قرارا خاطئا معلنا عدم قبوله الجائزة المالية وقدرها 225 ألف يورو من حكومة أبو ظبي مؤكدا أنه لم ينظر جيدا للمغزى السياسي الخاص باختياره لهذه الجائزة، بحسب ما نشرت المجلة الألمانية دير شبيغل.

ويأتي قرار هابرماس بعد أن نشرت “شبيجل” الألمانية مقالا انتقدت فيه قبول الفيلسوف الألماني واعتبرت أن قبول واحد من أهم الفلاسفة الألمان لجائزة دولة تشتهر بالقمع وتنعدم فيها الحياة الديمقراطية لهو مؤشر يثير الإحباط.

كما أشارت المجلة إلى أن مركز الأبحاث الأمريكي فريدوم هاوس، والذي يسجل سنويًا حالة التحول الديمقراطي في العالم، قد صنف أن دولة الإمارات العربية المتحدة تتراجع إلى الوراء بدلاً من إحراز أي تقدم.

حقوق الإنسان التي لا تمحوها الجوائز

وحصلت الإمارات على 17 نقطة فقط من أصل 100، في حين حصلت إيران على 16 نقطة وروسيا على 20 نقطة فقط، وفي ظل هذا الوضع السئ خاطبت  المجلة الألمانية هابرماس قائلة: “ماذا ستكون ردود الفعل إذا قبل ممثل بارز للحياة الفكرية الألمانية جائزة تحت رعاية آية الله خامنئي أو الرئيس بوتين؟”.

وقالت المجلة الأمانية: “الزوار الغربيون عادة بالكاد يلاحظون ذلك في الإمارات، هم يتعجبون من التفوق المعماري، ويعجبون بالثقافة الرائعة، ويلتقون بمحاورين متعلمين تعليماً عالياً، بيد أن هذه مجرد دعاية وأن الكلمات الجميلة التي تقال لا تتبعها أفعال فيما يخص التسامح والديمقراطية وسيادة القانون”.

كما أوضحت المجلة “بهذا يتطرق هابرماس إلى السؤال الحاسم الذي طرحته “جائزة الشيخ زايد للكتاب”: من يخدم من؟ هل يمكن أن يتحول هابرماس إلى أداة دعاية إماراتية، يتم تدريبها على إخفاء وحشية نظام الحكم وراء ستار دخان من المفردات السامية والتألق الثقافي؟”.

وبعد قراءة الفيلسوف الألماني البالغ من العمر 91 عامًا للمقال بخصوص الجائزة في المجلة، كتب لمجلة دير شبيجل معلنا رفضه قبول الجائزة ومعربا عن سوء تقديره فيما يخص البعد السياسي الذي أرادته الإمارات.

وقال “لقد كان قراري خاطئا، وأنا أصححه الآن”، وقال “لم أفهم بشكل كافٍ العلاقة الوثيقة للغاية بين المؤسسة التي تمنح هذه الجوائز في أبو ظبي والنظام السياسي القائم”.

وعلى الفور نشرت المجلة الألمانية مقالا جديدا عبر موقعها الإلكتروني أشادت بقرار الفيلسوف الألماني، معتبرة أنه تغليب للعقل وللمنطق.

أسف إماراتي من تراجع هابرماس

من جانبها، علقت الإدارة المشرفة على “جائزة الشيخ زايد للكتاب”، على تراجع الفيلسوف الألماني البارز، عن استلام الجائزة، في موعدها المقرر خلال الشهر الجاري.

وقالت الإدارة المشرفة على الجائزة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني: “تُعرب جائزة الشيخ زايد للكتاب عن أسفها لتراجع السيد يورغن هابرماس عن قبوله المسبق للجائزة، لكنها تحترم قراره”.

وأضاف البيان: “تُجسد جائزة الشيخ زايد للكتاب قيم التسامح والمعرفة والإبداع وبناء الجسور بين الثقافات، وستواصل أداء هذه الرسالة”.

مقاومة السياسات الإماراتية عبر الثقافة

انسحاب هابرماس ليست الأزمة الأولى التي تواجهها الإمارات في هذا الصدد، فخلال العام الماضي، أعلن كتّاب ومثقفون فلسطينيون وعرب انسحابهم من أنشطة وجوائز ثقافية تنظمها الإمارات، للتعبير عن رفضهم لتطبيع العلاقات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي ودعمهم للقضية الفلسطينية.

المصوّر الفلسطيني محمد بدارنة على سبيل المثال كان من أوائل المنسحبين من معرض للصور الفوتوغرافية تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون، وكتب على صفحته على فيسبوك، باللغتين العربية والإنجليزية مخاطبا المؤسسة “انطلاقا من إيماني بأن الفن ما لم يكن مشتبكا بالقضايا الإنسانية والعدالة فلا قيمة له، أعلن سحب مشاركتي من معرضكم”.

محمد بدرانة

وأعُلن في 13 أغسطس الماضي عن اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات بوساطة ادارة ترامب، وافتتحت أبو ظبي سفارتها في الأراضي المحتلة.

ومن العاصمة الأردنية عمان، أعلن الشاعر والروائي الفلسطيني أحمد أبو سليم سحب ترشيح روايته “بروميثانا” للجائزة العالمية للرواية العربية أي باف في العام الماضي أيضا.

كما أكد الكاتب والأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب أنه رفض ترؤس لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية هذا العام، علما بأنه عضو سابق في مجلس أمنائها.

وأعلن الشاعر المغربي محمد بنيس انسحابه من عضوية الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب التي تحمل اسم أول رئيس لدولة الإمارات.

كما وقع 17 من الفائزين السابقين بالجائزة العالمية للرواية العربية، ومن رؤساء وأعضاء لجان تحكيم وأعضاء مجلس أمناء سابقين من جنسيات عربية مختلفة، على نداء وجّه الى مجلس أمناء الجائزة يطالب بوقف التمويل الإماراتي لها.

وتحاول الإمارات العربية منذ سنوات السيطرة على سوق الثقافة العربية، عبر تمويلها للكثير من الفعاليات الثقافية، والجوائز، والمهرجانات، ومع ذلك تتهم بشراء ذمم الكثير من الكتاب، والمثقفين العرب.

الكاتبة التونسية هيام الفرشيشي منذ أعوام حذرت من التغلغل الثقافي الاماراتي في تونس وبلدان عربية أخرى، من خلال تركيز بيوت الشعر التابعة لبيت الشعر بالشارقة في أكثر من بلد عربي حيث تفرعت في مصر والسودان والاردن وتونس والمغرب وموريتانيا، عبر ضخ تمويلات ضخمة لتمويل أنشطة هذه البيوت والكثير من الملتقيات الشعرية.

 

السجل الحقوقي الإماراتي..انتهاكات غير مسبوقة

انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات، واصفة إياها بالحالة التي يُرثى لها، كما وصفت نظام الحُكم بالقمعي، مُطالبة بأجوبة عديدة حول انتهاكات حقوق الإنسان.

وأكدت المنظمة الحقوقية، أنها وثّقت على مدى 15 سنة ماضية، «مرارًا وتكرارًا، انتهاكات خطيرة ومنهجية لحقوق الإنسان في الإمارات»، مُشيرة إلى أن جهاز أمن الدولة «يُمارس اعتداءً مُستمرًا على حرية التعبير وتكوين الجمعيات في البلاد»، واصفة النظام الإماراتي بالقمعي، مُنتقدةً استخدام السلطات برامج التجسس المُتطورة لاستهداف ومُراقبة الصحفيين الأجانب، وحتى قادة العالم.

اقرأ أيضا:

انتقادات حقوقية لتمرير بايدن صفقة الأسلحة الإماراتية

وفي حروبها الخارجية، تتهم الإمارات بالعديد من الانتهاكات ففي اليمن مثلا كشفت عشرات التقارير الحقوقية عن حجم اختراقات حقوق الإنسان في البلاد التي تعبث بمصيرها الحرب منذ العام 2015، وسلطت الضوء على السجون السرية لأبو ظبي هناك ومدى معاناة المعتقلين فيها والانتهاكات بحقهم.

أما في ليبيا فيعتقد الخبراء أن أبوظبي أججت الحرب بين الفرقاء في البلاد، وكشف تقرير سري للأمم المتحدة خلال العام الماضي أن الإمارات عززت، إمدادها العسكري لقائد قوات شرق ليبيا، خليفة حفتر، منتهكة بذلك قرار حظر الأسلحة، حيث حاولت الدولة الخليجية إنقاذ الحملة التي شنها حفتر ضد قوات موالية لخصمها الإقليمي تركيا.