على وقع استمرار الاعتقالات وسقوط القتلى بين الصحفيين العرب، يحتفل العالم باليوم الدولي لحرية الصحافة الذي يأتي هذا العام تحت عنوان “المعلومات كمنفعة عامة.”

الأمم المتحدة من جانبها اعتبرت أن موضوع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة لهذا العام، وهو “المعلومات كمنفعة عامة”، بمثابة دعوة لتأكيد أهمية الاعتزاز بالمعلومات باعتبارها منفعة عامّة، واستكشاف ما يمكننا القيام به عند إنتاج المحتوى وتوزيعه وتلقّيه من أجل تعزيز الصحافة والارتقاء بالشفافية .

وفي حين يحتفي العالم بأهمية نشر الحقيقة، يكتسي عدد من بلدان العالم العربي بدماء الصحفيين، فيما يقبع الكثير منهم خلف القضبان، وآخرين يعانون البطالة وانخفاض الدخل، في ظل جائحة لم يعرف العالم مثيل لها منذ عشرات السنين.

وبحسب تقرير منظمة مراسلون للعام بلا حدود للعام الجاري، تراجعت حرية الصحافة في العالم وإن بشكل ودرجات مختلفة، وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تضم الدول العربية، لم تسجل مراسلون بلا حدود تحسنا يذكر، إذ حافظت المنطقة على موقعها في مؤخرة التصنيف.

كما قالت لجنة حماية الصحفيين إن عدد الصحفيين السجناء على مستوى العالم ارتفع إلى رقم قياسي خلال عام 2020 مع سعي حكومات إلى التضييق على التغطية الإعلامية لجائحة فيروس كورونا والاضطرابات الأهلية.

وأضاف التقرير أن الاحتجاجات والتوترات السياسية كانت السبب في الكثير من اعتقالات الصحفيين التي سُجل معظمها في الصين وتركيا ومصر والسعودية.

اليوم الدولي لحرية الصحافة.. الحقيقة خلف القضبان

على بعد عشر سنوات من ثورة قام بها المصريون ضد حكم الرئيس السابق حسني مبارك، فإن المشهد الصحفي شهد حجب أكثر من 500 موقع إخباري، وحبس أكثر من 20 صحفي.

وفي ظل بنود قانون مكافحة الإرهاب، واستمرار قانون الطوارئ، استُحدثت هيئة رقابية جديدة باسم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، رغم كفالة الدستور لحرية الرأي والتعبير.

كما تقبع مصر في المرتبة 166 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود في عام 2020.

وأخيرا خاضت الصحافة المصرية معركتها النقابية التي اسفرت عن انسحاب تيار الاستقلال، من المشهد، في ظل اتهامات بعدم نزاهة العملية، ومعها يتوارى دور النقابة في قضية حرية الصحافة، وكذلك قضايا الصحفيين المعتقلين.

وخلال أزمة كورونا فقد الكثير من الصحفيين مورد رزقهم، خاصة من غير المقيدين نقابيًا، كما تعاني النقابة نفسها من عجز مالي يصل إلى 7 ملايين جنيه.

اقرأ أيضا:

رحلة موقع محجوب

سوريا.. مقتل 748 صحفيًا

وفي يوم الاحتفال بالحقيقة أيضًا، وثق المرصد السوري مقتل 748 صحفيًا سوريًا منذ انطلاق الاحتجاجات في 15 مارس عام 2011.

المرصد قال إن “13 صحفيًا قضوا على يد الفصائل المسلحة، فيما قتل تنظيم الدولة الإسلامية داعش 69 صحفيًا سوريًا، من بينهم صحفي يعمل كناشط في المرصد السوري، بالإضافة لقتل التنظيم خمسة صحفيين أجانب”.

وبحسب المرصد أيضًا، قتلت هيئة تحرير الشام، كبرى الجماعات المتشددة في سوريا، 18 صحفيًا، بينما “اُختطف، واختفى قسريا 38 صحفيًا في مناطق سيطرة الفصائل وهيئة تحرير الشام”.

وذكر المرصد تضييق النظام السوري على الصحفيين واعتقالهم، ممن يحملون الجنسية السورية أو جنسيات أخرى، “ممن يقومون بمهاجمة النظام إعلاميًا أو يعترضون على سياساته أو يتطرقون للحديث عن ملفات الفساد”.

الاعتداء على الصحفيين

وقال المرصد إن “قوات النظام والميليشيات الموالية لها قتلت 541 صحفيًا سوريًا”، من بينهم 7 صحفيات، وخمسة نشطاء تابعين للمرصد، كما اختفى قسريًا واعتقل نحو 552 صحفيًا في معتقلات قوات النظام”، وفقًا للمرصد.

وأشار المرصد إلى “قتل الطائرات الروسية 29 صحفيا سوريا”، فيما أسفر التعذيب داخل سجون ومعتقلات النظام عن مقتل 56 آخرين.

ومنذ أيام سلطت صحيفة نيويورك تايمز الضوء على أوستن تايس، وهو صحفي حر وضابط سابق في مشاة البحرية الأميركية اختفى خلال عمله الصحفي في سوريا عام 2012، في وقت قال فيه وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن أولوية وزارته هي العثور على تايس.

اليمن السعيد لم يعد سعيد

تنبأ أوضاع الصحفيين اليمنيين عن واقع مزري، فالتقارير تكشف عن تعرضهم لمختلف أشكال الانتهاكات منذ بداية الحرب عام 2015، دون أن تتحرك أي جهة لإيقاف ذلك، وتكتفي أغلبها بإصدار بيانات التنديد والاستنكار لما يحدث فقط.

وفي أغسطس الماضي قالت المفوضة السامية لحقوق الانسان إنها مصدومة من العدد المرتفع لانتهاكات حقوق الإنسان ضد الصحفيين في عموم اليمن، بما في ذلك القتل والإخفاء القسري وأحكام الإعدام، في مخالفة للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ووثق مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان حادثة اغتيال واحدة، حادثة خطف إلى جانب ثلاث وقائع اعتقال واحتجاز تعسفي، إلى جانب حكم بالإعدام على أربعة صحفيين وسجن ستة آخرين، كما وثقت المفوضية ثلاثة اعتداءات جسدية وتهديدات بالأذى والعنف الجسدي ضد صحفيين. هذه انتهاكات قامت بها جميع أطراف النزاع في اليمن.

وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة ميشيل بشليت “رأينا بحزن شديد الوضع في اليمن ينزلق من سيء إلى أسوأ، إلى الحد الذي اعتبر فيه اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم”.

وأضافت المفوضة “أولئك المعنيين بنقل الفظائع المرتكبة خلال الصراع المسلح وما يصاحبه من ألم ومعاناة للمدنيين هم أنفسهم مستهدفين”.

وقالت السيدة بشليت “الصحفيون مهاجمون من كل الإتجاهات. يُقتلون ويُضربون ويُخفون و يتعرضون للمضايقة والتهديد ويُسجنون ويحكم عليهم بالإعدام لمجرد محاولة تسليط الضوء على وحشية هذه الأزمة”.

كذلك تصدرت جماعة الحوثي قائمة مرتكبي الانتهاكات بحق الصحفيين، حيث اعتقلت خلال العام الماضي فقط 15 صحفيا، تم الإفراج عن بعضهم لاحقًا.

من بين الذي خرجوا من معتقلات الحوثيين، هو هيثم الشهاب الذي ذكر في منشور على صفحته بموقع فيسبوك أنه ظل 5 سنوات ونصف معتقلًا، عانى خلالها من العنف والظلم والقساوة ما يكفي، مؤكدًا تعرضه للتعذيب بالهراوات والأسلاك الشائكة لتعطيل قدراتهم الحية وقواهم هو وزملائه.

أما الصحفي أحمد حوذان الذي ظل معتقلا لدى الحوثيين لمدة سنة، فقد تعرض للتعذيب النفسي والجسدي كالصفع والركل والضرب والتعليق، مطالبا من خلال صفحته على فيسبوك بمحاسبة كل من انتهك حقا من حقوقه كصحفي.

الصحفيون اليمنيون

السعودية.. شبح خاشقجي وتذيل التصنيفات

احتفظت المملكة العربية السعودية بتصنيفها المتدني، حيث منحتها منظمة مراسلون بلا حدود المركز 170 من أصل 180 دولة حول العالم.

ويخضع الصحفيون في المملكة إلى مراقبة مشددة حتى لو كانوا في الخارج، وهذا ما تأكّد مع اغتيال جمال خاشقجي في إسطنبول، رغم الخطاب الرسمي المنفتح.

ومنذ تولي ولي العهد الشاب مقاليد الحكم عام 2017، فإن موجة القمع تفاقمت بشكل ملحوظ، بحسب منظمة مراسلون بلا حدود، فمنذ ذلك التاريخ تضاعف عدد الصحفيين والصحفيين المواطنين القابعين خلف القضبان ثلاث مرات، وكان اعتقال أغلبهم تعسفياً، بينما يتعرض كل سجناء الرأي إلى التعذيب بشكل منهجي.

ويقضي قانون العقوبات وكذلك قوانين مناهضة الإرهاب والجرائم الإلكترونية بسجن الصحفيين أو إيقافهم عن العمل كلما صدر عنهم نقد أو أبدوا رأيهم في الشأن السياسي.

كما عرف عن المملكة جيش “الذباب الإلكتروني”، وهو عبارة عن كتائب نشطة بقوة على منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة تويتر.

هذا وتلجأ المملكة أيضاً إلى تقنيات تجسس متقدمة جداً لتعقب تحركات الصحفيين الذين يعيشون في المنفى أو لمراقبة بعض الشخصيات المؤثرة، كما انكشف من خلال قضية اختراق الهاتف الخلوي لمالك واشنطن بوست، جيف بيزوس.

فلسطين.. والوجه القبيح للاحتلال

في الأراضي المحتلة وثق المكتب الإعلامي الحكومي، في قطاع غزة، 778 انتهاكًا إسرائيليًا بحق الصحفيين الفلسطينيين خلال عام 2020-2021.

وبحسب المكتب فإن “الانتهاكات الإسرائيلية في عام 2020 وصلت لما يقارب 561 انتهاكا، فيما واصل (الاحتلال) جرائمه خلال العام الحالي والتي بلغت 217 انتهاكًا”.

وشدد على أن “الاحتلال يستمر في ضربه بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة عرض الحائط، من خلال الاستمرار في اعتداءاته، دون أدنى اهتمام بالمواثيق والأعراف الدولية الضامنة لحرية الصحافة”.

شملت الانتهاكات وفق المكتب الإعلامي “جرائم الحق في الحياة والسلامة الشخصية للصحفيين، فيما تجسدت الانتهاكات باستهداف الصحفيين وتعرضهم للإصابة المباشرة بالرصاص الحي والمعدني وقنابل الغاز السام وغاز الفلفل، والاعتداء عليهم بالضرب والتهديد، وغيره من وسائل العنف أو الإهانة، كما وثق المكتب الإعلامي اعتقال 29 صحفيًا في سجون الاحتلال.

أما نادي الأسير الفلسطيني، فأعلن أن “إسرائيل” تعتقل في سجونها 16 صحفيًا فلسطينيًا، أحدهم مضرب عن الطعام منذ 12 يومًا، احتجاجًا على اعتقاله الإداري دون تهمة.

والصحفي علاء الريماوي (43 عامًا) من مدينة رام الله، مضرب عن الطعام منذ لحظة اعتقاله في 21 أبريل الماضي، حيث أصدر الاحتلال بحقّه أمر الاعتقال الإداريّ لمدة ثلاثة شهور.

ويحتجز الريماوي الذي يعمل في قناة الجزيرة، انفراديًا في ظل ظروف قاسية، في سجن عوفر غربي رام الله.

وتشكل سياسة الاعتقال الإداريّ أبرز السياسات الممنهجة التي تستهدف الصحفيين، حيث تواصل اعتقال 4 منهم إداريا، والاعتقال الإداري حبس بأمر عسكري إسرائيلي دون لائحة اتهام، لمدة تصل 6 أشهر، قابلة للتمديد.