يعد القانون المصري من أكثر القوانين على مستوى العالم أخذاً بعقوبة الإعدام، حيث يقر التشريع المصري عقوبة الإعدام لعدد غير قليل من الجرائم. فقد تم النص على هذه العقوبة في قانون العقوبات وفي بعض القوانين الجنائية الخاصة، وهي قانون مكافحة المخدرات، وقانون الأحكام العسكرية، وقانون الأسلحة والذخائر.
وإن كانت غالبية الجرائم المعاقب عليها بهذه العقوبة في التشريعات المصرية هي الجرائم ذات المنحى السياسي، مثل جرائم الاعتداء على أمن الدولة من الداخل أو الخارج، وأيضًا ما جاء النص عليه في قانون الأحكام العسكرية، وبعيداً عن الضمانات النصية الواردة بشأن كيفية تنفيذ العقوبة، من احترام المناسبات والأعياد، وتأجيل تنفيذ العقوبة على الحوامل، فإن كل هذه الضمانات الإجرائية، سواء كانت متعلقة بكيفية التنفيذ أو بالإجراءات مثل ضمانات أخذ رأي المفتي، أو ضمانة وجوب عرض القضية على محكمة النقض من قبل النيابة العامة، إلا أن مصر تعد من أكثر دول العالم تطبيقا لهذه العقوبة، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة. يذكر أن مصر قد احتلت المرتبة الثالثة على مستوى العالم في تنفيذ عقوبة الإعدام لعام 2020.
غالبية الجرائم المعاقب عليها بهذه العقوبة في التشريعات المصرية هي الجرائم ذات المنحى السياسي مثل جرائم الاعتداء على أمن الدولة من الداخل أو الخارج وما جاء النص عليه في قانون الأحكام العسكرية
في تقرير صدر عن منظمة العفو الدولية بتاريخ 26 أبريل لسنة 2021 ورد فيه نصاً “ينبغي على السلطات المصرية أن تضع حداً فورياً لهذا الارتفاع المثير للقلق البالغ في عمليات الإعدام. وندعو الدول في جميع أنحاء العالم إلى اتخاذ موقف واضح من خلال التنديد العلني باستخدام مصر لعقوبة الإعدام، وحثّ الحكومة على اتخاذ قرار بالوقف الرسمي لعمليات الإعدام، كخطوة أولى نحو إلغاء عقوبة الإعدام”.
ومصر من ضمن بلدان العالم التي انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهذا العهد يضع ضمانات كثيرة، في حالة الدول التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام، وأنه يحث تلك الدول تدريجياً على التخلص من هذه العقوبة، أو تضييق نطاقها إلى أضيق النطق وفي حالات أخطر الجرائم.
كما يدعو الدول إلى تجميد تنفيذ تلك العقوبة لحين تنقية تشريعاتها، وتضييق حدودها، بما يتناسب مع ما جاء بنصوص العهد الدولي، والذي يًعد من أهم الأسس القانونية الدولية لحقوق الإنسان. وفي هذا السياق فقد صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 168/63 الداعي إلى وقف العمل بعقوبة الإعدام الصادر عام 2008، وحث الدول التي لا تزال تبقي على عقوبة الإعدام على احترام الأحكام الدولية التي توفر ضمانات تكفل حماية حقوق السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، وخفض عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، ووقف تنفيذ عقوبة الإعدام تمهيداً لإلغائها.
كما أن الأمر لم يقف عند حدود هذا العهد الدولي، فقد تبنت نفس وجهة النظر العديد من الاتفاقيات الإقليمية، أهمها فيما يخص إقليمنا الجغرافي الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
من العقوبات التي لا يمكن تصويبها في حالة الخطأ في العمل بها أو الخطأ في الحكم بها، أو في تنفيذها، حيث لا يمكن إعادة المحكوم عليه للحياة مرة جديدة، ولا يوجد أي شيء من الممكن أن يعوض المتهم المحكوم عليه عن ذلك الخطأ
وهذه العقوبة من العقوبات التي لا يمكن تصويبها في حالة الخطأ في العمل بها أو الخطأ في الحكم بها، أو في تنفيذها، حيث لا يمكن إعادة المحكوم عليه للحياة مرة جديدة، ولا يوجد أي شيء من الممكن أن يعوض المتهم المحكوم عليه عن ذلك الخطأ، وقد حدث ذلك فعلاً تاريخيًا في واقعة حقيقية كانت هي السبب الحقيقي وراء ارتداء المحامون لروب الأسود، فقد حدث في أواخر القرن الثامن عشر في فرنسا حادث قتل، وبالمصادفة كان القاضي الذي سينظر القضية واقفاً في شرفة منزله فرأى الواقعة، والتي كانت عبارة عن مشاجرة بين شخصين انتهت بقتل أحدهما، وسارع القاتل إلى الهرب، فهرع أحد المارة لنجدة الشخص الصريع، وأسرع به إلى المستشفى، لكن لفظ الرجل آخر أنفاسه في المستشفى والتصقت الجريمة بذاك المُنقذ، اتهمت الشرطة ذاك البريء رُغم نيته الطيبة، وتشاء سخرية القدر أن تقع تلك القضية في جُعبة القضايا التي ينظرها ذاك القاضي؛ الوحيد الذي رأى تفاصيل الحادث بأكملها.
ولطبيعة القانون اللاتيني فقد حكم القاضي بالإعدام على المتهم أخذا بالأدلة التي أمامه على الرغم من كونه يُعد أحد شهود الواقعة، ويقال إنه في إحدى القضايا الأخرى بعد فترة من الزمن رأى شبيهاً للشخص المحكوم عليه بالإعدام فسأله القاضي، فكان رد المتهم بأنه هو المتهم الحقيقي لواقعة القتل، وليس توأمه الذي نُفذ فيه حكم الإعدام، لم يستطع القاضي العيش مع هذا الخطأ الفادح، والجريمة التي اقترفها، ولكي يرتاح من تأنيب الضمير، اعترف أمام الرأي العام بما فعله، وأنه حكم على شخصٍ بريء بالإعدام، فانقلب الرأي العام ضده، واتهمه بالخيانة وانعدام الضمير، وفي إحدى القضايا بعد تلك الواقعة، فوجئ هذا القاضي بأن المحامي الذي يقف أمامه يرتدي «روبًا» أسود، فسأله عن السبب، فقال: «كي أذكرك بالجُرم الذي فعلته»، ومنذ ذلك الوقت و«الروب» الأسود هو الزي المتعارف عليه للمحامين في فرنسا، وانتقل ذلك منها إلى باقي بلاد العالم.
يجب تأجيل تنفيذ العقوبة في السنوات الحالية، وعدم التسارع في تنفيذها على حسب الحاصل فعلاً، والانتظار لحين إقرار قانون استئناف الأحكام الصادرة في مواد الجنايات
وإذا ما عاودنا الكرة على القوانين المصرية بكثرتها، والتي تتضمن عقوبة الإعدام، فإنه على أقل التقديرات القانونية، فيجب تأجيل تنفيذ العقوبة في السنوات الحالية، وعدم التسارع في تنفيذها على حسب الحاصل فعلاً، والانتظار لحين إقرار قانون استئناف الأحكام الصادرة في مواد الجنايات، وذلك احتراماً لأحكام الدستور المصري الأخير، وذلك بحيث ما جاء بنص المادة 96 منه على أن ينظم القانون استئناف الأحكام الصادرة في مواد الجنايات، ثم نص المادة 240 بأن تكفل الدولة توفير الإمكانيات المادية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، وذلك خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وينظم القانون ذلك.
وقد مضى على هذا النص سبع سنوات، وهي ما تمثل ثلثي المدة المنصوص عليه دستورياً، وإن كان لم يصدر حتى الآن تعديل تشريعي في قانون الإجراءات الجنائية ليحقق تلك الضانة الدستورية، فإن ذلك العبء لا يجب أن يتحمل تبعته المواطنون، إذ إنه من حيث الأصل التزامًا واقعًا على عاتق الدولة، وبالتالي كان الأوجب هو الإسراع في تنفيذه ضمانًا من الدولة لحقوق مواطنيها، والتزاماً منها لسيادة القانون، واعترافاً كذلك منها بقيمة القانون واحترامه.
وإن كنت أرى في هذا المقام أن تقوم الدولة ممثلة في مجلس النواب أو لجنة الإصلاح التشريعي بالعمل على مراجعة كافة النصوص العقابية الواردة في مدونات عقابية مختلفة، والتي تعاقب بعقوبة الإعدام، ومحاولة تقليل تلك النصوص كخطوة أولى نحو التماشي مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وإن كان ذلك يجب أن يصاحبه تأجيل تنفيذ العقوبة بخصوص المحكوم عليهم حتى تمام تلك الخطوات.