في الاجتماع الأسبوعي لإحدى مجموعات الصديقات، كانت صديقتنا تحمل خبرًا، أختها الصغيرة والتي صارعت من أجل الزواج من حبيبها، وصلوا للطلاق بعد أقل من ثلاث سنوات وطفل عمره عام، وجنين لم يتعرفوا إلى نوعه بعد، وبنفس الشراسة التي خاضت بها حربها من أجل الزواج به، تسلحت بها في الطلاق، وقالت إنها ليست أول سينجل ماذر، صديقتنا تسخر من المصطلح الذي طغى على المجتمع، في مجتمع يعرف طيلة عمره الأم التي تُربي أبناءها بمفردها، المجتمع الذي كافئ المرأة لهذه الرسالة فخرجت عبارة “تربية مرة” للتقليل من أبناء المرأة التي فعلت ذلك وحدها.

السينجل ماذر single mother  أي الأم الوحيدة أو الأم التي تربي أولادها بمفردها، كثير من هذه الفئة سواء حملن لقب أرملة أو مطلقة أو مازلن تحت مظلة الزواج. تُعانين في مجتمع يرغب أن تكون المرأة قوية مسئولة، وفى ذات الوقت متوارية، حتى يظهر الرجل بالمظهر اللائق، وهذا حال الكثيرين للأسف.

الأم التي تُربي أبناءها وحدها تواجه العديد من المشكلات

  • تدخل الأب بما يُفسد

مع تصريحات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء منذ شهور بارتفاع كبير في حالات الطلاق، باتت فكرة السينجل ماذر حال وواقع مهما تغافلنا عنه، أو تم تمريره كأنه أمر عادي لا يحتاج مقومات مختلفة، كثير من الآباء يتدخلون في تربية الصغار فقط لإفسادهم، أذكر أن ابني وهو صغير طلب مني أن يشترى لُعبة ورفضت، فقال فى تحد سوف أُبلغ أبي ويشتريها لي.

كانت أولى التحديات لي، لكن والد ابني قدم نموذجًا واعيًا للأب الذي يُقدم مصلحة ابنه وتربيته السوية، فلم يوافق، ولشهور كان بالفعل يقدم لأبننا نماذج واقعية في أن أي أمر يخص الابن هو شراكة بيننا، تعلم ابني بالمشاهدة والأمثلة الحية، حين وجد أبيه يُحدثني ليستأذن في استثناء خاص بميعاد النوم، ثم استئذان آخر خاص بنوعية الأكل المسموح بها، تلك التفاصيل التي عدّلت من سلوك الولد، وجعلت يفهم أن الطلاق ليس نهاية العالم.

ومن تجربتي الشخصية كنت أُتابع تجارب أصدقاء رجال ونساء، فأجد صديق لي كلما أخذ ابنته اشترى لها كل ما ترفضه الأم، وذهب بها لأماكن لن تستطيع الأم محاكاتها، تحدثت مع صديقي وناقشت معه خطورة ما يفعله على تنشئة ابنته، لكنه لم يهتم سوى باجتذاب الابنة نحوه بكثرة الإنفاق، تكررت المواقف في مجال معارفي والأهل، وهو ما يُشير إلى انتشاره في كافة المجتمع، فالطلاق في مصر لا يتم التعامل معه بوصفه حالة اجتماعية، بقدر ما يتم اعتباره من الطرفين بكونه حالة انتقاص ورفض، وهو الأمر الذي يجعل طرف على الأقل يُمارس العداء، وفى خضم المعركة لا يهتم الطرفان بمصلحة الأبناء، فتأتي التربية ساحة أخرى لإثبات القوة، فكثير من الآباء يتدخلون ليس لشيئ سوى إثبات قوتهم وتحكمهم، مهما كان تأثير ذلك على تنشئة الأبناء.

اقرأ أيضا:

“بشتري راجل”.. حلم الإنجاب يراود “السنجل مازر”

 

  • هل السينجل ماذر سوية نفسيًا؟

تتعرض المرأة لكثير من الضغوط، حتى أن بعضهن تنال الطلاق بعد خلافات وصراعات في المحاكم، الأمر الذي يُسبب للكثيرات معاناة نفسية، ولأننا جميعًا لسنا أسوياء بدرجة أو أخرى، ومقاومتنا للضغوط والمشاكل ليست بنفس الدرجة، فإن بعض السيدات التي يتولين تربية أبناءهم بمفردها، تسعين باجتهاد لغرس الكراهية تجاه الأب، كانت لي صديقة تتحدث مع أبناءها عما يفعله الأب، وتخليه عنهم، حتى أن موعد الرؤية كان الأطفال يبكون ويرفضون الحديث مع الأب، وكانت تحكي لنا ذلك بحالة من الانتصار، غير مُدركة تأثير ما فعلت على أولادها، فهل لدينا مراكز تأهيل نفسية للنساء المطلقات؟

  1. الإنفاق

أغلب القضايا في محاكم الأسرة تخص النفقة، تلك التي يتهرب كثير من الآباء من دفعها، ولو أضفنا أن المرأة هي المسؤولة عن إثبات دخل الزوج، وبالتالي تحديد قيمة النفقة، فإننا سنعرف كما تعاني الأمهات المعيلات في تربية أطفالهن، فبعد جولات في المحاكم تأتي مبالغ النفقة زهيدة جدًا، فما يدفع السينجل ماذر/الأم المعيلة أن تعمل حتى تتمكن من تربية أبناءها هذا العمل الذي يستغرق ساعات وجهد يأتي على حساب تربية الأبناء، بصورة أخرى، فيقضي كثير من الأبناء وقتًا طويلًا وحدهم في الحضانة/المدرسة / البيت لأن الأم تضطلع بأكثر من دور، وفى أثناء ذلك تضيع كثير من التفاصيل، ويسقط بعض عناصر التقويم السليم للأبناء.

وضع الأم المعيلة يحتاج المناقشة، فهي تحتاج الدعم المعنوي والنفسي لتنشئة الأطفال، كما أن الوضع القانوني الذي يمنح للأب كل الصلاحيات بما يُقيد الأم ويجعلها دومًا بحاجة إلى الطليق، الذي في كثير من الحالات لا يكون متعاونًا ولا يهتم سوى بإثبات رجولته التي تتحقق من وجهة نظره بمقدار ما يتحكم به في طليقته.

في مجتمع يتزايد فيه أعداد المطلقات، والأبناء الذين يتم تربيتهم بين أكثر من بيت تظهر الحاجة الماسة لمراكز تقدم الدعم النفسي والتربوي، مراكز متاحة للجميع دون أن تكون هناك تكلفة مضافة تُثقل على عبء المرأة المعيلة والتي قد لا تملك ما يكفي لتربية أبناءها بما يجعلها تؤجل كل شيء يخصها حتى صحتها، فهل من سبيل لذلك؟