بحثا عن دور جديد، وأملا في استعادة ثقة الشارع الليبي، لجأت جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا لإعادة تدوير أفكارها من خلال تغيير اسمها إلى جمعية “الإحياء والتجديد”، وهو غطاء جديد تعول عليه الجماعة لإحياء وجودها في المعادلة الليبية التي يعاد تشكيلها باستمرار. تخوض الجماعة هذه التجربة وهي تراقب بقلق ما يحدث من مشاورات تركية – مصرية لاستنئاف العلاقات المتوقفة منذ 2013، وما يترتب عليها من ضغوط جديدة يفرضها التنازل التركي المستمر عن احتضانه لجماعة الإخوان في أنقرة وخارها.
جماعة الإخوان المسلمين الليبية عللت تغيير اسمها إلى “الإحياء والتجديد” بإحياء التمسك بمنهج الإسلام الوسطي وتعاليمه، والعمل على تجديد يستلهم أصول الإسلام وثوابته، مستفيدا من كل حكمة راجحة، ومستفيدا من تجارب عديدة زادت من ثقله وقدرته على الفهم العميق للحاضر واستشراف المستقبل.
وحسب بيان نشرته جماعة الاخوان المسلمين الليبية عبر حسابها الرسمي على موقع فيسبوك: “إن جمعية الإحياء والتجديد ستؤدي رسالتها في المجتمع الليبي، من خلال عملها الدؤوب في شتى مجالات العمل العام، إيمانا منها بأن المدخل الحضاري للتغيير والنهضة، هو العمل المجتمعي”.
وأشارت الجماعة إلى نتائج مؤتمريها العاشر والحادي عشر وقراراته؛ فضلا عن خوض كوادر وقيادات الجماعة للعديد من ورش لعمل والمؤتمرات ولااستماع إلى وجهات نظر مختلفة والتعلم من التجارب الآخرى، لذا توصلت الجماعة إلى ضرورة التجديد والاجتهاد والذي دافعه الحرص على الوطن.
استقالات سابقة مهدت الطريق
جاءت خطوة جميعة “الإحياء والتجديد” تتويجا لفترة صعبة يعشيها التنظيم في ليبيا مع بداية نجمهم في الخفوت تدريجيا، خاصة أن كافة آمانيهم في التواجد على رأس الحكومة الليبية الجديدة أو ضمن حقائبها الوزارية باءت بالفشل.
منيت الجماعة في ليبيا بخسارة توصف بـ”الفادحة” في انتخابات يونيو 2014 من وقتها تتعمد الجماعة التخفي والتواري عن الأنظار، في الوقت ذاته ضربت الجماعة حالة من الانقسامات والانشقاقات التي تركت آثارا ما زالت تعاني منها الجماعة حتى الآن.
البداية بشكل مدو كانت عندما تم حل التنظيم في “الزاوية” وإعلان خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة استقالته من جماعة الاخوان، أعقب ذلك القرار بشهور أعلان أعضاء فرع مدينة مصراتة والتي بدورها تعد واحدة من أهم معاقل جماعة الإخوان في ليبيا، استقالتهم جماعيا من التنظيم.
وألقوا أصابع الاتهام إلى قيادة التنظيم في طرابلس وامتناعهم من الالتزام بما تم الاتفاق عليه في المؤتمر العاشر الذي جرت أحداثه في عام 2015 والتي يأتي على رأسها المراجعات والتصويب لمسار الجماعة.
إخفاق تركي
لا يمكن فصل خطوة إخوان ليبيا بتغيير اسمهم والتحول إلى جمعية “الإحياء والتجديد” دون ربطها بالتحولات الجديدة في الموقف التركي من جماعة الإخوان، وإلزام قياداتهم بشروط معينة لاستمرارهم في الأراضي التركية، على خلفية رغبة حكومة أردوعان في استنئاف العلاقات مع القاهرة التي تضررت كثيرا بسبب عدم اعترافه بحكومة 30 يونيو.
وتجلى التقارب المصري- التركي في الزيارة الرسمية التي أجراها الوفد التركي أمس للقاهرة لبحث عودة العلاقات المتوقفة منذ 2013، وتستغل القاهرة التودد التركي في فرض شروطها فيما يخض وضع جماعة الإخوان المسلمين في أسطنبول.
وكشف مصادر أن القاهرة طلبت إغلاق الأبواق الإعلامية الإخوانية التي تثبت من أسطنبول، والتخلي عن دعمها للقيادات الإخوانية المطلوبة على ذمة بعض قضايا العنف وتمويل الأعمال الإرهابية التي وقعت في مصر عقب ثورة 30 يونيو.
غير أن لائحة المطالب المصرية شملت أيضا تخلي تركيا عن دعمها للإخوان المسلمين في ليبيا وكذا أي تنظميات أخرى من شأنها التأثير على المعادلة السياسية في الجارة الغربية، وهو المطلب الذي يعني الكثير في هذا الملف ويفهم منه الإجراء الأخير للجماعة المصنفة بالإرهابية في عدد من البلدان العربية.
ومثّل التخلي التركي صدمة كبيرة للتنيظم الدولي للإخوان، وهزة كبيرة لمستقبلهم في بعض الدولة، من بينها ليبيا، إذ تعتبر الإخوان في ليبيا الذراع السياسي لتركيا،التي تتهمها عدة أطراف ليبية بمحاولات نشر الفوضى في البلاد.
ويتهم سياسيون ليبيون الجماعة بإظهارها دعمها للجماعات الإرهابية، خاصة خلال معركة تحرير مدينة درنة الليبية من تظيمات داعش والقاعدة، كما سعت الجماعة لتشتيت جهود الجيش الليبي من خلال التحرك نحو منطقة الهلال النفطي الليبي.
وبناء على هذا الدور، صنف مجلس النواب الليبي، جماعة الإخوان بالإرهابية، وأقر بتجريمها في منتصف 2019.
تاريخ إخوان ليبيا
يعتبر وضع الإخوان في ليبيا، الأضعف منذ نشأة الجماعة وتواجدها في الأراضي الليبية، أربعينيات القرن الماضي عندما توجه ثلاثة من أعضاء الجماعة، وهم جلال سعادة وعز الدين إبراهيم ومحمود شربينى، هاربين من الحكومة المصرية عقب اتهامهم بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري محمود النقراشي، حيث استقبلهم الأمير إدريس، ورفض تسليمهم لمصر، وهناك نجحوا في طرح أفكار الجماعة، وكونوا النواة الأولى لتواجدها في ليبيا وشكلوا هيئة الدعوة الإسلامية، وظل نشرهم لأفكار الجماعة حتى عام 1954، عندما قام الإخوان باغتيال ناظر الخاصية الملكية، وصدر قرار بمنع نشاط جماعة الإخوان على الأراضي الليبية.
وعقب وصول القذافي للحكم، نشط الإخوان مرة أخرى، وسرعان ما عادوا للعمل السري، عقب إلغاء القذافي للأحزاب.
ومع سقوط حكم القذافي، وجد الإخوان الفرصة سانحة للعودة للمشهد من جديد والسيطرة على ليبيا التي كانت تعاني من التفكك وعدم وجود نظام سياسي محدد، فأسست الجماعة حزب العدالة والبناء، بقيادة محمد صوان، والذي حقق نجاحًا ملحوظًا في أول انتخابات برلمانية في ليبيا وحصل على 34 مقعد من أصل 200 مقعد، فيما نجحت الجماعة في عقد التحالفات مع السياسيين، واستبعاد سياسيي فترة القذافي من حقهم في ممارسة السياسة، واستبعادهم تماما من المشهد.
ثم ظهر النشاط المسلح للجماعة ممثلًا في “لواء الدروع” ومع انتشار أعمال العنف والحرب الأهلية تأثرت الجماعة بصورة كبيرة.
وسرعان ما تأثر الإخوان بسقوط حكمهم في مصر، وقام المؤتمر الوطني العام بتشكيل الحكومة المعترف بها حاليا، وانتقل مجلس النواب إلى طبرق، والذي كلف اللواء خليفة حفتر بمواجهة المليشيات المسلحة المساه فجر ليبيا في طرابلس، ثم شملت العمليات كافة الجماعات المسلحة.
في هذا التوقيت ظهر ما يعرف بالمؤتمر الوطني العام الجديد، والذي تشكل من عناصر خاسرة بالانتخابات البرلمانية الليبية، وأعلنوا دعمهم لمليشيات فجر ليبيا، وهو المؤتمر الذي تحالفت معه جماعة الإخوان من خلال حزب العدالة والبناء، وكتلة الوفاق لدماء الشهداء، والتي تضم تشكيلات مسلحة مدعومة من الإخوان بقيادة تركيا وقطر
ومع استمرار الحرب المعلنة ضد المليشيات المسلحة في ليبيا، فقد المسلحون الكثير من الأراضي التي يسيطرون عليها، ما نتج عنه تنصل العديد من القادة من الإخوان، الداعم الرسمي للمسلحين، وفقدت الجماعة رويدًا رويدًا سلطتها في ليبيا، واصطدمت بالعديد من الاستقالات والانشقاقات وحالات تمرد متعددة، أشهرها انسحاب خالد المشرى من الجماعة مطلع عام 2019، والتي كانت تعتبر هزة كبيرة داخل أروقة الجماعة، وتهديدات جماعة مصراته بالانسحاب أيضًا، وفقًا لما جاء على لسان محمد غميم، قيادى الجماعة بمصراته، حول استقالات جماعة الزاوية ووصفه لها بأنها قرار شجاع، داعيًا باقي عناصر الجماعة لاتخاذ نفس الموقف.
مناورة سياسية بعد خسارة المركزية القاهرية
في هذا الصدد، يقول أحمد عطا، الباحث في شئون الإرهاب بمنتدى الشرق الأوسط في لندن، إن حزب العدالة والبناء هو الجناح السياسي لإخوان ليبيا بقادة محمد صوان تخصص في صناعة الأزمات التي واجهتها ليبيا في أعقاب الثورة، لافتا إلى أن حزب العدالة والبناء كان يتلقي التعليمات مباشرة من أنقرة لتنفيذ ما يعرف بعمليات التمكين العثماني داخل المؤسسات الليبية بعد ثورات الربيع العربي وأثناء تولي فايز السراج المجلس الرئاسي الليبي والذي جعل من أنقرة جزءا من المعادلة السياسية داخل ليبيا بعد أن وقع معها مذكرتي الدفاع المشترك والحدود البحرية.
وأضاف عطا، في تصريح خاص: “أعتقد أن الأمر مجرد مناورة سياسية بعد أن خسر التنظيم الدولي مركزيته في القاهرة بعد ثورة ٦/٣٠ في مصر ومن ثم هروب قياداته لتركيا وتأسيس مجلس شوري الإخوان العالمي برئاسة همام علي يوسف – التنظيم الآن من خلال أجنحته في عدد من الدول العربية يريد أن يعود ويتمكن من خلال العمل السياسي وليس من خلال العمل التنظيمي لتكون السنوات المقبلة سبيلا للتدرب والتعلم من أخطاء الماضي ولمحاولة التموضع من جديد”.
إعادة الإندماج لا مراجعة
لا تمثل خطوة الإخوان الأخيرة مراجعة فكرية على الإطلاق، إذ إن المراجعات من هذا النوع ترتبط بالتنظيمات الجهادية مثل الجماعة الاسلامية وجبهة النصرة والقاعدة، أما الإخوان لا يعتمدون تلك الخطوة لكن يتم الالتفاف وإعادة البحث عن موطئ قدم من أجل إعادة التواجد والاندماج في المجتمعات من جديد.
المتابع الجيد لتحركات التنظيم الدولي يكتشف أنه يعتمد على ليبيا وتونس من أجل إعادة طرح نفسه في الشارع العربي من جديد وارتداء عباءة أخرى غير عباءة الاخوان والدفع بكل أدواته من أجل العودة للعمل العام والسياسي وتطورات الأوضاع خلال الفترة الماضية في كلا الدولتين وتحركات التنظيم الدولي بهما.
ويعول الإخوان على هذه الخطوة لكسر الصورة السلبية عنهم في المجتمع الليبي باعتبارهم جماعة ممولة ومتورطة في الإهاب قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر المقبل.
كما تسعى الجماعة لتعطيل التعيينات الجديدة في المناصب السيادية، بعد أن خلت قوائم المرشحين من أذرعهم القديمة فيها، وبخاصة رئيسا المصرف المركزي وديوان المحاسبة.
الهروب من التصنيف الإرهابي
وفي سياق متصل، يقول أحمد جمعة المتخصص في الشأن الليبي، إن فك الارتباط مع التنظيم الدولي للإخوان غرضه هو محاولة الهروب من تصنيف الجماعة بـ”الارهابية”، لافتا إلى قرار مجلس النواب الليبي في مايو 2019 بأن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية مما يعرض الجماعة بعد أن فقدت كافة أدواتها لخطر الإطاحة بها عن بكرة أبيها، لذا كان الاعتماد على تغيير الاسم والنهج.
يرى جمعة في تصريح خاص: “لا شك أن خوض الانتخابات التشريعية المقبلة والمزمع عقدها نهاية العام الجاري هي الشغل الشاغل للجماعة وفي محاولة للالتفاف حول التصنيف وإبعاد عناصرها من الماراثون الانتخابي، فضلا عن سعي الجماعة إلى الدفع بقيادات الصف الثاني والثالث بدلا عن قيادات الصف الأول في الانتخابات التشريعية، إذ تواجه قيادات الصف الأول رفضا شعبيا كبيرا لما ارتبكوه من أخطاء خلال السنوات الماضية.
وتابع: “الجماعة خرجت في بيان مفاجئ للتأكيد على أنها جماعة ليبية وليست تنظيما عالمي وأنها لا تنتظر تعليمات من مجلس شورى التنظيم الدولي، وهي محاولة واضحة لفك الارتباط مع التنظيم الدولي إلا أنها في الوقت ذاته محاولة مكشوفة للإلتفاف على الشمهد الليبي، وأعتقد أن الليبين باتوا أكثر حنكة من ذي قبل وتعلموا من أخطاء الماضي”.
“الجماعة تحاول إعادة ترتيب أوراقها من الداخل وتحاول أن تجد لنفسها أي متنفس لأن تكون في المشهد العام ومن ثم تعمل على إعادة الإندماج عاما تلو الآخر، إلا أن الأخطاء التي ارتكبوها والتي على رأسها استدعاء العنصر الأجنبي إلى داخل الأراضي الليبية متمثلة في مرتزقة سوريين ومستشارين أتراك زاد من رفض الشارع الليبي لهم أكثر فأكثر” يختم جمعة.