تسعى الحكومة إلى تعزيز نسبة مساهمة قطاع التصدير، في جذب العملة الصعبة، بعد الاعتماد على السياحة وتحويلات العاملين بالخارج. بالإضافة إلى إيرادات قناة السويس، والتي تظل مرهونة بهزات مرتبطة بحركة الاقتصاد العالمي.
ويعاني قطاع السياحة من ضربات تلو الأخرى منذ يناير 2011. بداية من الأوضاع الأمنية التي بمجرد استقرارها جاءت حادثة الطائرة الروسية. ومع استقامة الأمور عاد التضرر مجددًا من بوابة جائحة كورونا التي ضربت صناعة السياحة والطيران على مستوى العالم.
كما شهدت تحويلات المصريين تذبذات أيضًا مع الأوضاع الأمنية في الدول العربية. ثم أزمة كورونا وسياسات الإغلاق التي أثرت بشدة على تحويلات العاملين بالخارج في عام الأزمة الأول قبل أن تعود لمعدلاتها. ما زاد من التفكير الحكومي في ضرورة الاهتمام بالتصدير. كذلك رفع مساهماته بين عناصر جذب العملة الصعبة من الخارج باعتباره موردًا أكثر استقرارًا.
ويبلغ دعم الصادرات في مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 4.2 مليار جنيه مقابل 7 مليارات جنيه للعام المالي الحالي. مع تبني وزارة المالية سياسة المبادرات المباشرة لتنشيط التصدير، أكثر من الدعم الموجه لصندوق تنمية الصادرات.
وقال وزير المالية محمد معيط، في مشروع الموازنة الجديدة الذي حصلت “مصر 360” على نسخة منه، إن الوزارة تطبق سياسات جديدة. تلك السياسات من شأنها تحفيز الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية الداعمة للنمو، خاصة الصناعة والتصدير. ذلك لاستيعاب العمال المتضررة من توقف الأنشطة الإنتاجية نتيجة الإجراءات الصحية والإجراءات الاحترازية المتبعة.
الحكومة تقدم دعم مستمر لـ”التصدير”
بلغ إجمالي ما وفرته الحكومة للمصدرين 21 مليار جنيه خلال أقل من عام ونصف. عبر مجموعة من المبادرات أهمها مبادرة السداد الفوري النقدي لنحو 85% من مستحقات المصدرين لدى صندوق تنمية الصادرات. والتي اشترك فيها 1580 شركة ليصبح إجمالي ما تم سداده للمصدرين، خلال الفترة من أول أكتوبر 2019 حتى 30 ديسمبر 2020 نحو 21 مليار جنيه. كما يتوقع أن تزيد بنهاية يونيو المقبل إلى 25 مليار جنيه. بينما اشترك في المرحلة الثانية من المبادرة نحو 1601 شركة.
انعكس ذلك الاهتمام على ارتفاع الصادرات المصرية غير البترولية بنسبة 6%، خلال الربع الأول من 2021 لتبلغ 7 مليارات و438 مليون دولار. مقارنة بـنحو 6 مليارات و990 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من 2020.
قال مسئول بالمالية إن الوزارة تستهدف سداد جميع المتأخرات المستحقة للمصدرين حتى 30 يونيو 2020. وإعداد خريطة الطريق التي تتناسب مع المرحلة المقبلة، بهدف زيادة مساهمة الصادرات في معدل النمو الاقتصادي. كذلك رفع الملاءة المالية للشركات، ودفع القدرة على استمرار تواجد المنتج المصري بالأسواق العالمية.
تتضمن مبادرات المالية سداد 30% من مستحقات المصدرين وسداد جميع مستحقات صغار المصدرين. وتنطبق الأولى على الشركات والثانية على المصدرين الصغار الذين لديهم مستحقات لدى صندوق دعم الصادرات بقيمة 5 ملايين جنيه فأقل. كذلك استفادت من تلك المبادرتين نحو 2350 شركة بإجمالي 4 مليارات جنيه.
كما أطلقت المالية مبادرة المقاصة مع مستحقات مصلحة الضرائب المصرية والضرائب العقارية والجمارك. التي جاءت تلبية لطلبات الشركات المصدرة بالنسبة للشركات التي لديها تعثر مالي في سداد المديونيات الضريبية أو الجمركية المستحقة لصالح مصالح وزارة المالية. مع وجود مستحقات لديهم لدى صندوق تنمية الصادرات. واستفادت منها حوالي 400 شركة بإجمالي تسويات 1.5 مليار جنيه، بجانب مبادرة إجراء مقاصة بين مستحقات المصدرين وقيمة أقساط الأراضي الصناعية المستحقة عليه.
وشملت مبادرة الاستثمار سداد مستحقات المصدرين مقابل إجراء مزيد من التوسعات الاستثمارية. أو بمعنى آخر حصول الشركات على كامل مستحقاتها على خمس دفعات خلال فترة تتراوح بين 3 و4 سنوات. كذلك استفادت منها 153 شركة بإجمالي 2.6 مليار جنيه.
دراسات سلعية
تحتاج الصادرات المصرية إلى توفير الدراسات السلعية الحديثة التي تتيح فرصة للمصدر لتحديد السوق التي يمكن الدخول بها. والعمل على تفعيل الاتفاقيات التجارية مع بعض الدول. خاصة اتفاقية التجارة الحرة العربية فلا تزال دولة مثل المغرب تطلب تراخيص استيراد. بينما لم تطالب تونس بأذون استيراد لبعض السلع التي رفعت عنها الاستثناءات.
وتعول الحكومة كثيرًا على السوق الأفريقية في تنشيط الصادرات المصرية. لكنها لا تزال تواجه عدة عقبات تقف في طريقها في ظل التواجد القوي للشركات متعددة الجنسية. وتغلغلها في النشاط الاقتصادي بالدول الأفريقية بجانب عدم وجود خطوط ملاحة بحرية وجوية منتظمة مباشرة ين مصر ومعظم الدول الأفريقية. ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن، وطول فترة الرحلة، وتلف البضائع في بعض الأحيان.
تضمن العقبات أيضًا ارتفاع معدلات المخاطر التجارية في الأسواق الأفريقية وزيادة تكاليف التأمين على المنتجات المصدرة. كذلك عدم وجود آليات لضمان وتمويل الصادرات وغياب وجود تسهيلات انتمائية ضد مخاطر التصدير لأفريقيا. وعدم وجود فروع للبنوك المصرية بتلك الدول الأفريقية.
لكن نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، أعلنت أخيرًا عن تدارك تلك المشكلات، عبر تأسيس شركة لضمان مخاطر الصادرات مع دول القارة الأفريقية، برأسمال يبلغ 600 مليون دولار.
ويواجه المنتج المصري أيضًا مشكلة في لجوء العديد من الشركات الصينية إلي دخول منتجاتها لجبل علي أو الأردن وعمل شهادة منشأ عربي لها. ودخولها الأسواق العربية، كمنتج عربي يتمتع بالحماية الجمركية ويتضح ذلك وبشكل صارخ في (سوريا – الأردن – ليبيا).
غياب الوعي لدى الصناع المصريين
ويشير اتحاد مستثمري المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى إشكالية عدم وعي الصناع المصريين بتطبيق المواصفات والمعايير الفنية السليمة. ما يؤثر على سوقها في الداخل والخارج.
ووفًقا لعلاء السقطي، رئيس الاتحاد، فإن كثيرًا من المشروعات الصناعية تحتاج إلى الدعم الفني في تحسين جودة المنتجات والتوعية بالمواصفات العالمية. وتسهيل فرصة الحصول على المعلومات والمقاييس المطبقة في الدول الكبرى. وحال تطبيقها لن يمثل ذلك أعباءًا مادية على المصانع المصرية وإنما فقط يحتاج إلى مزيد من المجهود والعمل.
تعاني المصانع المصرية كثيرًا في الحصول على شهادات الجودة المعتمدة عالميًا نظرًا لارتفاع أسعارها وارتفاع تكاليف تأهيل المنشأة للحصول عليها. تلك الشهادات تعد ضمان على مدى جودة السلعة المقدمة للمستهلكين وتضمن زيادة ترويج بضائع المنتجين وتؤدي لزيادة الثقة في بضائعهم
ويشير السقطي إلى تحد آخر يتمثل في عدم مراعاة اتجاهات التصميمات الجديدة والموضة العالمية. ما يقلل من مميزاتها التنافسية في الأسواق العالمية. داعًيا الحكومة إلى التفكير فى طريقة لخفض تكاليف شهادات الجودة أو دعمها أو تمويلها على أقساط.
ويلغت صادرات مصر في 2020 نحو 25.29 مليار دولار في 2020 مقابل 25.63 مليار في 2019. بينما بلغت 25.14 مليار دولار في 2018 و22.6 في 2017.
المبادرات خطوة جيدة
وقال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن مبادرات وزارة المالية لدعم المصدرين خطوة جيدة على طريق تحقيق معدلات نمو غير مسبوقة. إذ تريد مصر تسجيل ـصادرات بـ55 مليار دولار خلال 5 سنوات من الآن. كذلك كافة دول العالم تدعم ملف التصدير لما له من أهمية كبيرة في توفير العملة الصعبة وانتشار منتجات البلاد في كافة أنحاء العالم.
وأكد أن ملف التصدير يشهد اهتمامًا كبيرًا منذ بدء برنامج الاصلاح الاقتصادي، لترتفع الصادرات بزيادة سنوية ما بين 10 و12%. وهي نسبة أقل كثيرًا من إمكانيات الاقتصاد المصري والتطلعات، لكنها جاءت في خضم كورونا.
وقال الشافعي إن عصب أي اقتصاد هو الصناعة والصادرات فهما المحرك الأساسي لنمو الاقتصادي وجذب العملة الصعبة بشكل مبشار عبر التصدير. بينما غير مباشر بتوفير احتياجات السوق المحلية ما يحد من الاستيراد للخارج واستزاف الاحتياطي النقدي.
تنتظر الصادرات المصرية مستقبلًا جيدًا بإزالة العوائق أمام التصدير لتتكامل مع المبادرات التي تبنتها، خاصة في ظل تجارب الكثيـر مـن الـدول. تلك التـي تمكنـت مـن إحـراز تقـدمٍ فـي الاسـتفادة مـن الفـرص التصديرية مثل تركيـا. التـي بلغـت صادرتهـا عـام 2017 حوالـي 157 مليـار دولار، وجنـوب أفريقيـا التـي بلغـت صادراته 98.5 مليار دولار.