كشفت جائحة كورونا غياب العدالة الصحية بين دول العالم، وحتى بين أبناء الوطن الواحد. بعد أن لعبت الطبقية دورًا في حصول الأفراد على الرعاية الصحية اللازمة، أو حتى سرعة وصول اللقاح.
وفي يوم الصحة العالمي الذي يحتفل به العالم يوم 7 أبريل من كل عام، دعت منظمة الصحة للانضمام إلى حملة لإقامة عالم يتمتع بأكبر قدر من العدالة الصحية. بعد أن كشفت الجائحة عن مقدار ما تتسم به المجتمعات من بُعد عن المساواة.
وفي رسالة بمناسبة يوم الصحة لهذا العام، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إن اليوم يسلّط الضوء على مظاهر انعدام مساواة النظم الصحية.
وتابع يقول: “لاحظنا داخل البلدان، أن معدلات المرض والوفاة الناجمين عن فيروس كورونا أعلى بين السكان والمجتمعات التي تكابد الفقر. كما تكابد ظروف المعيشة والعمل غير المواتية والتمييز والاستبعاد الاجتماعي”.
جائحة كورونا والتوزيع غير العادل للقاحات
ووفق الأمين العام، بفضل مبادرة مبادرة كوفاكس، التي تتيح لقاحات كورونا على الصعيد العالمي زاد عدد الدول التي بدأت تتلقى حاليًا إمدادات من اللقاحات. “ولكن لا يزال يتعيّن على معظم سكان البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل الترقب والانتظار”.
وأشار إلى أنه على الصعيد العالمي، ظهر أن الغالبية القصوى من جرعات اللقاحات التي تُعطى يستأثر بها عدد قليل من البلدان الغنية، أو البلدان المنتجة.
كما أضاف يقول: “هذه المظاهر من انعدام الإنصاف ليست أخلاقية، وتشكل خطرًا على صحتنا واقتصاداتنا ومجتمعاتنا”.
ودعا الأمين العام إلى تنفيذ سياسات وتخصيص موارد حتى يتمكن الجميع من التمتع بنفس النتائج الصحية. وبالتالي تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وتوفير التغطية الصحية الشاملة حتى يتسنّى للجميع، أن يحيوا حياة مزدهرة.
كذلك قال في ختام رسالته: “فلنلتزم، في يوم الصحة العالمي هذا، بالعمل معًا كي تعمّ الصحة والإنصاف هذا العام”.
وفي مؤتمر صحفي افتراضي سابق عقد على خلفية وصول لقاحات كورونا وتوزيعها في شرق المتوسط. قال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية الدكتور أحمد المنظري، إن المنظمة تشهد اتجاهًا يبعث على القلق فيما يتعلق بعدد الإصابات.
كذلك أضاف: “هناك عدة عوامل يمكن أن ترتبط بهذه الزيادة في الحالات الجديدة. ويمكن تفسير بعض هذه الزيادة، بزيادة انتشار التحوُّرات المثيرة للقلق. إذ نرصدها عن كثب”.
زيادة الحالات وصعوبة وصول اللقاح للفقراء رغم الجائحة
ووفق المنظمة، أَبلغ 14 بلدًا عن زيادة كبيرة في الحالات الأسبوعية هذا الأسبوع مقارنةً بالأسبوع الماضي. كما حذرت المنظمة من زيادات أكثر في الحالات والوفيات مع حلول شهر رمضان وعيد الفصح.
ويتلقى السكان التطعيمات في 20 بلدًا، وأُعطيت أكثر من 23 مليون جرعة حتى الآن. واستلم 12 بلدًا في الإقليم بالفعل اللقاحات من خلال برنامج كوفاكس، كان آخرها مصر واليمن.
وفي مطلع الشهر الماضي تلقت مصر 854 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا أوكسفورد المضاد، عبر “كوفاكس“. بينما تمر بمعدل عالي من الإصابات، خاصة في الصعيد.
على سبيل المثال تستخدم مصر التسجيل الإلكتروني لتلقيح السكان، وهو ما يتطلب خدمة “إنترنت” وهي غير متاحة لكافة السكان خاصة الفقراء. كذلك صعوبة وصول كبار السن إلى أماكن التلقيح. وفي اليمن تصعب النزاعات العسكرية من وصول اللقاح للمواطنين، وجميعها إشكاليات لم تحلها أغلب الوطنيات.
وأشارت المنظمة أيضًا إلى أن البطء في توزيع اللقاحات “غير مقبول”. كما أكدت أهمية الاستمرار في تطبيق الإجراءات الصحية والاجتماعية العامة للتعويض عن التأخير. بما في ذلك التباعد البدني واستخدام الكمامات.
كذلك خلال مارس الماضي اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا يحث الدول على ضمان حصول جميع البلدان على اللقاحات. إذ لابد أن يتم ذلك بشكل شامل ومنصف وميسور التكلفة وفي الوقت المناسب ضمن جهود الاستجابة للجائحة.
وحظي مشروع القرار بتأييد أكثر من 130 دولة، وتم اعتماده بدون تصويت في المجلس المكون من 47 عضوًا.
الاختلال الطبقي والإصابة بكورونا
على مستوى الإصابات بالوباء، أشار نموذج صنعه باحثون أمريكيون لمراقبة تأثير إعادة الفتح عقب الجائحة. إلى أن السكان الفقراء المحرومين من الرعاية الاجتماعية والاقتصادية يُصابون بصورة أكبر بالفيروس. إذ أوضحت الدراسة أن هناك معدلات أعلى للإصابة بين مجموعات عرقية بعينها يُعرف عنها السكن في الأماكن المتواضعة. “هؤلاء لا يستطيعون تقليل التنقُّل والالتزام بالشروط الصحية والتباعد الاجتماعي. إذ إن النقاط التي يزورونها أكثر ازدحامًا وأعلى خطرًا وأكثر سخونةً في معدلات انتقال العدوى”.
يُشير النموذج أيضًا إلى أن الأحياء ذات الدخل المنخفض لم يتمكن سكانها من الحد من تنقُّلهم. ذلك بسبب مجموعة من العوامل، أهمها كوّن سكان تلك الأحياء من العمال الأساسيين في مجالات تتطلَّب الحضور في مكان العمل مثل مجال البناء. وبالتالي لا يستطيع هؤلاء العمل من المنزل.
كما تميل الأماكن التي تزورها المجموعات الأقل امتيازًا من الناحية الاقتصادية، إلى أن تكون أكثر ازدحامًا، مما يزيد من خطر الإصابة.
على سبيل المثال يقول النموذج إن زيارة واحدة للمتجر أكثر خطورةً بمقدار الضعف بالنسبة للأفراد ذوي الدخل المنخفض مقارنةً بزيارة ذوي الدخل المرتفع. “وذلك لأن متاجر البقالة التي زارها الأفراد ذوو الدخل المنخفض تشهد زيادةً في عدد الأشخاص بـ59% لكل قدم مربع. كما يقضي زوارها مدةً أطول داخلها بنسبة 17%.
تأثير ما بعد الجائحة
ليست نسب الإصابات فقط التي أبرزت الخلل الطبقي القائم، ولكن كان تأثير ما بعد الوباء كان بدوره أشد وطأة على الفقراء. فمثلًا أفادت استطلاعات بأن 70% من الأسر في تسع دول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بحدوث خسائر مالية جسيمة. بعد أن أجبرت الظروف الاقتصادية السيئة قرابة 50%. أو أكثر ممن شملهم الاستطلاع في عدة بلدان على تناول وجبات أصغر أو الحرمان من وجبات الطعام تمامًا. وهو الرقم الذي ارتفع ليصل إلى 87% بين الأسر الريفية في سيراليون على سبيل المثال.
كما نشرت في دورية “ساينس ادفانسيس” إلى أنه بعد عقدين من النمو في العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. تسببت الأزمة الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا في حدوث تأثير عميق طويل الأجل على البلدان منخفضة الدخل.
أدى ذلك التأثير إلى انخفاض في تغذية الأطفال، ما يعني عواقب صحية جسيمة في المستقبل. بينما ترك بعض الأطفال المدارس بسبب استخدام العائلات مدخراتها في سد احتياجاتها من الطعام. كما أثرت الأزمة ذاتها على الزراعة بسبب نقص تمويل الاستثمار في الأسمدة أو تحسين الأراضي، ما يعني انخفاض غلة المحاصيل.