أثارت تصريحات شيخ الأزهر الأخيرة الجدل حول تغير اللهجة الدينية، ومحاولاتها للتوازن مع قيم العصر، وعلى مرمى من محاولات سعودية للعب الدور ذاته، وهي تصريحات تعاطي معها متخصصون بأكثر من طريقة نظرا للتعقيدات المرتبطة بتطبيق حديثه فيما يخص ولاية المرأة.

أخيرا، صرح الشيخ أحمد الطيب بجواز المرأة تولي الوظائف العليا والقضاء والإفتاء، والسفر دون محرم متى كان آمنا، والطلاق التعسفي بغير سبب حرام وجريمة أخلاقية، مؤكدا أنه لا وجود لبيت الطاعة في الإسلام، ولا يحق للولي منع تزويج المرأة بكفء ترضاه دون سبب مقبول، وللمرأة أن تحدد لها نصيبا من ثروة زوجها إذا أسهمت في تنميتها.

وقبل أسبوع، دعا الطيب إلى عدم ‏تقديس التراث الفقهي، أو مساواته بالشريعة، وذلك خلال برنامجه التلفزيوني الرمضاني ” الإمام الطيب” الذي يذاع على عدد من القنوات والمنصات الرقمية في شهر رمضان، وهي زاوية ثابتة يطل من الشيخ للحديث عن الأمور الفقهية.

حينها بدا تصريح الشيخ تراجعا عن تصريحات سابقة أكثر تشددا، خاصة موقفه من تصريحات رئيس جامعة القاهرة محمد الخشت، التي أبدى فيها استماتة في الدفاع عن المدرسة الأشعرية و نصوص التراث.

تلك المناظرة التي دارت خلال العام الماضي بين الطيب والخشت حول “تجديد الخطاب الديني” خلال مؤتمر عالمي نظمه الأزهر وموضوعه “التجديد في الفكر الإسلامي”، وقتها أشار أستاذ الفلسفة، إلى أن التجديد المنشود “لا يمكن أن يأتي عن طريق المؤسسات الدينية التقليدية”.

كما انتقد المحاولات لإحياء علوم الدين مطالبا بـ”ضرورة تطويرها وتفكيك البنية العقلية التي تروج للخطاب الديني التقليدي لتأسيس خطاب جديد يتماشى مع مقتضيات العصر”.

وجاء الرد حاسما، إذ أكد شيخ الأزهر آنذاك على أهمية التراث الذي “خلق أمّة كاملة”، منبها إلى أن “الفتنة الحالية سياسية وليست تراثية”، وقبل أيام عاد الطيب وتخلى عن التراث، فماذا حدث؟

تصريحات الطيب..تبعية سعودية أم تجديدا للخطاب

ربط البعض بن تصريحات الطيب، وولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان، الذي خاض نقاشا متلفزا حول التجديد الديني في المملكة المعروفة بتمسكها بالمدرسة الدينية الأكثر تشددا، حين قال “إن حديث الآحاد غير ملزم كإلزامية الحديث المتواتر إلا إذا اقترن بنصوص شرعية واضحة وبمصلحة دنيوية راجحة، هذا إن كان صحيحاً، بينما الخبر الذي هو عن فرد عن فرد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن جماعة عن جماعة عن فرد عن النبي، فهذا يشكل النسبة العظمى من الأحاديث، وهي بهذا الشكل غير ملزمة”.

تصريحات بن سلمان هي الأولى من نوعها في مساس حاكم سعودي بشكل نظري معلن بالمنهج الديني الذي تركن إليه المملكة، غير أنه يتفق مع إعلان الشاب تطوير الخطاب الديني، وخطوات سابقة تخص تعليق عمل جماعة الأمر بالمعروف على سبيل المثال، أو قيادة المرأة.

من هذا المنطلق، نحاول فهم تشكيك البعض في جدية تصريحات الطيب ومدى تأثيرها، بينما يثني آخرون على تصريحاته باعتبارها تحمل نوعا من أنواع التغيير والمراجعة.

التبعية للبيت السعودي يجدها المحامي الحقوقي مايكل رؤوف أمرا فرضه الواقع الاقتصادي الهش، الذي ساهم في محو الهوية الوطنية. وهو واقع يشرحه عملة الريال السعودي التي كانت تساوي 90قرشا، فأصبحت أكثر من أربعة جنيهات مصرية خلال السنوات الأخيرة.

اقتصاد هش، ورجعية تتوافق مع تحجر الأفكار مجتمعيا للدرجة التي تغيرت فيها مصطلحاتنا الحياتية ليصبح الجدل الديني سواء مسلم أومسيحي واقع مفروض على كافة تفاصيل الحياة.

 ولا أدل على ذلك من اللغة اليومية التي تغيرت من “البقية بحياتك” للمسلم أو المسيحي، إلى “البقاء لله، و”تعازينا للسماء”، لكل على حدة، ووفقا لمايكل أصبح التنافس على الرجعية سمة الحياة في مصر.

اقرأ أيضا:

“انتِ طالق يا هنا”.. كيف أعاد “لعبة نيوتن” فتح ملف الطلاق الشفوي؟

 

الرجعية كسمة توافق هوى الدولة وجماعات المصالح

الرجعية كسمة لفتت إليها الباحثة في النوع نفيين عبيد إذ تشير إلى أنه قضت العادة أن تكون الدولة المصرية سباقة عن المؤسسات الدينية في تبني بعض الرؤى أو التدخلات التقدمية؛ إلا أن الملاحظ مؤخرا تبدل الأماكن في بعض القضايا.

تضرب عبيد المثال على ذلك بالنسخة الأخيرة المسربة عن قانون الأحوال الشخصية والتى لاقت هجوما كثيفا؛ وهي النسخة التي وقع عليها كل من وزارة التضامن الاجتماعي والمجالس القومية المعنية بالمرأة والطفل؛ وهو ما يفيد بأن الأطراف الرسمية نفسها تمتلك رؤية مرتبكة ومشوشة؛ رغم أن المؤسسة الدينية لديها تصريح سابق بأسقف أكثر ارتفاعا عن المسودة المثيرة للجدل.

وعلى ذلك، توقعت عبيد أن التصريحات الأخيرة غير مفيدة بالنسبة للقانون المثير للجدل، مرجعة ذلك إلى أن عدم قبول جماعات المصالح المختلفة لقانون أكثر عادلة للجنسين؛ خاصة وأن النص لا يخدم التصريحات الأخيرة.

في المقابل، رحبت الباحثة عبيد بتصريحات الأزهر واعتبرته خطوة إيجابية؛ ويوجه رسائل للمجتمع أشبه بالضوء الأخضر لتقبل التغيير، ويتوافق مع التيارات الليبرالية والمدافعة عن الحقوق المدنية التي طالما دعت إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني لما له من دور في خلق رؤية متجانسة شاملة للتنمية.

التغيير المجتمعي لايقتصر على الأزهر

لفتت عبيد إلى أن الازهر أحد الأطراف الفاعلة في هذا الخطاب التغييري، وليس جميعها، كما أن التصريح الأخير ليس هو الأول من نوعه، ومع ذلك لم يكن لكلماته التأثير المطلوب، فلماذا؟

ترجع عبيد عدم تعويل البعض على تلك التصريحات، والتشكيك بجدواها، إلى أن الأزهر ليس الجهة الوحيدة كما سبق الذكر المنوطة بهذا التغيير، فهناك الخطاب الرسمي، وغير الرسمي، والتعليم، والأحوال الاقتصادية وغيرها من أدوات دفع الأمور إلى الأمام.

إلى جانب عوامل تتعلق باختراقات جهات أزهرية، وانقلابها على الآراء الصادرة من داخلها، وهو تناقض ينبع من المؤسسة ذاتها، إلى جانب شبهات تتعلق باستقلاله عن المؤسسة الرسمية، مما خلق حالة من عدم الثقة بين المواطنين.

ومع ذلك تؤكد عبيد دعمها لمواقف المؤسسة الدينية المستنيرة، ولكنها بدورها تلقي بالكرة في ملعب الفاعلين الآخرين، مثل المجالس القومية المعنية، والبرلمان، والجهات التنفيذية العليا.

اعتبرت الباحثة عبيد أن تحميل الأزهر وحده مسؤولية التغيير، يعد ظلما ودورا ليس دوره، ضربت مثالا على ذلك بفتاوى الختان، واقتراحات الأزهر في قضايا الأسرة التي لم يؤخذ بها على مدار سنوات، حتى جاءت الإرادة السياسية وأقرت الأمر على شكل قوانين.

وحول الفتوى بوصول المرأة للقضاء لفتت عبيد إلى أن الأمر ليس بحاجة لإذن ديني، بعد أن أقره الدستور؛ ومع ذلك هناك تعثر في إتاحة المنصب للنساء؛ وهو ما يفيد أن المجتمع يقبل وبموجب الدستور منفردا وصول النساء للمنصب؛ ولكن المعوق الحقيقي في تمكن النساء من المنصب هم القضاه أنفسهم كجماعة مصالح تعمل على توريث المهنة لأبنائها من الذكور والإناث أيضا؛ فالقضاء الإ

داري يعج بالنساء؛ ولكن وصول المرأة للمنصب يتطلب في الأساس إلى مكافحة الفساد والمحسوبية، ووقف التمييز؛ وهو أمر يتعلق بعافية دولة القانون في الأساس.

أزمة “الشريعة الاسلامية مصدر التشريع”

 يعود رؤوف ليذكر بجذور المشكلة، والتي أوجزها في مواد الدستور التي تخضع في أحد أهم نصوصها للشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع، وفي حين لايتم العمل بها في كافة مناحي القانون، يتم استغلالها في الارتداد للخلف من جهة أطراف تبتغي من الحفاظ على الوضع الراهن مزيدا من النفوذ، والسيطرة.

لذا يجد مايكل أن تصريحات شيخ الازهر لن يتم الأخذ بها، في المحاكم، أو حتى الاسترشاد بها، لأن إجازة أي تعديل يتطلب الرجوع إلى الشريعة الإسلامية، التي يؤخذ بالتشدد فيها أغلب الوقت، فيبقى الوضع على ماهو عليه “بلغة القانون”.