ما يزال ملف الميلشيات المتواجدة في ليبيا يبعث بمخاوف وتعقيدات جمة. كما يعد من بين أبرز القضايا التي تشكل عائقاً أمام تحقيق كافة مخرجات اتفاق جنيف، والذي يحاول إنهاء عشرية الصراعات الدموية المحتدمة. فإنهاء وجود الميلشيات، كحالة أمنية وسياسية، خطوة إجرائية ضرورية وملحة لتوحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية. ومن ثم، تجميد نشاط القوى المدعومة من أطراف إقليمية، تحاول تشكيل جيوب لفرض مصالحها السياسية والإقليمية.

المليشيات المسلحة تحاصر فندق المجلس الرئاسي

مليشيات بركان الغضب تحاصر المجلس الرئاسي الليبي

مطلع الأسبوع الحالي، حاصرت مليشيات مسلحة تعرف بـ”بركان الغضب”، مقر المجلس الرئاسي الليبي، في فندق “كورنثيا” في وسط العاصمة الليبية، طرابلس. ذلك للضغط باتجاه إقالة وزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، وكذا اللواء حسين العايب من رئاسة جهاز المخابرات العامة. وبعد يوم واحد من تعيين الأخير في منصبه الأمني عاودت الميلشيات المدعومة من تركيا أنشطتها التصعيدية، على خلفية تبنيه سياسة تنبذ بقاء العناصر الميلشياوية وسلاحها المنفلت.

وعليه، اصطفت تلك القوى لمحاولة استعادة عماد الطرابلسي في رئاسة المخابرات، والذي عينه فائز السراج، في حكومته المدعومة من أنقرة. وبرز حلفاء تركيا عبر منصاتهم الإعلامية، بنفس الدرجة، لحشد الدعاية السلبية بحق المنقوش والعايب. كذلك طالب الشيخ الصادق الغرياني، مفتي ليبيا المعزول من منصبه، ميليشيات “بركان الغضب” بالاحتجاج على تعيين وزيرة الخارجية الجديدة، ووصفها بـ”الوقحة التي تخدم مشروع العدو”. ذلك على خلفية تصريحاتها التي شددت فيها على ضرورة خروج المرتزقة والاجانب من ليبيا.

واختطفت العناصر المسلحة التي اقتحمت مقر المجلس الرئاسي الليبي محمد المبروك مدير مكتب رئيس المجلس الرئاسي الليبي.

وفي أعقاب الهجوم المسلح على مقر المجلس الرئاسي الليبي، قالت الناطقة الرسمية بلسان المجلس، نجوي وهيبة، إنه “لم يتعرض أحد لأذى بعد محاولة المليشيات اقتحام الفندق. وإن الاقتحام في طرابلس هو لفندق. ليس لمقر المجلس الرئاسي الذي ليس له مقر دائم للاجتماعات”.

ميليشيات ليبية

المسلحون لهم اليد العليا في غرب ليبيا

وأكدت الناطقة بلسان المجلس الرئاسي حدوث واقعة “اقتحام مقر من مقرات اجتماعات المجلس”. كما تابعت: “الاقتحام الذي حدث في طرابلس هو اقتحام لفندق. وليس لمقر المجلس الرئاسي الذي ليس له مقر دائم للاجتماعات”.

وفي حديثه لـ”مصر 360″، قال الناطق الرسمي بلسان المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا، إنه “من المعروف لدى الجميع أن السيطرة العليا في طرابلس للمليشيات. تلك التي تملك القوة والتي تدعمها القوات التركية بمرتزقتها المتواجدة على الأرض”.

وهذه المليشيات التي تنقسم بين ولاء للجماعة وولاء للمال لايربطها أي ولاء للوطن، حسبما أوضح العرفي. وتابع: “وفي ظل الخطوات الوطنية التي اتخذها كل من رئيس المجلس الرئاسي. بتكليف مدير جديد يتميز بالمهنية والوطنية لجهاز المخابرات العامة، ووزيرة الخارجية. التي طالبت بخروج المرتزقة والقوات الأجنبية، جن جنون هذه المليشيات. وأقدمت على الأحداث المنفلتة ليلة السبت الماضي، بينما حاصرت مقر المجلس الرئاسي. وعمدت إلى تهديد الوزير ورئيس المخابرات. وهو أمر جبلت عليه هذه المليشيات. وستستمر هذه الاعتداءات ما لم يتم تطبيق بنود اتفاق جنيف بإرادة وطنية ومساندة دولية”.

التمسك بمخرجات لجنة 5+5

ولذلك يشدد الناطق الرسمي بلسان المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا على ضرورة تنفيذ شرط اتخاذ مدينة سرت الليبية مقراً للمجلس الرئاسي والحكومة. والتمسك بمخرجات لجنة 5+5 العسكرية التي تضع حدًا ونهاية لكل الأعمال المليشياوية الخارجة عن المؤسسة العسكرية. ومن ثم، إلزام المجتمع الدولي للدول التي تتواجد قواتها على الآراضي الليبية بضرورة الخروج بما يؤدي إلى اعتبار أي اتفاقات غير شرعية، ساقطة. طالما لم يتم اعتمادها من مجلس النواب الذي اعتمد هو نفسه الحكومة الحالية.

ووفقًا للعرفي، فإن تلك النقاط الأخيرة قد تم الاتفاق على ضرورة تطبيقها. غير أن المليشيات المسلحة المسيطرة على طرابلس لن ترضى بذلك. وبالتالي، فإن تواجد المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس سيؤدي الى أحد أمرين: “انهيار الاتفاق السياسي بالكامل بسيطرة المليشيات على المقرات الرئاسية والقبض على القيادات السياسية فيها. وهو ماسيعيد القوات المسلحة بقوة إلى اتخاذ خطوات تصعيدية لحماية الشرعية. وبالتالي يعيد تدخل القوات الاجنبية في المعركة العسكرية”.

والأمر الثاني هو “وقوع القيادات السياسية الجديدة في خطأ المجلس الرئاسي السابق بشرعنة هذه المليشيات. وبالتبعية، الوقوع تحت هيمنتها وهو احتمال ضعيف لوجود عناصر وطنية في المجلس الرئاسي والحكومة قد تنسحب من المشهد ولاتقبل ذلك. ومن ثم، ليس هناك من حل إلا بخروج السلطات الليبية من مدينة طرابلس إلى مدينة سرت. تحت حماية القوات المسلحة العربية الليبية”.

نهاية الشهر الماضي، أكدت اللجنة الرباعية حول ليبيا التي تضم كلاً من الجامعة العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. أهمية التعامل مع التهديدات التي تمثلها الميليشيات المسلحة، والبدء في تنفيذ برامج عاجلة ومنهجية لتحديد وحصر هذه الجماعات وتفكيكها دون إبطاء.

المشير خليفة حفتر

اجتماع الجامعة العربية

وأوضحت جامعة الدول العربية، خلال بيان لها، أن الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط ترأس “اجتماعاً تنسيقياً للجنة الرباعية حول ليبيا. إذ تضم كلاً من الجامعة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. لبحث الجهد المشترك الذي يمكن أن تقوم به المنظمات الأربع دعمًا للعملية السياسية في ليبيا. للوصول إلى تسوية متكاملة ووطنية خالصة للوضع في البلاد”.

ولفت البيان إلى أن الاجتماع الذي عقد عبر الفيديو كونفرانس ويعد السادس من نوعه للجنة الرباعية “عُقد على مستوى قيادات المنظمات الأربع. وشهد مشاركة كل من أنطونيو جوتيريش سكرتير عام الأمم المتحدة. وجوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. ومونيك نسانزباجاجانوا نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي التي مثلت رئيس المفوضية موسى فقيه محمد”.

وثمنت اللجنة الرباعية على التقدم اللافت والمهم الذي شهدته ليبيا، على مدار الأشهر الماضية، من خلال التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار. ثم تثبيت حالة الهدوء العسكرية في الميدان. وانعقاد ملتقى الحوار السياسي الليبي، تحت رعاية الأمم المتحدة. واختيار وتنصيب السلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة، بقيادة رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.

وزيرة الخارجية الليبية

كما شددت اللجنة على ضرورة الاستمرار في مساندة الجهود التي تبذلها الأطراف الليبية، وخاصة عبر اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5. بهدف تنفيذ الخطوات والترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، وعلى رأسها التوصل إلى “آلية ليبية لمراقبة وقف اطلاق النار بدعم أممي. والإخراج الفوري وغير المشروط لجميع القوات الأجنبية والمرتزقة من جميع الأراضي الليبية، بما يعيد لليبيا سيادتها الكاملة ويحافظ على سلامة أراضيها ووحدتها الوطنية”.

“الحل الجذري”

ويشير الدكتور عبدالمنعم اليسير، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في المؤتمر الوطني السابق، إلى أن المنطقة الغربية تقع تحت سيطرة المليشيات. ويحدث ذلك منذ بداية عام 2012.

ويضيف لـ”مصر 360″: “مع عدم وجود حل جذري لمعضلة تواجد الميلشيات في ليبيا، ستزداد سيطرتها على الدولة الليبية مع كل حكومة جديدة. كل من تولى منصب حكومي بعد 2014 ليعمل في العاصمة، إما متعاون مع المليشيات مباشرة وينتمي لها. أو هو جاء لنهب واستغلال المال العام في ظل الفوضى التي تفرضها هذه المليشيات. مصالح أمراء هذه المليشيات التي تتمثل في الحصول على المال والنفوذ تتقاطع مع مصالح الإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى”.

وفي تقدير رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في المؤتمر الوطني السابق، فإن ثمة أطراف عديدة تسعى بشكل محموم كي تبقى ليبيا في حالة الفوضى. لكي يتمكنوا من سرقة أموال الدولة. في حالة الإخوان والتنظيمات الإرهابية تعتبر ليبيا “نقطة انطلاق مهمة لهم للإطاحة بالدول الأخرى في المنطقة من أجل إقامة ما يسمونه بدولة الخلافة”.

إخوان ليبيا

ويردف: “وجود حكومة لها القدرة على فرض سيادة القانون يتعارض مع برنامج الإخوان ومصلحة أمراء المليشيات والجماعات الارهابية والإجرامية. يؤدي لمثل هذه الصراعات المتكررة والتقليدية، كما جرى مع حصار مقر المجلس الرئاسي. لن يكون هنالك أي حل سياسي غير مصحوب بقوة عسكرية وأمنية لحل مشكلة المليشيات”.

ويلفت اليسير إلى أن “الفرصة الثمينة” التي وجدت في تقدم القوات المسلحة العربية الليبية لتحرير طرابلس تم إفشالها من قبل الاخوان والميلشيات وتركيا. إذ أن “هذه المحاولة لم تكون مصحوبة ببرنامج سياسيي يضاهي قدرة الإخوان على المناورة والتضليل الإعلامي. وبما إن المجتمع الدولي ساهم في إفشال تلك المحاولة، عليه الآن أن يجد الحل. وإن لم يجد الحل فإن عدوى الميلشيات المنفلتة ستنتقل إلى تونس والجزائر. وسوف تدخل المنطقة باكملها في حالة أسوأ مما هي عليه ليبيا الآن”.