تصدر الإمارات نفسها كدولة تعلي مبادئ التسامح والتعايش وقبول الآخر. وتضم تنوعًا ثقافيًا يحتوي 200 جنسية مختلفة في بلد يعيش فيه 10 ملايين شخص يمثل الأجانب 90% منهم. معظمهم من العمال ذوي الأجور المنخفضة من جنوب آسيا. بينما تشمل الباقية مهنيين من الولايات المتحدة وأوروبا ودول عربية أخرى بحسب صحيفة “تايمز”.

الإمارات أثارت الجدل مؤخرًا بعد التعديلات الجديدة التي أدخلتها على قوانين الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية. كذلك قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية، ما فتح بابًا للنقاش حول أسباب ذلك وأهمية تلك القوانين للدولة. إذ وبحسب الرواية الرسمية تهدف هذه التعديلات إلى السماح بتطبيق القوانين الأجنبية فيما يتعلق بعدد من القضايا التي يعتبرها الكثيرون “حساسة” خاصة أن الإمارات مازالت دولة عربية.

سكان الإمارات الأجانب

الإمارات تعدل حزمة من القوانين.. ما هي تلك التعديلات؟

أبرز هذه التعديلات القانونية، ما يخص الأطفال المولودين خارج إطار الزواج. فتم تعديل القانون بما يسمح للآباء غير المتزوجين بالتقدم للحصول على شهادة ميلاد للطفل المولود خارج إطار الزواج. وتم التصديق على القرار بشكله القانوني.لتعلن الإمارات أنها استكملت بهذه الخطوة عددًا من الإصلاحات الاجتماعية التي أعلنت عنها سابقًا.

كما صدرّت تشريعات أقرت آليات جديدة للإقامة للمستثمرين والمفكرين والمبدعين وأصحاب الكفاءات. عبر منحهم إقامات طويلة الأجل لإضفاء الاستقرار على أوضاعهم واستقطاب الجدد منهم. بما يعزز مكانة الإمارات كدولة جاذبة للاستثمار والمستثمرين.

كما صدر المرسوم بقانون اتحادي رقم 3 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 17 لسنة 72 في شأن الجنسية. وفتح الباب أمام إمكانية التقدم بطلبات الحصول على جنسية الإمارات وفقًا لشروط معينة.

لذلك جاءت التعديلات التشريعية الأخيرة في قوانين العقوبات والأحوال الشخصية لتصب في هذا الاتجاه. فقد مهدت التعديلات المجال لغير المواطنين لاختيار القوانين التي تطبق على تصرفاتهم في شؤون الميراث والتركات. ذلك لتحقيق استقرار المصالح المالية للمستثمرين الأجانب في الدولة. بينما كانت قوانين الميراث للمسلمين تتم وفقًا للشريعة والتي عادة ما تخصص للإناث نصف ما يحصل عليه الورثة الذكور. لكن الآن أصبح بإمكان الورثة غير المسلمين تقديم التماس لتطبيق قوانين أوطانهم.

المحكمة العليا في الإمارات

قوانين الشرف والتحرش

الإمارات أيضًا ألغت المادة التي تمنح العذر المخفف فيما يسمى بجرائم الشرف. وتشمل قتل النساء اللاتي يخالفن قواعد السلوك الجنسي المحافظة. بحيث تعامل جرائم القتل وفقًا للنصوص المعمول بها في قانون العقوبات.

كما شملت التعديلات كذلك تشديد قانون مكافحة التحرش الجنسي حيث زادت الغرامة القصوى إلى حوالي 27000 دولار.

وحددت البلاد الإعدام كعقوبة لاغتصاب القاصر. بينما ألغت تجريم الانتحار أو محاولة الانتحار. فضلًا عن إلغاء أي عقوبات على تناول المشروبات الكحولية. علمًا بأن قوانين تناول الكحول تختلف من إمارة إلى أخرى في الدولة. ما يعني تقليل نفوذ الشريعة الإسلامية على الأجانب.

في حين اعتمد رئيس البلاد مادة تسمح لأول مرة بإقامة الشركاء غير المتزوجين معًا. بعدما كانت هذه المسألة ممنوعة بموجب القانون الإماراتي.

وعلاوة على ذلك قالت دائرة التنمية الاقتصادية في إمارة دبي في تعميم نشر عبر تغريدة على تويتر: “يمنح التعميم إدارات المطاعم. خيار تغطية المطاعم أو إزالة الستائر أثناء تقديم الطعام للزبائن خلال ساعات الصيام”.

التطبيع والاستثمارات

تأمل الإمارات، التي أصبحت هذا العام ثالث دولة عربية تطبّع العلاقات مع إسرائيل. أن تؤدي مثل تلك القوانين إلى الترحيب بالسياح والمستثمرين الإسرائيليين. كما أنها تخطط لاستضافة معرض عالمي العام المقبل من المتوقع أن يجذب ملايين الزوار.

ووصفت صحيفة ذا ناشيونال المرتبطة بحكومة أبو ظبي، التغييرات بأنها “واحدة من أكبر الإصلاحات في النظام القانوني منذ سنوات”.

الإمارات والتطبيع مع إسرائيل

بحسب روثنا بيجوم الباحثة في مجال حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: “بعض هذه الإصلاحات مهمة للغاية. خاصة إلغاء تجريم محاولة الانتحار. وإزالة الأحكام المخففة التي تسمح للرجال بقتل النساء وإيذائهن باسم الشرف”.

لكنها قالت إنه لا تزال هناك مشكلة لعدم الاطلاع على النصوص الفعلية للقوانين الجديدة. ما يجعل من الصعب الحكم على نطاقها. وقالت إنه لم يتضح ما إذا كانت التغييرات التي سمحت بممارسة الجنس خارج إطار الزواج ألغت ما يسمى بقوانين الفاحشة. تلك القوانين المستخدمة لمعاقبة الجنس خارج نطاق الزواج.

كما أضافت أن التمييز على أساس الجنس والنوع الاجتماعي غير مدرج في تعريف التمييز في القانون الإماراتي لمكافحة التمييز لسنة 2015.

وكانت هيومن رايتس ووتش أشارت إلى أن القانون الاتحادي الإماراتي رقم 28 لسنة 2005 ينظم مسائل الأحوال الشخصية. تلك التي تميّز بعض أحكامه ضد المرأة.

فالقانون نص على لكي تتزوج المرأة، على ولي أمرها أن يبرم عقد زواجها، وللرجل الحق في تطليق زوجته من جانب واحد. بينما يتعين على المرأة أن تتقدم بطلب للحصول على أمر قضائي للحصول على الطلاق. ويمكن للمرأة أن تفقد حقها في النفقة إذا رفضت على سبيل المثال إقامة علاقات جنسية مع زوجها دون عذر شرعي. في 2019، أدخلت السلطات تعديلات على قانون الأحوال الشخصية والتي ألغت مادة تُلزم النساء بـ”إطاعة” أزواجهن.

بعض العوائق

على الرغم مما سبق فإن طلب تطبيق قانون أجنبي أمام محاكم دولة الإمارات العربية المتحدة ليس أمرًا مفروغًا منه. بينما يظل خاضعًا لشرطين: الأول إحضار نسخة مصدقة قانونًا إلى المحكمة من القانون الأجنبي المعمول به أو الأجزاء المتعلقة به. الثاني يجب أن يكون القانون مباشرًا وسهل التفسير في تنظيم القضايا المتنازع عليها. وبالتالي تمكين تطبيقه المباشر من قبل محكمة دولة الإمارات العربية المتحدة.

ينص القانون الجديد على توفير مترجمين للمتهمين والشهود في المحكمة إذا كانوا لا يتحدثون العربية. علاوة على ذلك تعني قوانين الخصوصية الجديدة أنه يجب حماية الأدلة المتعلقة بحالات الأفعال غير اللائقة ولا يمكن الكشف عنها علنًا.

هيومان رايتس ووتش

إفادة غير مباشرة

في الإطار ذاته قالت المحامية رادها ستيرلنج، التي أسست مجموعة الدفاع المحتجز في دبي، إن الخوف من خسارة المغتربين والمستثمرين أدى إلى الإصلاحات القانونية. واصفة ذلك بالواجهة التسويقية. معتبرة الإمارات في حالة يأس شديد، لذلك ستفيد هذه التغيرات أيضًا سكان الإمارات.

تجارب سابقة

لم تكن الإمارات الدولة العربية الأولى التي عدلت قوانين “جرائم الشرف”. فقد سبق لإجراء تعديلات على هذا القانون دول عربية أخرى منها، لبنان، وتونس، والسلطة الفلسطينية. وهي القرارات التي رحبت بها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.