زادت الموجة الثالثة لجائحة كورونا من الندوب الدائمة في وجه اقتصاد العالم، بعدما رفعت معها أجواء عدم اليقين من استدامة النمو. بالإضافة إلى توقعات متشائمة بشأن معدلات التضخم والفقر والبطالة. وهي المؤشرات الرئيسية شديدة الصلة بالحياة اليومية لمئات الملايين من البشر حول العالم. خاصة بعد تفشي الفيروس في الهند وتحوره ليعتبر الأخطر في البلد المهم جدًا من الناحية الاقتصادية في العالم.
اقتصاد العالم ما قبل كورونا
قبل انتشار كورونا في الهند، كانت التقارير تتوقع بعض التحسن على مستوى الاقتصاد العالمي. بينما انكمش الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الثاني من 2020 بنحو 1.1 نقطة مئوية عما كان متوقعًا لكن يختلف الوضع الحالي.
وارتبط مناخ التفاؤل في المؤسسات الدولية ــــــــــ قبل التحور الهندي للفيروس ــــــــــــ بتسارع وتيرة إنتاج اللقاحات عالميًا. لكن تلك النقطة أصبحت مثار شكوك حاليًا، خاصة أن الهند تنتج نحو 70% من اللقاحات في العالم ومن بينها “أسترازينكا”. الذي تتولى نيودلهي عبر معهد “سيروم الهند” إنتاجه لصالح نحو 64 دولة منخفضة الدخل ضمن برنامج للصحة العالمية.
تأثير الأزمة الهندية على الأوضاع الصحية امتد حتى في الدول المتقدمة مثل بريطانيا. إذ كانت تعتمد على نيودلهي في إنتاج 5 ملايين جرعة من “أسترازينكا” لصالحها. بجانب مستوردي المواد الخام والدواء فـ”نيودلهي” ثالث أكبر مصنع للدواء عالميًا من حيث حجم الإنتاج. كذلك هي تحتكر خمس الصادرات العالمية من الدواء المكافئ (منتج دوائي بديل لآخر ذو علامة تجارية مسجلة ومحمية قانونًا).
الهند ورهان تصنيع اللقاحات للبلدان الأفقر في العالم
فقدان الرهان العالمي على نيودلهي في تطوير لقاح لصالح الدول الفقيرة يجعلها عاجزة عن استعادة النمو بوتيرة سريعة. كم أن بقاء سياسات الإغلاق الكلي أو الجزئي أو تخفيض العمالة بما ينعكس في النهاية على النمو العالمي. خاصة أن الهند استطاعت في 2019 أن تصبح خامس أقوى اقتصاد في العالم متجاوزة بريطانيا وفرنسا. ذلك بحسب تقرير لمركز World Population Review البحثي.
كانت المؤسسات الاقتصادية الدولية توقعت أن تصبح الهند ثالث أكبر اقتصاد بالعالم بحلول عام 2030. لكنها تعاني من فقدان الزخم منذ جائحة كورونا. فمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي سجل أدنى مستوى له في أكثر من عشر سنوات إلى 4.2% عام 2019. مقابل 6.1% في 2019 ونحو 8.3% عام 2016. مع توقعات بأن يتقلص الاقتصاد الهندي بنسبة تبلغ 7.5% في المتوسط، وهو الأقل أداء فيما يقرب من 40 عامًا.
تفشي جائحة الهند يثير المخاوف عالميًا في ملف الغذاء. فهي تحتل المرتبة الأولى في إنتاج الألبان والثانية في الفواكه والخضروات ومرتبة متقدمة في صادرات الأسماك والحبوب خاصة الأرز. كما تعتمد عليها كبار شركات المواد الغذائية كرقائق البطاطس في توريد مستلزمات إنتاجها.
انتعاش اقتصاد العالم
قبل الموجة الهندية، كان الإنتاج الصناعي وتجارة البضائع يقتربان من العودة لمستويات ما قبل الوباء. دون أن يحدث انتعاش لسوق العمل مع ارتفاع البطالة حينها بنحو 1.5 نقطة مئوية فوق متوسطاتها السابقة لكورونا. ويتوقع أن تتزايد الأعداد في خضم العدد السكاني الملياري للهند، والوصمة الاجتماعية التي تعرضت لها عمالتها حاليًا في أسواق نشاطها التقليدية بالخليج العربي تحديدًا.
لا تزال الدول التي تعتمد بشكل كبير على السياحة والصادرات تعاني الخسائر في الإنتاج بقوة. في ظل توقف شبه كلي لقطاعات اقتصادية كاملة مثل السفر، الفنون، الترفيه، والضيافة. خاصة مع توقعات لصندوق النقد تكرار إجراءات الإغلاق والاحتواء بشكل متكرر في عامي 2021 و2022. ما يزيد من احتمالية حدوث آثار أضرار مستمرة على المدى المتوسط.
لا يمكن رسم توقعات
ولا تستطيع المؤسسات المالية العالمية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين، رسم توقعات يقينية بمستقبل الاقتصاد العالمي. فاللعبة محكومة بمسار الوباء، وقدرة الاقتصاد على التكيف، واستمرار الإنفاق على الصحة. فالسلالات المتحورة للفيروس إذا تجاوزت طفراتها انتشار اللقاحات، يمكن أن يصبح كورونا مرضًا متوطنًا مجهول الخطورة. ما قد يمثل ضررًا كبيًرا ومستمرًا لقوى العرض وانخفاض معدلات المشاركة للقوى العاملة وحالات الإفلاس.
يُعد التضخم الجرح الأبرز، الذي لم يندمل حتى الآن مع توقعات بارتفاع أسعار السلع (خاصة النفط بنسبة 30%) بشكل أكبر قريبًا. فالعالم يتعرض حاليًا لفجوات إنتاجية سلبية. ومن غير المرجح أن يزداد التضخم كثيرًا ما لم تصبح فجوات الإنتاج كبيرة جدًا لفترة طويلة من الزمن تعجز معها السياسة النقدية عن الاستجابة.
كذلك يُحذر صندوق النقد الدولي من أن أمد الأزمة لو طالت فستتفاقم الاضطرابات الاجتماعية. وتتعرض نفسية المواطنين للتضرر وهي مشكلة خطيرة على مستوى الإنتاج وجودته. خاصة أن انقطاع الدراسة تسببت في خسائر لرأس المال البشري الضروري للنمو المستدام. كذلك تطلب استثمارات غير متوفرة في غالبية الدول لتحسين خدمات التعليم عن بعد.
أولوية الإنفاق
ويتطلب تخطي أزمة الموجة الثالثة لكورونا أن تظل الأولوية للإنفاق على الرعاية الصحية حتى يتحسن الأداء الاقتصادي. والاعتماد على دعم السياسة المالية. وموازنة الإنفاق الاستثنائي مع القدرة على تحمل الديون ضمن أطر موثوقة في البلدان الفقيرة. وأن تستمر السياسة المالية في توفير تحويلات مستهدفة للأسر المتضررة والأعمال التجارية من خلال توفير القروض للشركات. أو المدفوعات المباشرة للأسر في الدول ذات الوفر المالي.
ورغم نجاح الكثير من الدول في تبني إجراءات للحد من فشل الشركات أثناء الوباء. لكن يجب على الحكومات استبدال الدعم واسع النطاق لجميع الشركات إلى انتقاء نوعيات منعها أكثر تضررًا مثل السياحة والثقافة والفنون والخدمات الأخرى. توجيه سياسات للحيلولة دون بقاء العمال في البطالة لفترات طويلة.
كذلك ساهمت الموجة الهندية في زيادة عدم العدالة في توزيع اللقاحات عالميًا. إذ باتت الاقتصاديات المتقدمة تستفد منها بشكل أسرع ما يخلق تباينًا في وتيرة التعافي الاقتصادي العالمي. ما يتطلب في عرف المؤسسات المالية الدولية إعادة تنظيم الشركات الصغيرة، وهيكلة القروض، وتنظيم شروط إشهار الإفلاس. وإعادة التخصيص القطاعي بمعنى منح الموارد للقطاعات الأكثر تضرراً مثل القطاعات الخدمية والسياحة ومواجهة الممارسات الاحتكارية.
فرض الضرائب على الأغنياء والشركات
ووفق صندوق النقد الدولي، يجب على البلدان التي تواجه ضائقة مالية زيادة الإيرادات كفرض الضرائب على الأثرياء والشركات ذات الأرباح. وسد الثغرات الضريبية للشركات، وإلغاء النفقات المهدرة.
تملك الهند شبكة علاقات اقتصادية قوية بالدول العربية. خاصة مصر بعدما ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما خلال العام المالي 2019- 2020 إلى 4.53 مليار دولار، مقابل 3.68 مليار دولار خلال 2017-2018.
كذلك أصبحت الهند في المركز العاشر كأكبر دولة مستوردة ومُصدرة إليها في الوقت ذاته. فقيمة صادرات مصر إليها ارتفعت قيمتها من 1.67 مليار دولار خلال عام 2018-2019 إلى 2 مليار دولار في 2019-2020. بينما تصدر القاهرة نيودلهي المنتجات البترولية والأسمدة الخام والأسمدة المصنعة والمواد الكيماوية وتستورد منها القطن والسيارات والمعادن المصنعة واللحوم.
مصر والهند
كانت تلك العلاقة التجارية السبب الأول في طلب الهند عقار “رمديسيفير” من مصر الذي يباع بنحو ألفي جنيه مصري. للجرعة للتخفيف من أعراض الوباء على الرئة. وتوقع سفارتها في القاهرة غًدا عقدًا مع شركة “إيفا فارما” للأدوية والمستلزمات الطبية على توريد 300 ألف جرعة من الدواء في مرحلة أولى.
وحذر تقرير لوكالة بلومبرج الأمريكية من أن الزيادة الجديدة في حالات الإصابة بفيروس كورونا، والتي يشهدها العالم حاليًا تهدد النمو العالمي. كما ستلحق ضررًا بالغًا بالمصادر الرئيسية المحفزة للطلب. خاصة أنها تضرب عدة دول في الوقت ذاته بداية من الهند وحتى الأرجنتين والبرازيل.
وحذرت غرفة التجارة الأمريكية من تعثر الاقتصاد الهندي جراء الارتفاع القياسي في الإصابات بفيروس كورونا في الهند. ما سيخلق عبئًا على الاقتصاد العالمي. فالسرعة المذهلة التي طغى بها كورونا على أنظمة الصحة في الهند أثارت قلقًا عالميًا بشأن النسخة المتحورة التي تصيب في الهند وحدها 400 ألف يوميًا.
كذلك يخشى خبراء الاقتصاد حاليًا حدوث تفشي للوباء يقلص معه الطلب على السلع ويهدد سلاسل التوريد العالمية. فالخسائر حينها قد تصل إلى 9 تريليونات دولار بحلول 2025، وما يحدث حاليا هو اختبار لحركة الاقتصاد العالمي.