أطلقت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤشرها لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت عنوان “العقوبات البدنية للأطفال“. وصنفت المنظمة دول بناء على قوانينها وسياساتها المتعلقة بالتعدي على الأطفال.
بدأ التقرير باستعراض واقع شديد الخطورة على الأطفال، من خلال أخبار متناثرة، تتعلق بانتهاكات صارخة تُرتكب بحق الأطفال دون حساب.
المؤشر رصد جملة من عناوين الأخبار كالتالي: أصيب صبي في الجزائر بجروح بالغة في عينه عندما ضربه مدرس الرياضيات بعصا. أثار مقطع فيديو صُوّر بالهاتف المحمول لمعلم في السعودية يضرب 13 صبيًا بالعصا ضجة. قامت معلمة في مصر بضرب فتاة في الصف الخامس وقصت خصلة من شعرها لحضورها إلى المدرسة دون حجاب، مع أنه ليس من الزي المدرسي. قام مدير مدرسة في إيران بضرب طالب في الصف السابع حتى فقد الوعي، ولم يخبر والديه حتى جاء لاصطحابه في نهاية اليوم الدراسي. توفي صبي يبلغ من العمر تسع سنوات في أربيل بالعراق بعد أن ضربه معلمه على رأسه.
إحصائيات بشعة
الحالات السابقة تعكس واقعًا بشعًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ تضم المنطقة بعضًا من أسوأ معدلات العقاب العنيف للأطفال في العالم. ففي بعض البلدان يتعرض أكثر من 90% من الأطفال للإساءة الجسدية أو اللفظية كل شهر.
بمناسبة إطلاق مؤشرها، طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حظر التأديب العنيف للأطفال.
سجلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعض أعلى معدلات العقاب البدني في العالم. كما وجدت استبيانات أن أكثر من 90% من الأطفال يتعرضون لعقاب بدني على الأقل مرة في الشهر في بلدان مثل مصر، والمغرب، وتونس. بينما تسجل قطر أدنى نسبة أقل من 50%، بحسب هيومن رايتس.
حللت “هيومن رايتس ووتش” الوضع في 19 بلدا، فوجدت أن أغلبها يفتقر إلى القوانين اللازمة للقضاء على العقاب التأديبي العنيف. بينما لدى بعضها قوانين تسمح به صراحة.
تضمن التحليل معلومات عن التأديب العنيف في المدارس، حيث تحظر 10 دول هذه الممارسة في سياساتها لكن ليس في قوانينها؛ ما يفضي إلى حظر سيئ التنفيذ.
يُحلَّل لدواعٍ “تعليمية”
من جانبه، قال أحمد بن شمسي، مدير التواصل والمرافعة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لـ”هيومن رايتس ووتش”، إن الاعتداء على الراشدين يعتبر جريمة في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه يحلَّل لدواعٍ “تعليمية” إذا كانت الضحية طفلاً. وأشار إلى أن إلغاء العقاب البدني سيعود بمنفعة كبيرة على الأطفال ومجتمعاتهم، وينبغي وقفه حالا.
وتابع بن شمسي: “يعيق العقاب البدني النمو السعيد والصحي للأطفال ليحققوا كامل إمكاناتهم، وهو عدو لتعليمهم. يستحق أطفال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حماية أكبر من الاعتداءات، ومدارس آمنة للتعلّم”.
العنف البدني
أثبتت الدراسات الحديثة التي أجريت على أكثر من 67% من الأطفال أن الذين يعانون من مشاكل نفسية أو عقلية كالقلق المرضي أو الاكتئاب يرجع لتعرضهم للعقاب البدني في صغرهم.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن العقاب العنيف للأطفال يتسبب لهم في ألم ومعاناة لا داعٍ لهما. كما أنه مهين ومضر بنمو الطفل، ونجاحه المدرسي، وصحته النفسية. ويحظر القانون الدولي جميع أشكال العقاب البدني، ويحق لجميع الأطفال التعليم في بيئة خالية من العنف.
وجدت دراسات أن الخطوة الرئيسية للقضاء على العقاب البدني هي تجريمه كممارسة، وتطبيق القانون بصرامة. عالميا، فعّلت 62 دولة حظرها للعقاب البدني في جميع الظروف، وتعهدت 27 دولة أخرى بتطبيق ذلك.
مؤشر هيومن رايتس
بناءً على قوانين وسياسات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشأن العنف البدني، يصنف مؤشر “هيومن رايتس ووتش” هذه الدول إلى ثلاثة ألوان: أخضر، وأصفر، وأحمر.
تشمل الفئة الخضراء الدول التي لديها قوانين جنائية تحظر العقاب البدني بوضوح وفي جميع الحالات، بما يشمل المدرسة والمنزل. وأشارت إلى أنه من بين الدول الـ19 التي شملها التقييم، لا تحظر العقاب البدني في جميع الظروف سوى تونس وإسرائيل.
تشمل الفئة الصفراء البلدان التي لديها سياسات تحظر العقاب البدني في المدارس، لكن قوانينها لا تحظره بوضوح كممارسة، مثل قطر.
أما الفئة الحمراء، فتشمل الدول التي تستثني قوانينها الجنائية صراحة ما يُسمى بالعنف “التأديبي” بحقّ الأطفال من أي عقوبات، سواء في المدرسة أو المنزل، مثل مصر وإيران والمغرب والعراق وسوريا.
وتطالب المنظمة بضرورة تنظيم حملات إعلامية حول الأضرار الناجمة عن التأديب العنيف. وتدريب المعلمين، والوالدين، ومقدمي الرعاية على أساليب التأديب الإيجابي وغير العنيف. وتشير المنظمة إلى أن هذه الخطوات ساعدت في الحد كثيرا من العقاب البدني في مناطق أخرى.
أفكار انتحارية
ربطت دراسات على امتداد عقود بين التأديب العنيف وتزايد الأفكار الانتحارية، والقلق، والعنف الأسري، والجريمة، والتسرب المدرسي. وأوضحت أن التأديب العنيف يخرج من قبل الوالدين، ومقدمي الرعاية، والمعلمين بسهولة عن السيطرة، ويقتل الضرب آلاف الأطفال سنويا.
بدأت الدول بحظر العقاب البدني في سبعينيات القرن الماضي، حيث أظهرت الأبحاث أنه لا يساهم في تحسين سلوك الأطفال. بل كان مرتبطًا أيضا بزيادة الأفكار الانتحارية والقلق والعدوان والعنف الأسري والجريمة والتسرب من المدرسة. لكن الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما زالوا يتعرضون للإيذاء الجسدي في المنزل، والمدرسة.
نتائج تعليمية سيئة
يؤدي العقاب البدني إلى نتائج تعليمية أسوأ، حتى لدى الأطفال الذين لا يتسرّبون من المدارس، وإلى ارتفاع العدوانية والعنف، بحسب هيومن رايتس.
إنهاء العقاب البدني
وأوضحت المنظمة أن إنهاء العقاب البدني في المدارس قد يؤدي إلى زيادة الحضور، وانخفاض نسب التسرّب المدرسي. بالإضافة إلى تحسين نتائج التعلّم، وارتفاع معدلات الانتقال إلى مستويات تعليمية أعلى.
وفقا لـ”البنك الدولي” و”برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، فإن نصف سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم دون سن 24 عاما. لكن المنطقة تتخلّف عن المعدلات العالمية في التحصيل العلمي والمساواة في فرص الحصول على التعليم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن عدة حكومات في المنطقة حددت التعليم كأولوية وطنية، لكنها تقاعست عن حظر العقاب البدني بالمدارس.
راسلت هيومن رايتس ووتش 25 سُلطة في المنطقة، فجاءتها ردود من 6 وزارات للتربية. في الدول العشرة التي لديها لوائح خاصة بوزارة التربية تحظر التأديب العنيف، يفتقر الحظر إلى قوة القانون، أو لا يُفرض من خلال عقوبات. وتسمح القوانين في 13 دولة صراحة بالتأديب العنيف للأطفال في المنزل.
وقالت المنظمة إنها ستُدخل تحديثات ومراجعات على تصنيف الدول في المؤشر فور توفر معلومات جديدة. يستشهد التحليل ببيانات عن انتشار التأديب العنيف في المدارس والمنازل، لكن لا يمكن إخضاع جميع البيانات للمقارنة بين البلدان.