عادت فلسطين مرة أخرة إلى أجندة المجتمع الدولي، لكن هذه المرة بفضل ما يحدث من أعمال تهجير استيطانية بحق سكان حي الشيخ جراح بالقدس، وهو ما يعيد الحديث عن مخططات التهويد الكبرى التي ترسمها دولة الاحتلال.
وتصدر في الأيام الماضية هاشتاج “أنقذوا حي الشيخ جراح”، مواقع التواصل الاجتماعي، للتنديد بجرائم الاحتلال تزامنا مع تحديد محكمة الاحتلال بالقدس جلسة للنظر في قضية 28 بيتا يقطنها ٥٠٠ فلسطيني مهددون بالتهجير وإحلال المستوطنين مكانهم.
لا يمكن فصل ما يحدث في حي الشيخ جراح عن خطة تهويد القدس بحلول عام 2050 التي تعتمدها قوات الاحتلال من أجل أن تكون القدس يهودية بشكل كامل ولا يوجد داخل حدودها سوى يهود إسرائيليين.
خطة تهويد القدس ليست حديثة العهد، فسبق أن لوحت قوات الاحتلال الإسرائيلي بهدفها وعزمها تنفيذ الأمر عام 2020، إلا أنها فشلت ولم تنجح في تحقيق مرادها، لذا جددت الخطة بأحداثيات جديدة لتكون القدس يهودية كاملة عام 2050.
اقرأ أيضا:
حكايات من أرض الشيخ جراح.. الاحتلال يهدد 500 فلسطيني بالتهجير
مشروع الأب
تم وضع المخطط الإسرائيلي الجديد ٢٠٥٠ بهدف تغيير كامل لوضع المدينة على رأسها المقدسات الإسلامية، والمسجد الأقصى.
يعتمد المخطط في تنفيذها إلى فتح الطريق الموصل لحائط البراق، والعمل على توسيع الحي اليهودي في المدينة القديمة، وكذا ربط جبل المكبر بالقدس بواسطة مبانٍ سكنية، هذا إلى جانب العمل على بناء سور آخر حول القدس كجزء من عمل دفاعي، وتوطين 7 آلاف يهودي كدفعة أولى في المنشآت الجديدة، خاصة في منطقتي الشيخ جراح وسلوان، والعمل على منع تواصل المناطق العربية في البلدة القديمة .
أطلق على هذا المشروع اسم “مشروع الأب” والذي يستهدف توسيع حدود بلدية القدس لتشمل المناطق الممتدة من مدينة رام الله شمالاً إلى بيت لحم جنوبًا، وهو يمثل الحزام الاستيطاني الثاني حول مدينة القدس.
محاولة الخروج من المأزق
في هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية، طارق فهمي، إن ما يحدث في حي الشيخ جراح ليس إلا محاولة من بنيامين نتنياهو للخروج من الأزمة الراهنة وفشله في تشكيل حكومة جديدة والتحرك نحو انتخابات إسرائيلية جديدة من أجل حسم كرسي رئاسة الوزراء.
وأوضح فهمي، في تصريح خاص، يبدو جليا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أراد أن يكسب ود الشعب الإسرائيلي لذا عمد في البدء بأول خطوات التهويد الكامل للقدس، لافتا إلى أن الأمر أكبر بكثير من حي الشيخ جراح وما يحدث في الأقصى، وبنظرة بعيدة المدى سترى أن هناك شيئا ما يتم الإعداد له في الغرف المغلقة يستهدف طرد الفلسطينيين من منازلهم وتمكين العائلات الإسرائيلية بدلا منهم.
وتابع: “الدول العربية أبدت رفضها لما يحدث في القدس وحي الشيخ جراح ويجب أن تواصل الضغط من أجل وقف خطة التهويد، فضلا عن ضرورة أن يكون هناك موقف واضح وحاسم من قبل الجميع بضرورة التصدي لرئيس الوزراء الإسرائيلي ودعم الشعب الفلسطيني بكل قوة”.
أما عن ملف التطبيع وتداعياته على القضية الفلسطينية يقول أستاذ العلوم السياسية: “لا أعتقد أن الدول العربية التي أعلنت تطبيعها مع إسرائيل ستقف مكتوفة الأيدي إذ أن هناك ظهير شعبي داعم بقوة للقضية الفلسطينية والاستقرار الداخلي أكثر قيمة من التعاون المشترك مع إسرائيل”.
تستهدف خطة تهويد القدس إضفاء صبغة يهودية على المدينة المقدسة بحيث يستحيل التفاوض عليها في حجاغل تم الجلوس على طاولة التفاوض مستقبلا.
الدور الأمريكي في خطة التهويد
منذ بداية الأزمة الفلسطينية واتخذت الولايات المتحدة رغم تعاقب الرؤساء صف الجانب الإسرائيلي وعملت على تدعيمهم على مدار عقود من الزمن، لدرجة التي يرتبط بها مستقبل الحلم الإسرائيلبي بالجالس في البيت الأبيض.
بدا ذلك واضحا خلال السنوات القليلة الماضية بالتحديد في 6 من ديسمبر 2017، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، والمباشرة بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
تلعب الولايات المتحدة دوريا محوريا من خلال اللوبي الصهيوني داخل الكونجرس الأمريكي الذي بدوره تبنى قرارا عام 1995 يحث الحكومة الفيدرالية على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف دوليا بأن القدس هي عاصمة إسرائيل الرسمية بدلا من تل أبيب، إذ تم الموافقة على القرار بأغلبية ساحقة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
مثل الرئيس السابق دونالد ترامب حجر الأساس لتحرك إسرائيل خطوات تجاه التمكين، ولعل ملف التطبيع مع عدد من الدول العربية وربط إسرائيل بها اقتصاديا وتجاريا خطوة على طريق دعم دولة الاحتلال لفرض سيطرته والتواجد بسياسة الأمر الواقع.
حي الشيخ جراح مجرد بداية
وبرأي المحلل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، فإن ما يتظاهر به الاحتلال الإسرائيلي ليس إلا من باب كسب الوقت وفرض حقائق مكانية سكانية وهيكلية وسياسية وعمرانية يصعب معها تجاهل الحضور الإسرائيلي في المدينة، ويحول بالتالي دون الاستجابة لطلب السلطة الفلسطينية بأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المقترح قيامها.
ولفت الرقب إلى أن المخطط الإسرائيلي يتماشى مع مخططها المستمر في عزل القدس الشرقية عن المراكز العمرانية الحضرية والريفية الأخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال تطويق المدينة بأحزمة بشرية استيطانية والضغط على مواطني المدينة من العرب لدفعهم إلى إقامة المساكن القدس وما يجاورها”.
وأوضح الرقب أن حي الشيخ جراح وما يشهده من أحداث متصاعدة ليس إلا مجرد بداية لمخطط كبير تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي بشتى الطرق السعي إلى إحكام قبضته في تنفيذه مستخدمة كافة الأدوات اللازمة، فضلا عن سعيها إلى اكتساب شرعية دولية من خلال تصوير الأمر على أنه قرار قانوني من خلال محكمة إسرائيلية اعتمدت في قرارها على أوراق ثبوتية وقوانين تخضع لها القدس.
وتابع: “بالتأكيد لا تراعي الخطة الإسرائيلية معدل النمو الفلسطيني في القدس الشرقية، والندرة المتراكمة في المساكن، وهي تُخصِّص مساحة 2,300 دونم – وحدة قياس تساوي 1000 متر – فقط للإعمار الفلسطيني مقابل 9,500 دونم لليهود الإسرائيليين، إضافة لذلك فإن معظم الوحدات السكنية الجديدة المقترحة للفلسطينيين تقع في المناطق الشمالية والجنوبية من القدس الشرقية، وليس في البلدة القديمة”.