اعتبر قانونيون ونشطاء في التيار النسوي قرار النيابة العامة بإغلاق قضية اغتصاب فتاة الفيرمونت لعدم ثبوت الأدلة ضد المتهمين، ردة على قضايا المرأة رغم مكتسباتها في الفترة الأخيرة، خصوصا فيما يتعلق بملف العقاب في قضايا العنف الجنسي.
وأغلقت النيابة العامة بشكل مؤقت، “قضية الفيرمونت” لعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية في قضية مواقعة أنثى بغير رضائها بفندق فيرمونت نايل سيتي خلال عام 2014، وذلك لعدم كفاية الأدلة فيها قبل المتهمين، كما أمرت بإخلاء سبيل المحبوسين احتياطياً منهم.
وقال القانونيون أنفسهم إن أغلاق لا يعني نهايتها ولكنها من الممكن أن يتم البت فيها مجددا حين ظهور دليل جديد يدفع النيابة لفتح التحقيق من جديد.
تكمن أهمية قضية “الفيرمونت” في كونها من النماذج المهمة للفتيات للدفع في اتجاه التبيلغ والحديث عن قضايا التحرش والاغتصاب، ولكن وقع غلق القضية القضية كان صادما.
إلهام عيدراوس الناشطة النسوية، ووكيل مؤسسي حزب العيش والحرية، رتى أن غلق قضية “الفيرمونت” سيكون له تأثير سلبي على الفتيات خاصة إن كان المتهمين من أصحاب النفوذ، مشيرة إلى القرار يمثل ردة على جهود الحركة النسائية وضد الجهود التي بذلتها أجهزة الدولة لإنهاء الإفلات من العقاب في قضايا العنف الجنسي.
وتوسعت مصر في السنوات في عقويات تجريم أفعال التحرش وختان الإناث، فوصلت عقوبة الأخيرة إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، كما وسعت دائرة الاتهام لتشمل الأب الذي يسمح بختان ابنته إلى جانب الأطباء الذين يشاركون في هذه الجريمة.
وعن ذكر النيابة العامة “كذلك كان التراخي في الإبلاغ عن الواقعة لمدة قاربت ست سنوات قد أنشأ صعوبة عملية في حصول النيابة العامة على الأدلة”، تشير عيدراوس إلى أن جرام الاغتصاب والتعذيب لها طبيعة خاصة وضحاياها يظلوا سنوات حتى يستطيعوا الحديث وكشف الواقعة وكان على جهات العدالة أن تراعي ذلك، موضحة أن التراخي التي ذكرته النيابة في بيانها لا يعد تراخيا بل هذا أمر طبيعي في تلك القضايا، لذلك كمدافعين عن حقوق النساء نطالب بأن تلك القضايا لا تسقط بالتقادم.
وأوضحت عيدراوس أنه في حالة الربط بين قضية الفيرمونت وقضية سيدة الكرم في الحالتين أجهزة الدولة بشكل أو بآخر أقرت إن هناك جريمة وقعت ولكن المشكلة تمثلت في الشهود أو إثبات أن المتهم “الفلاني” هو من قام بالفعل.
وكانت محكمة مصرية برأت ثلاثة أشخاص من اتهامات بتجريد سيدة قبطية مسنة عام 2016، وهو الحكم الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الحقوقية واعتبروا تكريسا لغياب العدالة.
وترجع عيدراوس ذلك بسبب عدم توفير مناخ آمن في قضية سيدة الكرم، فالشهود أدلوا بأقوالهم كما ذكر بيان النيابة أيضا بأن الشهود قاموا بتغيير أقوالهم، هنا أجهزة الدولة غضت بصرها عن الواقع وتتحمل الشاهد أو المبلغ وحده عبء شهادته وأي أخطار تحدث له وهذا خطأ لأن دور الدولة حماية الشهود والمبلغين وتشجيعهم وتوفير الأمان لهم. وهذا حق منصوص عليه في الدستور لكن لم يصدر قانون ينظمه وسلوك أجهزة الدولة معاكس له، تقول عيدراوس
وتابعت: “أجهزة الدولة بشكل عام ومنها الشرطة والقضاء والمجلس القومي للمرأة الذي للأسف كان ليس له دور مع سيدة الكرم، وبالنسبة لفتاة الفيرمونت شجعها تبلغ لكن لم يدعم الشهود التي اموا بدعمها وتم احتجازهم وهذا بالطبع خلق خوف لأي شاهد محتمل معاه الفيديو”.
وتوضح: “في الحالتين من وقف بجانب الضحايا هي الحركة النسائية والحقوقية لكن المجتمع المدني ليس له سلطة وصلاحيات”.
أحداث متشابهة
وطفت القضية على السطح من جديد في شهر رمضان بعد عرض أولى حلقات مسلسل “الطاووس” الذي تتقاطع أحداثه بشكل كبير مع قضية الفيرمونت، إذ تناول بشكل واضح اغتصاب فتاة تسكن حي شعبي على يد مجموعة من الشبان الأثرياء باستخدام مخدر.
وقد جاء قرار النيابة العامة أمس بغلق القضية لعدم كفاية الأدلة مشابهة لما جاء في أحد حلقات مسلسل الطاووس والذي يتردد تناوله لقضية الفيرمنت بغلق القضية لذات السبب. لكن أحداث الطاووس انتصرت للضحية ونال المغتصبون جزائهم بالإعدام وهو ما لم يتحقق في الفيرمونت بإخلاء سبيل المتهمين.
وفي وقت سابق، قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام التحقيق الفوري مع المسؤولين عن إنتاج مسلسل الطاووس، بالإضافة إلى مسئولي القنوات التي تعرضه، بعد أن قال إنه تلقى شكاوى عدة حول الألفاظ المستخدمة في المسلسل، وهو ما اعتبره متخصصون حجرًا على الإبداع وحرية الرأي. وسط تساؤلات عن مدى وصاية المجلس على الدراما وشاشة التلفزيون.
استخدام الثغرات
“كنت اتمنى حكم قضائي مناسب ولكن يبدو أن هيئة دفاع المتهمين عملت بشكل جيد، وتم استخدام الثغرات لصالح المتهمين”، تقول المحامية انتصار السعيد.
ووجهت السعيد حديثها للفتيات بعدم اليأس فلدينا قضايا أخرى تم الحكم فيها على المغتصبين أو المتحرشين، مشيرة إلى أن غلق القضية مؤقتا لا يعني نهايتها ولكنها من الممكن أن يتم البت فيها مجددا في حين ظهور دليل جديد.
وبحسب بيان النيابة، فإن شاهد الرؤية الأوحد الذي تواجد في الجناح محل الواقعة وقت حدوثها لم يشهد منها إلا جانبًا يسيرًا لم يتضمن مواقعة المتهمين المجني عليها والتي قرَّر أنه لم يكن على صلة بها وقتئذٍ، ولكن عَلِم لاحقًا من آخرين أنها المعنية بالواقعة.
ولذلك كانت تلك الأسباب قد جعلت الأدلة في الأوراق غير متساندة على نحوٍ يجعل بعضها متممًا لبعض كوحدة مؤدية لاكتمال الدليل على إسناد الواقعة للمتهمين، ومن ثَمّ كان الأجدر التصرف في الدعوى بإصدار الأمر بأن لا وجه فيها مؤقتًا لعدم كفاية الأدلة.
وأشارت السعيد إلى أن “عدم كفاية الأدلة” ذلك دليل شك تم تفسيره لصالح المتهمين، وذلك لا يعني البراءة، ولكن القرار بحفظ القضية مؤقتا بشرط ألا تمر المدة القانونية وهي 10 سنوات من وقت حدوث الواقعة، أي أننا امام 3 سنوات فقط لظهور دليل جديد يتيح فتح القضية مرة أخرى.
وبرأي السعيد، فإن المتهمين وصموا مجتمعيا مدى الحياة، وهو ما لن يقدر على تغييره المحامين الدفاع.
أحداث القضية
وكانت النيابة أثناء سيرالتحقيقات، أصدرت بيان كاشف لتطورات جديدة في قضية “الفيرمونت”. إذ أمرت بإحالة المتهمِين “شريف الكومي – يوسف قرة – أمير زايد” إلى محكمة الجنايات المختصة. ذلك لمعاقبتهم عن ارتكابهم “جريمة مواقعة أنثى بغير رضاها في قرية سياحية بالساحل الشمالي خلال عام 2015”.
وكانت النيابة العامة قد أقامت الدليل قِبَلَ المتهمين من شهادة المجني عليها وستة شهود آخرين. وأيضًا من خلال ما ثبت من مشاهدة تسجيلٍ مرئيٍّ لجانبٍ من الواقعة، أظهر اثنين من المتهمين يعتديان جنسيًّا على المجني عليها. حيث أثبت تقرير فحص التسجيل الصادر من الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية بوزارة الداخلية تطابقَ القياسات البيومترية للمجني عليها ولمتهمٍ محبوس مع قياساتهما في صورهما المأخوذة لهما على الطبيعة. وكان التسجيل قد أُرفِق بالبلاغ المقدم للنيابة العامة في واقعة التعدي على فتاة “بفندق فيرمونت نايل سيتي”، فأجرت تحقيقاتها في الواقعتين.
متى بدأت قضية الفيرمونت؟
“فيرمونت نايل سيتي 21-2-2014 إذا كان لديك الفيديو الذي نبحث عنه، تواصل معنا”، بهذه التدوينة على حساب “assault police” أو “شرطة الاعتداءات”، على موقع التواصل الاجتماعي “إنستجرام”. وهي مختصة بجمع شهادات ضحايا التحرش وتقديم البلاغات القانونية مع الاحتفاظ بسرية معلومات الفتيات، بدأت قصة الحفل الذي شهد حادثة اغتصاب جماعي لإحدى الفتيات بعد تخديرها.
بعدها تلقت النيابة العامة في الرابع من أغسطس الماضي بلاغًا من المجلس القومي للمرأة. وقد أرفق بشكوى قدمتها فتاة إلى المجلس حول اعتداء بعض الأشخاص عليها جنسيًا في 2014 داخل فندق فيرمونت بالقاهرة. وتضمنت شكواها شهادات مقدمة من البعض حول معلوماتهم عن الواقعة.
وكانت النيابة العامة أصدرت قرارًا بضبط وإحضار المتهمين ووضعهم على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، لاستجوابهم فيما هو منسوب لهم، بعد إجراء التحقيقات.
وفي 26 أغسطس الماضي، أصدرت النيابة بيانًا توضيحيًا جاء فيه: “أصدر اثنان من المتهمين البلاد بتاريخ 27 يوليو وتبعها أربعة آخرون في اليوم التالي، ثم غادر آخرهم يوم 29”. كما كشفت التحقيقات عن تمكنهم من مغادرة البلاد قبل تقدم المجني عليها ببلاغها إلى المجلس القومي للمرأة وإجراء النيابة العامة التحقيقات في الواقعة في 4 أغسطس.
ضبط وإحضار المتهمين ووضعهم على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول كانت أول القرارات التي أصدرتها النيابة العامة بِشأن تلك القضية، لاستجوابهم فيما هو منسوب لهم. ذلك بعد إجراء التحقيقات، التي على إثرها تم القبض على 6 من أصل 9 متهمين. بعدما تسلمتهم مصر من الإنتربول اللبناني. بينما لا يزال أربعة هاربين.
عقب ذلك، أمرت النيابة العامة في يناير الماضي، بإخلاء سبيل المتهم أحمد الجنزوري، منظم الحفلات، على ذمة التحقيقات في الواقعة.
إخلاء سبيل الشهود
شهدت هذه القضية تداخلاً بين عدد من الشهود، والذين ألقي القبض عليهم بعدما أدلوا بشهادتهم. لكن في الأخير قررت النيابة العامة إخلاء سبيل سيف الدين أحمد، ونازلي مصطفى -ابنة الفنانة نهى العمروسي. وكانا محبوسين على ذمة التحقيقات في الواقعة وما يرتبط بها من وقائع أخرى.
وقد سبق أن وجهت الفنانة نهى العمروسي، والدة نازلي مصطفى، تلغرافًا إلى انتصار السيسي زوجة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقد استنجدت مطالبة بالنظر مرة أخرى في قضية ابنتها المحبوسة. مؤكدة أنها ضحية ومجني عليها.