في آخر أيام رمضان تزدان الشرفات بالمفروشات المغسولة، تتدلى الستائر والسجاجيد لتحجب الرؤية لمن بالداخل، تفوح رائحة الصابون، وتُرفع الكراسي مشرئبة السيقان على الطاولات في وضع تعذيب مُبهِج، تستعدّ السلالم لحملة شلالات من الدِّلاء/الجرادل لتنفض عنها غبار أيام العاصفة وبصمات الأحذية، تسعد الشبابيك باختراق النور سالمًا زجاجَها النظيف الشفاف، تلفّ الفتيات في البيت كالنحلة قبل الإفطار ليُنهينَ حصة اليوم من النظافة ويستعددن لإعداد الإفطار بملابس متربة وجبهة نديَّة من مجهود وعرق اليوم… لا يلتقطن أنفاسهن إلا بعد وقت المغرب، وربما حينها يستعددن لإعداد بعض الكعك والبسكويت في فترة المساء والسهرة، فتصبح الأيام الأخيرة قبل العيد هي الأكثر تعبًا وانشغالًا واستهلاكًا لمجهود الأخت والزوجة والابنة.

(1)

منذ بدء الشهر الكريم ازداد العبء على الأمهات والأخوات ككل عام، فبجانب إرهاق العمل والصيام تعود من العمل بلا راحة لتبدأ مهامَّ أخرى كتنظيف المنزل وولو على السريع ثم جلي الأطباق المتبقية من ليلة أمس والوقوف أمام حرارة البوتاجاز والفرن لإعداد الإفطار، بجانب تعب الصيام والعمل أو الدراسة في الجامعة وشغل البيت وإعداد الطعام يوميًّا، فهي قد تكون مصابة بضغط منخفض أو مرتفع أو أنيميا (فقر دم)، مع ما يصاحب ذلك من دوار وصداع وزغللة، أو ربما مصابة بمرض مزمن كالسكري، أو الانزلاق الغضروفي، أو أحد أمراض القلب… في النهاية هي تقدِّم مجهودًا فوق طاقتها الجسمانية طوال الشهر بلا مساعدة، إلا قليلات يلجأن إلى الخضراوات الجاهزة أو إلى مَن تأتي كل أسبوع لتنظف البيت، فلماذا يفعلن ذلك؟

(2)

تُعَدّ آلام أسفل الظهر من أكثر الأمراض شيوعًا بين النساء، إذ تصيب ما يقارب 80% منهن، وتحدث هذه الآلام بنسبة أكبر لدى السيدات بسبب ضعف العضلات والأربطة لديهن نتيجة تَعرُّضهن لضغوط الحمل، خصوصًا في الأشهُر الثلاثة الأخيرة من الحمل، وقد تمتدّ إلى ما بعد الولادة لفترة قد تصل إلى ستة أشهر. وتنقسم هذه الآلام إلى عدة أنواع: الأول ألم يصيب أسفل الظهر ويمتد إلى الساقين، والثاني ألم يصيب المفصل الحرقوني، وقد يمتد إلى الناحية الخلفية أو الجانبية للفخذ، وعادة يظهر هذا النوع من الألم كلما تقدم الحمل، وأحيانًا يمتدّ إلى ما بعد الولادة، أما النوع الثالث فهو ألم يصيب منطقة أسفل الظهر وتشعر به الحامل عند الاستلقاء للنوم ليلًا.

 

(3)

“ضهرك يا مدام.. ضهرك يا آنسة”

بائع لوف على عربة يد في سوق المنيب بالجيزة 2021

 

 

 

 

(4)

يظلّ السؤال قائمًا: لماذا يفعلن ذلك؟ يقال إن ذلك “حتى يرانا الضيوف في أبهى صورة ويروا أننا ناس نضيفة، أي إننا كسيدات نُهلِك أجسادنا من أجل الآخرين، بل والآخرون هؤلاء هم الضيوف”.

تقول هند أبو السعود إنها بعد سنوات من الجهد الضائع في التنظيف كل عيد وكل مناسبة، وجدت حلًّا وسطًا: “قررت أن تنظيف البيت في الأعياد لا مبرر له، فيكفي توضيبه سريعًا، لكن التنظيف العميق لم أعد ألجأ إليه إلا بعد العيد مرة وبعد زيارات الضيوف، وقد أطلب من إحدى العاملات مساعدتي وربما لا، فالتنظيف يكون بعد زيارة الضيوف لا قبلها، ولكنني لم أدرك ذلك إلا بعد خبرة سنوات، وبدايات تعب ركبتي وآلام رقبة تزورني كثيرًا”.

افعلي مثل هند، لا تنتظري التعب وتَراكُم الآلام في الركبتين أو عضلة القلب، اطلبي المساعدة من سيدة تنظف بيتك كل أسبوع أو كل شهر، اشتري غسالة أطباق صغيرة بالتقسيط بدلًا من تجديد الأنتريه، اعتمدي على خدمة توصيل الطلبات بدلًا من تضييع وقتك في الشراء ووجع ساقيك وذراعيك في الشراء وحمل حقائب الطلبات وأيضًا لتقليل الاحتكاك بالناس لتقليل فرص العدوى المنتشرة بكورونا.

 

(5)

أظهرت الأبحاث المنشورة في مجلة JAMA Cardiology أن الأوعية الدموية لدى النساء، من الشرايين الكبرى إلى الشعيرات الدموية الصغيرة، تتدهور جسديًّا وتصبح أقل كفاءة بمعدل أسرع من الرجال.

ووفقًا للدراسة فإن لدى النساء بيولوجيا وظائف فسيولوجية مختلفة عن نظرائهن الذكور، ما يوضح أيضًا لماذا قد تكون النساء أكثر عرضة لتطوير أنواع معينة من أمراض القلب والأوعية الدموية، وفي نقاط مختلفة من الحياة.

ولأن خطر إصابة الشخص بنوبة قلبية أو فشل قلبي أو سكتة دماغية يبدأ عادةً بارتفاع ضغط الدم، مشّط الباحثون قاعدة من البيانات للبحث عن أدلة وأنماط تتعلق بكيفية بدء ارتفاع ضغط الدم.

وسمح هذا النهج بتحديد أن تطوُّر وظيفة الأوعية الدموية للمرأة يختلف تمامًا عن الرجال.

وقد أظهرت النساء علامات ارتفاع ضغط الدم في وقت أبكر بكثير من الرجال.

 

(6)

سيدتي، رفيقة المواعين المتكدسة قبل وبعد الإفطار والوقفة أمام البوتاجاز وصهد الفرن، تحية طيبة ويدّيكي الصحة، أمَّا بعد…

الأكثر إصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وهشاشة العظام، رائدة آلام الركبة وأسفل الظهر، المتفردة بمرض الأنيميا عن الرجال.

والنبي يا شيخة ما تحبّكيهاش، تنضيف الشقة والستاير والسجاجيد وكله ف يوم واحد! أربأ بك عن والخضوع لابتزاز نفسك وتأنيب ضميرك أن الناس كلها بتنضّف وطنطات العيلة بيوتهم هتبقى زي الفل، ولو حد زارك هيبقى البيت مش حلو قدامهم.

أحب أقول لك فلتولع الشقة، ارحمي صحتك وعافيتك. نضفي من ع الوش يا شابَّة، جلانسك ع القزاز، السجاجيد كنسة نضيفة أو شيليها ع المغسلة إن شا الله تيجي بعد العيد، كدا كدا هتتشال؛ الدنيا حر. لمّعى حوالين الدوَّاسات والطرقة بالشرشوبة/الموب ولمّي الملايات، اغسلي وانشري ونضّفي حوض الحمام والتواليت بس. مطبخك يبقى نضيف وزبالتك مرمية وباب تلاجتك يتلمع برشة ديتول… قسّمي كل يوم حاجة، بلاش هبدة يوم الوقفة.

أتدرين ما المهم والواجب أن تفعليه يوم وقفة العيد؟ أن تذهبي إلى الكوافير قبل الفطار في الرواقة، أو حتى اليوم اللي قبل الوقفة، اهتمي بصحتك شوية، إنتي محتاجة دا جدًّا بعد هذا الشهر المرهق الحارّ… وفي النهاية لن تجدي تقديرًا يوازي مجهودك،  فلتولع الشقة ولتولع فوفا أكثر ما هي والعة.