بدأت مصر إنشاء أسطول لصيد الأسماك في المياه الدولية، يضم 100 سفينة يتم تصنيعها محليًا بتكلفة 1.8 مليار جنيه. وهي خطة لزيادة الإنتاج المحلي من المقاصد الطبيعية المقدر حاليًا بـ400 ألف طن، تأتي من البحرين المتوسط والأحمر والنيل والبحيرات.
في التفاصيل، شهد الرئيس عبدالفتاح السيسي الثلاثاء، تدشين 34 سفينة صيد عملاقة تصل تكلفة الواحدة منها إلى 18 مليون جنيه. وهي ضمن المرحلة الثانية لمشروع سفن الصيد التي يتم تنفيذها عبر شركات محلية. وتتوزع بواقع 10 سفن للشركة البورسعيدية، و12 سفينة لترسانة بورسعيد، و8 سفن لشركة التمساح بالإسماعيلية، و4 سفن لشركة ترسانة السويس.
سفن بمواصفات دولية
تراعي السفن الجديدة الاشتراطات الدولية للصيد في المياه العميقة، حيث لا يقل طول الواحدة عن 24 متًرا بعرض سبعة أمتار وسعة استيعابية لكميات تجاوز 100 طن من الأسماك المختلفة. وتتضمن محطة لتحلية المياه ووحدة صغيرة لإنتاج الثلج لحفظ الكميات التي يتم اصطيادها، وغرف للإعاشة ومعدات للطوارئ وأحدث أجهزة الاتصال.
تفتح تلك النوعية من السفن آفاقا واسعة أمام قطاع الصيد المصري لاصطياد أسماك التونة التي ظلت مصر بعيدة كثيرا عن مجالها رغم تواجدها في المغرب. لذلك طرحت هيئة تنمية الثروة السمكية مزايدة لزيادة حصة مصر من أسماك التونة في المتوسط.
وتبلغ حصة مصر من التونة زرقاء الزعانف، 259.62 ألف طن لعام 2020 بالبحر المتوسط، يجرى اصطيادها خلال شهري مايو ويونيو. وفقاً لما تحدده هيئة الثروة السمكية من مواعيد للمغادرة والرجوع للميناء، ويتطلب ألا يقل المركب عن 20 متراً وأن تكون مزودة بالأجهزة الملاحية، ورصد الأسماك العائمة واللاسلكي.
وتتضمن اشتراطات صيد أسماك التونة ذات الزعانف الزرقاء أن تحمل المركب رخصة صيد سارية المفعول للعمل بحرفة الشانشولا. بالإضافة إلى شباك صيد طولها أكثر من 1000 متر، وأن يكون بها ثلاجة، وتكون المركب مؤهلة للعمل في المياه العميقة، وخارج الرصيف القاري بالمياه المصرية. على أن يتم توثيق عملية الصيد والنقل إلى أقفاص التربية بالتصوير بالفيديو، وتسلم لـ”الثروة السمكية” حال طلب ذلك.
حل مشكلة الصيادين
ويقول محمد شرابي، نقيب الصيادين بمركز البرلس في كفر الشيخ، إن تلك السفن تساهم في حل مشاكل الصيادين المصريين. وذلك بالنظر إلى أنهم يضطرون للصيد في المياه الإقليمية للدول المجاورة، ويتعرضون لعمليات توقيف.
تدخل المراكب الضخمة المنطقة التجارية أو الاقتصادية التي يمكن أن تنشط فيها سفن الصيد دون التعدي على سيادة أية دولة. وهي ضرورة بالنسبة لمصر التي أثرت التغيرات المناخية على نوعية الأسماك التي تمتلكها في النيل حتى بات ١٢ نوعًا من الأسماك النيلية الدارجة معرضة للاندثار بفعل نقص المياه وزيادة مستوى الملوحة في النيل، التي تتراوح حاليًا بين ٢٠٠ جزء في المليون في أسوان، و٥٠٠ جزء في القاهرة والدلتا، وفًقا لدراسة لمعهد التخطيط القومي، التابع لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
وتمنح السفن الجديدة قدرات هائلة للصيادين المصريين، فلا تستطيع غالبية مراكب العاملة حاليًا الصيد بأعمق من عشرة أمتار. وذلك في ظل رحيل الأسماك لأعماق أكبر بسبب التلوث، ما يجعل مراكبهم تعود خاوية، ولا يستطيعون شراء مراكب جديدة.
فجوة بين القدرات المتاحة والإنتاج
وتزيد مساحة المصايد السمكية الطبيعية بمصر على 11 مليون فدان، لكن الإنتاج السمكي منها متدنيًا. ومع ضعف قدرات المراكب التقليدية المحلية وهروب الأسماك لأعماق أكبر اضطر الصيادون المصريون لاختراق المياه الإقليمية، وفق شرابي.
ووفقًا لهيئة الثروة السمكية، وصل إنتاجية مصر من الأسماك حاليًا مليونا و920 ألف طن. منها 80% من الاستزراع السمكي، و20% من المصايد الطبيعية، بزيادة 100 ألف طن مقارنة بالعام الماضي، الذي بلغ مليونا و850 ألف طن.
بحسب شركة الأعمال الهندسية البورسعيدية، فإن أسطول الصيد المصري الجديد يضم ١٠٠ سفينة، جرى تقسيمه لمراحل. وتتضمن المرحلة الأولى ٣٤ سفينة بأبعاد ٢٣.٩ م طول و٧.٢٠ م عرض وبقدرات تمكنها من الوصول لمسافات بعيدة تصل إلى دول مثل إريتريا ومختلف دول شمال إفريقيا مع قدرات كبيرة لمقاومة ارتفاعات موج البحر.
ويسهل امتلاك مصر لأول مرة أسطولاً للصيد بهذه القدرات، تطوير القطاع نحو تنويع الإنتاج بدلاً من الاعتماد على المزارع السمكية. وتحقيق الاكتفاء الذاتي التام، بجانب تنشيط قطاع التصدير للخارج، وتوفير العملة الصعبة من الخارج.
تجربة سابقة
ولمصر تجربة سابقة مع أسطول الصيد، حينما أنشئت الشركة المصرية لمصايد أعالي البحار عام 1967 بهدف تشييد أسطول وزيادة الإنتاج. وبدأ إنتاج الشركة عام 1969 لكنها عانت من التذبذب ولم تحقق الاكتفاء الذاتي من الأسماك وفائض للتصدير. وهو ما أدى إلى صدور قرار بتجميد نشاط الشركة عام 1978.
في أوائل عام 1979 عادت سفن أسطول أعالي البحار إلى مزاولة نشاطها. وفي منتصف عام 1985 أدمجت شركة أسطول أعالي البحار داخل الشركة المصرية للصيد ومعداته. وتوقف العمل مجددًا عام 1978، ثم عاود نشاطه عام 1979. وفى 1985 تم البدء في تصفية هذا الأسطول، وكان خمس سفن فقط تمتلكها الشركة، هي: “رأس البر – رأس بناس – الغردقة – برانيس – سيناء”.
ووفق الهيئة العامة للرقابة على التأمين، فإن 58.6% من إجمالي السفن القائمة في الصيد بمصر يزيد عمرها على 20 عاماً. وهذا يجعلها مكلفة من حيث الصيانة، علاوة على أنها صغيرة الحجم؛ ما يحول دون قيامها بأنشطة تجارية غير صيد السمك.
ووفقًا للبيانات الرسمية للهيئة العامة للثورة السميكة، فإن البحر المتوسط يتضمن 3046 مركبا عاملة بالصيد بأنماطه المختلفة سواء الجر أو الشانشولا، والسنار والكنار والخيشومية. بجانب 1863 مركبًا تنشط في البحر الأحمر معظمها في السويس والقصير.
دخول الملعب الأوروبي.. الصيد في المحيطات وأعلى البحار
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن عليان، أن إنشاء أسطول للصيد سيفتح المجال أمام دخول مصر منطقة مياه أعالي البحار. بالإضافة إلى الصيد في المحيطات التي ظلت ملعبًا للدول الأوروبية ما يعزز قوة الاقتصاد المحلي.
وأضاف أن المشروع يحمل فوائد كبيرة أيضًا على مستوى التشغيل بفتح المزيد من فرص العمل أمام الشباب والحد من البطالة. ولفت إلى أن السفن الجديدة لن تتضمن صيادين فقط، ولكن تقيين وخبراء ملاحة وفنيي تبريد ومهندسي ماكينات وغيرها من التخصصات.
وتمتلك السفن الجديدة قدرات أكبر من غالبية المراكب العاملة بمصر، والتي تفتقد تقنيات الصيد الحديثة، ويعتمد بعضها على “الجر القاعي”. وتلك الأخيرة تضر بالإنتاج السمكي، لأنها تستنزف الأسماك الصغيرة الزريعة وتجمع السمك من القاع حتى السطح. والشانشولا التي تجمع السمك الذي يعوم على وجه البحر المهاجرة كالسردين. بينما تعتمد السفن الجديدة تقنيات متطورة تجعل إنتاجها أعلى بكثير.