في كل يوم يُعلمني ابني، وفى كل يوم أقوم بمراجعة حساباتي وطريقتي في الحياة، وفى كل لحظة أكتشف أن أبناءنا أكثر وعي وملاحظة مما نظن، أقول ذلك وأنا أُراجع ما يمر بنا وأُتابع كثير من حكايات لصديقات ولغير صديقات ممن يتحملن تربية الأبناء بمفردهن.

فمنذ فترة كان والد ابني يزورنا وفى حديث مع ابني الذي كان يبلغ من العمر وقتها نحو اثنى عشر عامًا، أخذ الوالد يتحدث مع ابنه عن أهمية أمه -التي هي أنا- وكيف أجتهد وأفعل كل شيء من أجله، وأنني سيدة عظيمة تفعل كل شيء من أجل ابنها، فما كان من الشاب الصغير إلا أن عاتب الأب وقال له ولماذا رفعت صوتك عليها وكسرت هاتفها، في ذهول سمعت أنا ووالده هذا اللوم الحقيقي، والواقعة التي أشار لها صغيرنا كانت وهو في عمر يقترب من الخامسة، كان شجار بيننا وسعى الأب لكتم غضبه، فأمسك الهاتف وألقى بها نحو الحائط فانكسر.

لملم الوالد خجله وأخذ يبرر ما حدث، ويؤكد أنه اعتذر لي، وأنني قبلت اعتذاره، وأننا أصدقاء وعلاقتنا جيدة جدًا، وهو الأمر الذي يلمسه ابننا ويراه في كل التفاصيل.

تبدو هذه حكاية عادية أو تافهة لكنها مؤشر خطر لكل من لديهم أولاد وانفصلوا، حيث يقوم الأبناء بحفظ كل الأحداث بداخلهم، ويصنعوا حكايتهم ومواقفهم.

تقوم المرأة بالمسئولية الأكبر في تربية الأبناء، حتى وهي تحت مظلة الزواج، لكن يظل دور الأب هامًا لتأكيد المسار الصحيح نحو أبناء أسوياء.

ينشغل العديد من الشباب بالزواج، يسارعون في الارتباط دون أسس حقيقية وصلبة تحتمل مشاق الحياة، ودون محاولات حقيقية لقبول الآخر وتفهم احتياجاته، والنتيجة بعد فترة  يحدث الطلاق، تخرج الشابة الصغيرة معها طفل أو طفلين، وتبدأ في مواجهة الحياة وحدها.

صحيح أن المجتمع ظاهريًا أصبح أقل قسوة في النظر إلى المطلقة، إلا أن كثيرًا من الآباء  يستخدمون أولادهم كأدوات هدم للسيدة التي قررت الثورة على بيت الزوجية وخرجت، فيسعى كثيرون إلى الهروب من التزاماتهم المادية أولًا، فهو كرجل يحدث بداخله رغبة في تأديب تلك التي رفضت استكمال الحياة معها، وعليها أن تتحمل ذلك، نلاحظ هنا أن قضايا النفقة في محكمة الأسرة هي النسبة الغالبة، وهي قضايا يسعى كثير من الآباء لمحاولة التملص منها، وابداء الفقر والعوز، ونظرًا لأن المطلقة هي المنوط بها إثبات دخل الأب، فإنها تسعى لذلك وهو أيضًا يسعى لغلق السبل أمامها، فنسمع عن نفقة لطفل قيمتها 100 جنيه، بل إن البعض يذهب للزواج عمدًا حتى يُثبت وجود زوجة أخرى بما يقلل من نفقة صغاره، الأمر انتقامي بشكل كبير، لا يفكر هؤلاء الآباء سوى في الانتقام من الزوجة السابقة، لا يكترث هؤلاء  بتعليم أولادهم، ولا دفع نفقاتهم، ولا مظهر أبنائهم، وتبعات كل ذلك على صحة الأبناء النفسية وتكوين شخصياتهم.

عقب انفصالي عن والد ابني كانت بيننا مكالمة تليفونية وقد تحدثت إليه بطريقة سخيفة، كنت ككثيرات أتخيل أن الطلاق يعني نهاية كل شيء ولا اتصال بعد الآن وكان ابني يستمع للمكالمة، وعقب نهاية المكالمة سألني صغيري الذي كان عمره وقتها أربع سنوات، سألني هل تتحدثين مع بابا؟ قلت نعم، فسأل وهل تتحدثي معه بهذه الطريقة، لقد خجلت من نفسي، وعلى الفور اتصلت بوالد ابني اعتذر عن طريقتي السخيفة وأشكر ابني لأنه نبهني لذلك، ربما من هذه اللحظة أدركت أنا ووالده أن التنشئة الصحيحة لابننا تستلزم بالضرورة أن يكون ابننا خارج هذا الصراع المعتاد بين المنفصلين، وقد انتبهنا لهذا ووعى كلينا لضرورة وجود منطقة آمنة لابننا، وخلال كل السنوات الماضية كان دومًا الأب حاضر، بالحديث عنه والحديث إليه، والنتيجة عظيمة لو تعلمون.

أحكي عن تجربتي الخاصة لأنه من السهل جدًا البعد، ومن السهل الغضب، حسب التقاليد الاجتماعية، سيكون معتادًا ومتقبلًا أن أُقاطع والد ابني وأتحدث عنه بالسوء، وأُمارس ضده كثير من الكراهية، ولكن من سيدفع ثمن ذلك هم الأبناء الذين لا ينبغي أن يتحملوا فشل الوالدين في استكمال علاقتهما، فليس من المفروض أن نجعل من أبناءنا ساحة انتقام وإظهار لمشاكلنا ونقائصنا.

كم أب يعي ضرورة وجوده في حياة أبنائه، وأهمية أن يحترم أمهم أيا كان شكل العلاقة؟

بالطبع المشكلة تقف على ساقين، فكثير من الأمهات ترفض اللجوء إلى والد أبناءها، خشية أن يلومها ويُحملها مسئولية أي فشل للأبناء، محاولات بعض الآباء إلقاء مسئولية أي اخفاق أو فشل على الأم هي محاولة للانتقام والتخلص من المسئولية، هل وقف واحد من هؤلاء الآباء وفكر ماذا كان سيفعل مع أبنائه في حالة استمرار الزواج؟ 

لا أتصور أنه سيكون أفضل كثيرًا، فنحن أباء وأمهات نتحدث عن أولادنا إنهم الدنيا كلها، لكن الأفعال تكشف عكس ذلك، ليست كل الحياة سوداء فهناك أباء يكفلون أبناءهم ماديًا ومعنويًا، يساعدون الأمهات في تربية أبناءهم، ويتشاركون بشكل حقيقي، لكن هؤلاء استثناء وسط عدد غير قليل من الآباء الذين يسعون لكسر المرأة التي كانت يوم زوجة، وهي الآن تشاركهم مسئولية الأبناء، هناك أباء يتملصون من الانفاق على أولادهم، ورؤيتهم، هم فقط يسعون لتصيد الأخطاء وأي فشل ليؤكدوا لأنفسهم أنهم كانوا على حق حين انفصلوا عن الأم.

للأب دور هام في تربية الأبناء ليس فقط الإنفاق المادي، ولكنه دور أكثر أهمية وهو القدوة، الأب يقدم لأبنائه المثال الحي لكل القيم، كيف نعلم أولادنا احترام الآخر وهو يرى في أبويه عدم احترام أو تقدير متبادل بينهما.

نتحدث عن أبنائنا أنهم قرة العين، فهل يمكن أن نجعلهن كذلك بالفعل، حين تنتهي العلاقة الزوجية أيا كان سبب ذلك، فليس من المفترض أن يُصفي الطرفين حساباتهم الشخصية في الأبناء.

فهل تأتي لحظة ويقف فيها الطرفين لتقديم مصلحة أبناءهما فوق خلافاتهما؟