يتصدر مجتمع اللاجئين في مصر روايات بطلها التنمر والعنصرية تصل إلى الإيذاء الجسدي، وسط انتقادات ومطالب بتشريعات وسياسات لإنهاء الظاهرة.
وتحدث عشرات اللاجئين الأفارقة، بينهم أطفال، عن تعرضهم للعنصرية والتحرش الجنسي واعتداءات أخرى خلال الفترة الماضية. وأفاد الأطفال بأنهم تعرضوا أثناء ذهابهم للمدرسة للقذف بالحجارة والقمامة، فيما قالت امرأة إثيوبية إن جيران لها كان ينعتوها بـ”العبدة”، وفق وكالة “أسوشيتد برس”.
منذ أيام نشرت “منصة اللاجئين في مصر” بيان على صفحتها في “فيسبوك”، ناشدت فيه الجهات المعنية بالكشف عن مجريات التحقيق في اعتداءات وقعت ضد ثلاثة لاجئين من جنوب السودان في منطقة عين شمس.
اضطهاد أصحاب البشرة السمراء
جاء هذا الموقف بعد انتشار فيديو يظهر تعرض لاجئين إلى اعتداء جسدي ولفظي عنصرية من شاب مصري. ويظهر بالفيديو تعرض طفل (14 عامًا) لاعتداء جسدي ولفظي برفقة فتاتين (16 و17 عامًا)، وهم ﻻجئون من جنوب السودان.
تعرض الأطفال لاعتداء وسطو المسلح أثناء عودتهم إلى المنزل بعد حضور حفل أحد الأقارب. البداية باقتياد الفتاتين إلى شقة في شارع آدم، قرب منطقة الألف مسكن، وحين ﻻحقهم الطفل، تم اقتياده إلى الداخل معهن.
تعرضت إحدى الفتيات لقص شعرها بعد اغتصابها، وبعد ارتفاع صراخ الأطفال فرّ المعتدون. وتحركت أجهزة الأمن بعد نشر مقطع الفيديو الذي يُعنف فيه الطفل، على “تيك توك”.
أجهزة الأمن ألقتع القبض على صاحبة البيت الذي جرى فيه الاعتداء، وثلاثة معتدين، أحدهم ابنها، وتقرر حبس الأربعة. هذه الواقعة ليست الأولى لحوادث الاعتداء والعنصرية تجاه اللاجئين واللاجئات في مصر، خاصة أصحاب البشرة السمراء.
قلق حقوقي
عدم التوعية بخطورة جرائم العنصرية والتنمر والاعتداء البدني والجنسي على اللاجئين، يزيد الأمر تعقيدًا. وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن مصر تستضيف أكثر من 6 ملايين لاجئ، أكثر من نصفهم من السودان وجنوب السودان. وبالنسبة لبعضهم فإن مصر هي الملتجأ، وللبعض الآخر مجرد محطة عبور إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
وأعرب مجلس جنيف للحقوق والحريات عن قلقه من تكرار حوادث العنف والتمييز ضد اللاجئين الأفارقة في مصر. وطالب السلطات باتخاذ تدابير جدية لوقف هذه الاعتداءات العنصرية ومعاقبة المتورطين فيها وحماية ضحاياها.
وكانت مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الانسان أصدرت دراسة بعنوان “التمييز ضد اللاجئين بسبب اللون وكيفية مواجهته” في يونيو 2020. ورصدت الدراسة التنمر ضد الأطفال بسبب اللون في مصر، ووجدت تمييزا ضد الأطفال اللاجئين من السودان وجنوب السودان وإثيوبيا.
وأشارت الدراسة إلى أن التحرك الإنساني والتنموي سينشئ علاقات إنسانية بين المصريين وأبناء قارتهم. وهو ما يكافح العنصرية ويسهم في تحقيق أهداف سياسة مصر تجاه أفريقيا.
حوادث متكررة
شهدت الفترة الأخيرة عدة حوادث مشابهة، تعرّض خلالها عدد من اللاجئين الأفارقة في مصر إلى ممارسات عنصرية على أساس اللون. شملت الاعتداء والإهانة والتحرش والتنمر وغيرها من الأفعال الحاطة بالكرامة.
في 16 يونيو 2020، اعتدى 3 مصريين على الطفل السوداني “نائل محمد عمر” (15 عامًا) في منطقة مطار إمبابة بالقاهرة، وسرقوا منه متعلقاته ومبلغًا ماليًا كان بحوزته. ووجهوا له الإهانة واعتدوا عليه بألفاظ عنصرية، وصوروا الواقعة ونشروها على الإنترنت.
وفي أكتوبر 2020، تعرّضت فتاة سودانية لاعتداء وتحرش جماعي من شبان مصريين في مدينة نصر. وألقت القوات الأمنية القبض على بعض المتهمين في الواقعة.
وفي الشهر نفسه، لقي الطفل السوداني “محمد حسن عبد الله” مصرعه على يد مصري في “مساكن عثمان” بمحافظة الجيزة، على خلفية خلاف مالي مع والده.
وفي أكتوبر 2019 تعرض الطالب الجنوب سوداني “جون” للعنف والاعتداء العنصري في منطقة المعادي. وأقدم منفذ الاعتداء على تصوير الواقعة ونشرها بتفاخر. وبعد نشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي قبضت قوات الشرطة على المعتدين وإحالتهم للنيابة.
واستضاف الرئيس المصري الطالب السوداني- المعتدى عليه – في أحد مؤتمرات الشباب. ثم انتهت القضية بعد ذلك بالتصالح من جانب أسرة المجني عليه وأفرج بعدها عن المتهمين.
عام 2018 قضت محكمة في القاهرة بسجن رجل، لمدة سبع سنوات لتحرشه باللاجئين وضربه معلمة من جنوب السودان حتى الموت. هذه الوقائع تم رصدها جميعًا من قبل مجلس جنيف للحقوق والحريات ومنصة اللاجئين الأفارقة في مصر.
ضحايا برنامج إعادة التوطين
مركز دراسات الهجرة واللاجئين في الجامعة الأمريكية بالقاهرة أكد أن الدساتير المصرية كفلت حق اللجوء للأجانب. ويأتي اللاجئون إلى مصر على أمل الالتحاق ببرامج إعادة التوطين التي ستنقلهم إلى دولة تتمتع بظروف معيشية أفضل. ولكنهم يأتون ويمكثون وينتظرون ربما عشر سنوات، ولا يُعاد توطينهم.
الدكتورة أماني الطويل الخبيرة في الشأن الأفريقي، تقول إن التنمر يحدث غالبًا في أحياء شعبية وعشوائية، يسكنها لاجئون أفارقة ومصريين. وأضافت أن هذه الظاهرة نتيجة غياب المحتوى التوعوي بضرورة المساواة الإنسانية بين البشر. ولفتت إلى أن المحتوى التعليمي والإعلامي لا يعترف بهذا النوع من المساواة مع وجود أجيال مهمشة تعليميًا.
وتضيف الطويل أن الدولة أصدرت قانونًا ضد التنمر، لكن لا يوجد تسويق لجهودها فيما يتعلق بالعنصرية عبر السوشيال الميديا والتلفزيون الذي يصل أسرع للفئات المستهدفة. وأشارت إلى أن الجنوب لديه تقدير موقف مبدئي بأن المصريين ينظرون له بتعالي ولدية ثقافة موروثة في السودان بهذا الأمر.
غياب الشفافية
وأكدت أن حجم الشفافية يكاد يكون معدومًا بسبب تسويق انتقاد أنظمة سياسية على أنها اضطهاد مصري. وتحدثت عن الدور الذي لعبته الميديا الجديدة في نشر أغلب الحوادث المصريين مع بعضهم البعض ومع اللاجئين أيضًا.
وترى الطويل أن الحل يكمن في حزمة سياسات متوازية في التعليم والإعلام والتوعية بجانب القوانين الصادرة في هذا الشأن مؤخرًا.
وعن دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تؤكد الطويل إن أداء المفوضية بعيد تمامًا عنهم وهو ما أحدث فجوة. وقالت إن الواقع بعد جائحة كورونا جعل الأمر أكثر صعوبة في التواصل بين اللاجئين والمفوضية من خلال “أون لاين زوم”.
الدكتورة ماجدة عدلي الطبيبة النفسية ومدير مركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا العنف والتعذيب، صرحت من قبل بأن المركز تلقى الكثير من الحالات العنف المبني على النوع. ولفتت إلى أن قسم الحماية بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يرصد العنف الجنسي ضد اللاجئات، إلى جانب شركاء مثل منظمة “أطباء بلا حدود”، المسؤولة عن الكشف الطبي والعلاج.